loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الإنسانية لن تخسر شيئًا

breakLine
2021-09-15


فاطمة هاشم | كاتبة سورية

في مكتب التحرير الخاص بالصحيفة اليومية تسلم الصحفي الجالس الصحف الأجنبية التي تصدر في دمشق ، تصدر المؤتمر القادم لمحكمة العدل الدولية الصفحة الأولى، لا شيء جديد، جمل متراصة كنملات تبحث عن قشور في حر الصيف، تعبيرات آلية، عبارات مكررة، وستكرر مرًا ات كثيرة أخرى، كل شيء بات يسبب الملل، سوف يجتمع سیاسيو العالم والدبلوماسيين ورجال السلطات الثلاث، سيتفقون أن يختلفوا، وتستمر الحرب في أنحاء العالم ، بلا نية لإنهائها ، فالعالم لم يخلق ليسوده السلام، بل خلق ليفسده البشر بسفك الدماء، وهكذا يبقى كل شيء على ما كان عليه ، وقد يزداد سوءًا. أزاح الصحفي الأوراق جانبأ، ووضع أمامه كتاب التسامح ل اوشو ..لن يكتب المقالة، فإن الإنسانية لن تخسر شيئًا إذا نقصت المقالات لهذا اليوم مقالة واحدة.. على الرصيف المقابل تسلم الجزار خروف صغيرة، قرأ مصدره ووزنه عن الورقة ووقع أسفلها بملل، المصدر نفسه، وكذلك الوزن، نسخة عن خروف البارحة، دفع الثمن المطلوب، وغادرت السيارة. نظر في عيني الخاروف الذي كان يجتر الطعام في فمه، لا شيء جدید، كله يسبب الملل، سوف تتوافد نساء الحي بعد قليل ليأخذن حاجتهن من اللحم، ناعم، خشن، بلا دهن، للكبة، للمحاشي، سيلكن الأسئلة نفسها، عن الحال والعيال، وفي النهاية يشتكين أسعار اللحم التي ما عادت تنخفض مع نزول سعر الدولار. في الصيف يشرح لهن بأن وفرة المراعي تجعل مربي الماشية يتدللون عند بيع مواشيهم، وفي الشتاء تتدلل أسعار الأعلاف رافعة معها من بورصة الأغنام، يردد لهم ذلك كل صيف وشتاء، ويستغربون كلامه كل مرة كأنها الأولى.. العالم لم يخلق بجدة لكل يوم، بل هو اليوم نفسه يتكرر منذ قديم الزمن وسيتكرر حتى آخر الزمان.. ترك الخاروف يتحرك بحرية، لن يذبحه اليوم، لن يمارس دوره كسفاح كما نعتته تلك الممثلة التي دعت إلى عالم من النباتيين أزاح سكاكينه ووضع أمامه كوب الشاي، الإنسانية لن تخسر شيئًا إذا توقف جزار واحد عن بيع اللحوم.. مر صانع الثياب من أمام الجزار وألقي عليه تحية رامقة كأس الشاي "دم الغزال" بنهم، اتجه إلى مصنعه الصغير، رفع القفل الحديدي، وفتح الباب فاستقبلته الرائحة العابقة للمادة اللاصقة، والأقمشة المختلفة، ولازال حتى اليوم يأمل أن يجد النماذج التي قصها الليلة الفائتة قد تمت خياطتها من قبل أقزام صغار كما في قصة الأطفال التي قرأها لأحفاده قبل زمن طويل. لا شيء جديد، لا تزال البذلة الرسمية للرجال في مقدمة الأشياء المطلوبة، وفساتين المنزل المريحة بأقمشة مليئة بالورود للسيدات. أما الجيل الأصغر فكان يلتهم ألبسة الجملة الجاهزة كحريق من الهرمونات.. كلٌ يرتدي الملل، الألوان الثلاث ذاتها، الأسود والرمادي والبيجي، حتى بات يظن أن عينيه ما عادتا تميزان ألوانًا أخرى.. أزاح النماذج جانبًا وقرر أن يخيط ثوب طفلة أرجواني وأخضر.. الإنسانية لن تخسر شيئًا لو تأخر موعد تسليم البذلات المكررة المملة، يومًا واحدًا.. مر مذيع نشرة الأخبار بالصحفي صباحًا فابتسم له بود وأكمل القراءة في كتابه، وعندما مر بالجزار کست الدهشة وجهه وهو يرى الخروف يتنقل بحرية فيم الرجل يشرب الشاي بهدوء، وعندما قصد صانع الألبسة ليقيس البذلة الجديدة آخر مرة، تم صرفه بابتسامة ردها وهو يتأمل الفستان الصغير بتسامح، وعندها قرر بأنه لن يلقي نشرة الأخبار في منتصف اليوم كعادته، الإنسانية لن تخسر شيئا بذلك، كما أن أخبار اليوم الجديدة تنسى غدًا كأنها لم تكن، فجديد اليوم ميت غدًا.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي