loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

فيفيان الصايغ حيث الفن وعد بالحقيقة

breakLine
2022-07-28

سامي عمامي/ فنان تشكيلي تونسي


"لنجمعْ ونرمّمْ ما خرّبته أيدينا" إنها حالة إعلان طوارئ وصرخة قلب ملوّن في وجه عبثية فاقت كل توقّعاتنا، من هنا، من هذا الوعي الوجودي الشّاهق لما نحن فيه (عالم لا يبالي بعذابات الإنسان وأحلامه، واقع سريالي يتداخل فيه المعنى بضده) جاءنا فن "فيفيان الصايغ" محمّلا بالحب والجمال والدهشة، ومنذرا في الآن نفسه بخراب قريب إن لم نصحُ من سكرة أوهامنا وأطماعنا، فن يشدك بسخائه الإبداعي يركض خلف فكرة جمالية، لكنه لا ينسى رسالته الإنسانية. منجزات تتأرجح بين المعنى والمبنى ليعالج الواقع دون السقوط في سرديات مباشرة يكشف ويعري الأوهام ويرفع حجاب الطهارة عن حقيقة الإنسان، إنه فنّ تأسيسيّ يهدم ليبني.
"فيفيان الصايغ" رسامة تشكيلية سورية، خرّيجة مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، لها مشاركات عدة جماعية وفردية أهمّها كان معرضها الشّخصي معرض في لبنان بعنوان: حروف وامرأة من ضياء، في الرابطة الثقافية سنة 2017، ومعرض فردي في سورية - مشتى الحلو بعنوان: صدى، عام 2018. ومعرض ثنائي مع الفنان عبد الله صالومة في صالة "إتيان دوكوزان"، ويعتبر معرض تركواز سنه 2020 ومعرض حكايا 2021 التجربتان الأكثر ألقا ونضجا في مسيرتها.
فيفيان رسامة تسكن قصور الدهشة الهدارة التي لا تنضب، فخمة هي صورها أخاذة وبهية، تمزج بين الواقع اليومي والجمالي بأسلوب خفي وذكي، استحقت اهتمام النقاد لاختلاف مسارها التشكيلي، تجربة مفاهيمية تعطي للفكرة مكانة ريادية، فنراها تشتغل على المعنى وتطوع له كامل معارفها التقنية لتخرجه في أبهى حلة، معبرا عن الواقع السوري بكل وضوح ودون مواربة.
فإلى أي مدى يرتبط الفن بواقعه؟ 
إن من بديهيات الفن أن يكون نتاج واقعه ومعبّرا عن شواغله وأن يذهب إلى أكثر من ذلك، أن يدرّب الناس على متعة تغيير الواقع على حدّ عبارة برتولد بريخت.
من مرجعيات مختلفة ومتداخلة سعت الرسامة إلى كشف معاناة الإنسان السوري وعمق جراحاته جرّاءَ الحرب التي تدور رحاها هناك فجاء أبطال لوحاتها حاملين لأوجه مشوّهة، هي انعكاس حقيقيّ لواقع سريالي، تشويه واع ومقصود يعكس قبح الحرب، منجزات تشكيلية توثق الحدث لترويه للأجيال الآتية لعلهم يعتبرون، صور لأراوح مشتتة وهائمة، أطفال وشيوخ ونساء ورجال... تختلف الضحايا لكن السبب واحد، كثيرة هي مواجعهم حين يرسمها لون أو خط على مساحة لوحة بيضاء ليبعث فيهم حياة خفية، قد تلتبس الصور أمامك أحيانا لكنها لا تضيع فنظرات الهائمين تخبرك بأن هناك وجعا يداريه اللون والتقنية لكنه يأبى المهادنة ليعلن عن نفسه بقوة طاغية.

هي ابنة واقعها ونتاجه حيث أعلنت صراحة قائلة "أسعى من خلال أعمالي لأن أوثق الواقع المليء بالمتناقضات وأجسد حالة التوتر الدائم التي يعيشها الإنسان وهو يقف وجها لوجه أمام الدمار والموت والتعذيب والوحدة، لذلك أرسم الشخوص بملامح وأعضاء غير مكتملة في أغلب الأحيان". 
علاقة متينة بنتها فيفيان الصايغ مع واقعها نافية لفكرة أن يكون المبدع معزولا عن تفاصيل واقعه الاجتماعي بل إن وجوده لا يكتسب ماهيته إلا إذا انخرط فيه وانطلق منه، ريشة ملوّنة استطاعت من خلالها كشف واقع صدئ يحتاج إلى روح جديدة، يحتاج إلى الفن ليعلن أحقية الحياة على الفناء. وكأنها تخبرنا "أنها صوت الصراخ... في وجه العبث الصاخب".

ولعل تجربة فيفيان مع الحرب ومع كل هذا الوجع اليومي يذكرنا بتجربة سابقة للرسامة الألمانية "كاثي كولفيتز" التي عملت على تصوير آثار الحرب على الطبقات الأكثر هشاشة، الطبقة العاملة فحولت الحرب إلى موضوع فني بسحر وبهاء فلُقّبت آنذاك برسامة الواقعية الاجتماعية والتعبيرية. تجربتان تشابهتا في طرح موضوع واحد ولكن اختلفت طرق التعبير عنه فإن كانت الرسامة الألمانية واقعية جدا في صورها وتعبيراتها فإن فيفيان كانت أشدّ غموضا وأكثر رمزية واختزالا محاولة أن تخفي المعنى خلف صور سريالية مغرية لقراءتها.
التقنية التشكيلية
تعدّ التقنية التشكيلية بوصلة الرسام لتشكيل منجزه الفني ولإيصال أفكاره بشكل سلس ومفهوم فهي إزميله الذي ينحت به المعنى ليخلق صورا خلاقة، بها يعيد اختراع عوالمه ويعيد صياغته لهذا عملت فيفيان الصايغ على إيلائها حيّزا كبيرا، فالتقنية لديها أسلوب تعبيري حتى وإن بدا خافتا أحيانا وغامض الملامح حينا آخر.
الخربشة:
إن أهم الأشكال التقنية الموظفة لديها نجد تقنية الخربشة خربشات شديدة الرهافة، تتوزع بأسلوب مختلف من عمل إلى آخر فمرة نراه يتبع نظام انتشار دقيق يحسب كل حركة داخل فضاء اللوحة ومرة ينتشر بصفة عفوية وحرة منطلقا نحو فضاء أرحب هذه الخربشة تولدت عنها أيضا خلق مفهوم جديد ألا وهو مفهوم الملمس فحركة اللّون الخطية السابحة في أرجاء المحمل ساهمت في بروزه فجاء ناعما، خشنا، منظّما وفوضويّا، يمكنك أن تراه بعينك تارة وأحيانا تستنجد بيدك لتتحسس ملمسه الناعم الخفيّ. إنه لعبة بصرية خلاقة بين الظاهر والخفيّ مشاهد إبداعية أجادت فيفيان الصايغ حياكتها بمهارة الرسامة العارفة لتقدم لنا فنا سمحا وبهيّا تلعب فيه التقنية دور الريادة. 
اللون: 
إن اللافت حقا في ألوان فيفيان هي تركيزها على مجموعة من الألوان دون غيرها ونتبيّن ذلك من خلال تتبّع مسار خطوات اللون بأعمالها حيث قامت بتوظيف ألوان ترابية عززت بها غربة الإنسان مع محيطه وكشفت عن حزنه الدفين الكامن في غياهب النفس. قد تخدعك ألوانها بادئ الأمر بحيادها إلا أن ذكاءها الفني التشكيلي تنبه إلى الأمر، فعمدت إلى الاشتغال على تدرّجات الألوان الترابية فأضافت الأسود هنا والرمادي هناك لعبة بصرية شديدة الدقة والإتقان، متماسكة ألوانها كبنيان مرصوص. 
كما كانت فيفيان تولي اللّون التركوازي الأهمية البالغة حتى أنها في سنة 2020 عنونت معرضها الشخصيّ ب "تركواز" لون يرمز إلى الحياة والميلاد والخصوبة كما جاء في الثقافة الفرعونية وهو معنى في حقيقة الأمر يتماشى وتوجه الرسامة التي وإن بدت صورها التشكيلية حاملةً همومَ الناس وشواغلَهم فإن ذلك لم يمنعها من أن ترسل إلى الإنسان أينما كان بارقة أمل اختزلها اللّون التركوازي.

التلصيق:
تعتمد الرسامة هذه التقنية بطريقة ذكية إذ تقوم بمزح ساحر بين الخلفية (سطح اللوحة) وملصقاتها وهي غالبا ما تكون أوراق جرائد مزج يتداخل فيه الإتقان مع المعرفة (التشكيلية) ليعطينا إحساسا بوحدة الفضاء فرغم اختلاف الملمس بعد إضافة أشكالها إلا أننا لا نكاد نفرّق بين الحامل والمحمول. تقنية أثرت المنجز فنيا، فاتخذته فيفيان طريقة وأسلوبا للتعبير، فنانة لا تخشى التّجريب بل تسعى إليه سعي المحب إلى مريده، وتجدر الإشارة في هذا السّياق إلى أن أسلوب التّلصيق كان أوّل ظهور فعلي له مع رساميْ التكعيبية "بابلو بيكاسو" و"براك".

إن كل تجربة مهما عانقت عنان البهاء والإبداع، تحتاج دائما إلى قراءة ونقد موضوعيين لتقف على حدود نقصانها لتتجاوزه وتتخطّاه، لتواصل رحلتها في غياهب الإبداع وهو في حقيقة الأمر مطلب يشتهيه كل رسام حقيقي يؤمن كون الكمال نقصان أو لا يكون، ولعل اللافت في تجربة فيفيان الصايغ اهتمامها و بتصوير المرأة وجعلها مركز منجزاتها وموضوعها فرأينا معها المرأة الحالمة، المقاومة، المنكسرة، والمبتهجة... صور فنية ساحرة تبنت فكرة الدفاع عن القضية النسوية في ظل مجتمع ما زالت تحكمه مشاعر الفوقية الذكورية كل هذا الميول إلى قضية عادلة أمر طبيعي من رسامة متمرّدة مثل فيفيان الصايغ المتّقدة بشعلة التغيير، إلا أن ما قد يحسب ضدها أنها لم تذهب إلى أبعد من تصوير محتشم للجسد فهي على ما يبدو كانت تتفادى إزعاج المتلقي بتقديم صورة جريئة لا تعترف بحدود وحواجز إذ عملت على التبسيط والاختزال كلما تعلق الأمر بجسد المرأة.

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي