قراءة في مشروع المفكر المغربي يونس لوليدي حول مصادر التشريع في الاسلام

ناجي الفتلاوي / كاتب عراقي

مصدر لا مصادر*

 

لم يكن عبورا معرفيا عاديا ما شكلته محاضرة المفكر المغربي الفيلسوف الدكتور يونس لوليدي بل كان عبورا ممنهجا من شاطيء الفكر الى مدينة الدليل المستند الى ركن وثيق خاصة وهو ينحت ضمن منظومة تربعت على عرش الخطورة والتابوهات التي غلفت منظومة التراث الاسلامي الذي ناخذ منه ونحيل اليه بل ننغمس فيه حد الثمالة ,لم يفعل الدكتور لوليدي فعلا اعجازيا سوى انه اعتمد على آلية اسمح لنفسي بتسميتها (آلية تغيير زاوية النظر) وهنا تكمن العملقة ,والحال اننا نطل كل اسبوع وكل يوم بل وربما كل ساعة على مواضيع تخص التراث الاسلامي والتشريع ومصادره و نقف عند السنة وقبلها القران ومصادر للتشريع انبجست من جراء الحوادث النازلة فكان القياس والاجماع وقول الصحابة والاستحسان والعقل وغيرها ,نعم نمر عليها نقف عندها نستشهد بها ولكن لا نخوض في غمار من اوجدها وكيف وجدت ولم وجدت وهل هي اصيلة ام انها عيال على النص الخالص (القران) الذي هو المصدر الرئيس للتشريع في المنظومة الاسلامية  , محاضرة الدكتور يونس لوليدي التي حضرتها افتراضيا وبضيافة مؤسسة مغرب التراث وبدعوة من استاذتي الدكتورة بشرى اقليش رئيسة منتدى تحالف الحضارات وحوار الديانات ,لفتت نظري فيها فضلا عن احادية مصدرية التشريع في الاسلام (القران الكريم) الى ضرورة فهم عنصر المرونة في الاسلام وهل ثمة تماه بينه وبين التجديد في الفكر الاسلامي وهنا لنا ان نعرف ان الفكر الاسلامي مستند ومأخوذ من الاسلام بدليل الصفة وهنا تتضح مساحة فهم نتاج المشتغلين في منظومة المصادر الاسلامية عبر ما اعتادوه من ادوات تساهم في عملية الفهم بهدفية جعل هذا النتاج اكثر قربا من مراد الشارع المقدس وهنا لا يمكن نفي سطوة فهم المفكر للواقع ,وهنا لنا ان نعرف ان الشريعة مدججة بمرونة خلاقة للمساحات المفتوحة بغية استيعاب المتغيرات  وهي مساحة لا يمكن ان نقول عنها طارئة او دخيلة بل هي بوابة لدخول الاجتهادات والعوامل المتغيرة لمنظومة الزمكانية والتصورات الفكرية التي انتجتها العقول على اختلاف مسمياتها (فقهاء ,مفسرون , مفكرون,رواة,محدثون,مؤرخون ..)والذين رفع عنهم المفكر لوليدي وظيفة المشاركة في المصدرية للتشريع بل اوقفهم عند ما يمكن ان نقوله (منظومة تطبيقاتهم المترشحة عن فهمهم للنص الخالص) اما النبي (ص) فوظيفته وهنا اتفق مع الدكتور لوليدي اوضحها القران الكريم (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (:النور54)وظيفة التبليغ وهذا لا يمكن ان يعد قدحا فشدة ذوبان النبي (ص) في الامر الالهي تكمن في انه اعار جمجمته لله بل كيانه بل كل مافيه لله فبات من اوضح مصاديق التسليم البشري لله فوظيفة التبليغ هي رتبة عالية فكل الانبياء لديهم هذه الرتبة ونبينا الخاتم محمد (ص) تسيد هذه الرتبة فهو المصطفى بينهم وهذا متأت من لحاظات عدة منها خصوصية الاسلام فهي تختلف مثلا عن شريعة نبي الله موسى (ع) حيث كان في مضمونها التشريع مقابل العطاء كلما طلبوا (أي بني اسرائيل )اعطاهم الله وهذا يعني ان الشريعة الموسوية قائمة على الاساس الحسي بينما الشريعة المحمدية قائمة على الاساس الغيبي وهي ايضا خاصة بقومه (أي نبي الله موسى ع) اما شريعة محمد (ص) فهي للامة مؤقتا ثم للانسانية جمعاء , وبالعودة الى واحدية المصدر (القران الكريم...النص الخالص) فاننا نجد ان محاولات التعدد في المصدرية ليست غير حاضرة في القرن الهجري الاول بل لها حضور واضح فقد ورد (ان الخليفة الراشدي عمر ابن الخطاب (رض) لقي رجلا فساله من اين جئت ؟فقال الرجل : جئت من عند علي وقد قضى بيننا بكذا وكذا في خصومة هي كذا , فقال عمر : لو كنت انا الذي يقضي فيها لقضيت فيها بخلاف هذا القضاء ,فقال الرجل لعمر وما يمنعك وانت امير المؤمنين ؟فقال عمر : لو كنت اردك الى كتاب الله او سنة رسوله لفعلت ولكني اردك الى رايي والراي مشترك) و مما يستشف من هذه الرواية :
اولا : نية ايجاد راي اخر غير ما ورد في القران  
ثانيا : يقر الخليفة عمر ابن الخطاب (رض) ان الراي مشترك ,وهذا يعني ايجاد ما يقابل ما ورد في القران من راي خاص .
ثالثا : خوفه من من امضاء رأيه لان الامة مازالت حديثة عهد بالقران والاسلام عموما , وتعضيدا لما ورد في اعلاه انقل ما اورده الاستاذ العقاد من ان الخلفاء الراشدين، اجتهدوا منذ عهد الصديق الخليفة الأول فى المصالح المرسلة التى لم يرد فيها نص ولم تسبق لها سابقة فى حياة النبى(ص), وضرب أمثلة لهذه الاجتهادات بالمصالح المرسلة:(كتابة المصحف ولم يتقدم فيها أمر ولا نظير ,ولاية العهد من أبى بكر لعمر رضى الله عنهما، لم يتقدم فيها أمر ولا نظير ,ترك الخلافة شورى ,وتدوين الدواوين, وعمل السكة للمسلمين, واتخاذ السجن,هدم الأوقاف التى بإزاء المسجد النبوى وتوسعته، وقد اجتهد فى ذلك عمر رضى الله عنه ,تجديد الأذان فى الجمعة بالسوق، وقد اجتهد فى ذلك عثمان رضى الله عنه ,واجتهد أبو بكر وعمر معًا فيما ورد فيه النص لزوال العلة الموجبة، بالنسبة لسهم الزكاة للمؤلفة قلوبهم) لذا فان اطروحة الدكتور لوليدي (مصدر التشريع في الاسلام لا مصادر التشريع) انما هي دعوة الى الفصل بين الاسلام و بين التراث الاسلامي داعيا الى فهم للتراث الاسلامي نمارس فيه سلطتنا على التراث لا ان نكون خاضعين مسلمين له دون تمحيص , مشيرا ضمنا الى ما حصل عندما بدأ إدماج السنة النبوية بالمعنى الواسع، أي سنة الوحي وسنة العادات في الدين وهذا بدوره اربك التراث ومسيرته التي تتزحلق زمنيا من جيل الى اخر حتى باتت حمولات التراث عصية على فك الاشتباك بين مضامينها فهي تحمل الحكم ونقيضه في آن واحد ولا يمكن ان يتم افتضاض هكذا تشابك الا بالعودة الى المصدرية المطلقة للتشريع (القران الكريم..النص الخالص) ,محاضرة الدكتور لوليدي هي محاولة يمكن ان تصنف ضمن مصاديق استنبات وايلاد شكل متطور من الفهم يتعكز على جرأة وشجاعة بنوايا صادقة غير تسقيطية ,فهو يجيب على اسئلة مفادها ,هل ان الشريعة تتسم بالصلابة ام بالمرونة وهل هي سكونية ام تقدمية باعتبار الزمن وبطريقته ومنهجه الخاص ؟ ويشير ايضا تلميحا وعبر قناعته الواثقة بواحدية مصدر التشريع في الاسلام من ان الفقه توسع على حساب الشريعة وتوسعت الشريعة على حساب الدين ,ولا يفوتني هنا وتماهيا مع ما قاله الدكتور لوليدي ان العقل الاسلامي المعاصر مبني على الفقه اكثر من النص الخالص (القران الكريم) وهو ما يفسر انفصامه (أي الفقه) عن الواقع الراهن ,لحظة التنوير من اطروحة الدكتور لوليدي وحسب فهمي المتواضع ان النص الخالص (القران الكريم) هو ما يمثل الاسلام ومصدره الوحيد اما منظومة السنة وما انتجه الفقهاء والمفسرون من احكام مستنبطة من النص الخالص فهي نتاج نصي وافد (تطبيقات) وقد اكتسبت مرجعية وحجية وقوة في الالزام تزاحم النص الخالص .

(بغداد:العراق) 
16 ايلول 2022