loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

سلطة الخيال في فن سليمان الكامل

breakLine
2022-09-22

سامي عمامي/ فنان تشكيلي تونسي

 

"لا يمكنك فهم أي شيء عن الفن وخاصة الفن الحديث، إذا كنت لا تفهم أن الخيال هو قيمة في حدّ ذاته". من هذا المنطلق الفكري الفلسفي لميلان كونديرا، على الفنان أن يبني عوالمه ورؤيته الفنية التشكيلية الخاصة استنادا إلى ملكة التخيّل دعوة للهجرة إلى أرض الخيال والعوالم الروحية، بلغة أكثر وضوحا وأقل تعقيدا تشكيل الواقع بالخيال وإعادة إنتاجه في صور مغايرة ومبتكرة بهذا يصبح التخيّل والخيال فاعلين ملهمين لأيّ ذات حالمة فالواقع أحيانا نجده قاصرا عن مدّنا بمادة فنية ثرية تغري الرسام وتحثه على الفعل الإبداعي وهذا تحديدا ما تنبه إليه الفنان التشكيلي التونسي سليمان الكامل من خلال تبني الخيال أسلوبا ومنهجا لتجربته الفنية فقدم لنا مناخات تشكيلية جديدة متعاليا على مقولة "إن الرسم ما هو إلا تقليد ونسخة"، وصورا قائمة على الفانتازيا المرحة، تعكس سعي الإنسان الدائم إلى تجميل الحياة ومنحها معنى وجوديا وهنا تكمن السعادة الحقة للفنان ولا يمكن تحقيق هذه الرغبة الجامحة إلا بواسطة الفن.
فكيف استطاع سليمان الكامل توظيف الخيال للتعبير عن الواقع وتحويل اللاّمرئي إلى مشاهد تصويرية ملموسة؟
ولا يفوتنا أن نرسم خطّ تماس بين كلمتين أساسيتين في مقالنا بين التخيّل والخيال فحتى إن تماهى في المعنى أحيانا بذهن المتلقي فإن ذلك لا ينفي البتة وجود فروق بسيطة وجب تبيانها
التخيّل يمكن اختصاره في كونه عملية ذهنية يقوم بها الإنسان عن وعي ودراية، حيث يصبح وسيلة الرسام التي يحول بها اللامرئي (أي الشيء المتخيل) إلى صور حسّية متجسّدة على أرض الواقع. فالخيال هو الملكة التي يؤلف بها المبدع صوره، يقول الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات "قوة مَّا تحفظ ما يدركه الحس المشترك من صور المحسوسات... فهو خزانة للحس المشترك".
ويمكن اختزال الخيال في تعريف بسيط هو تلك المسافة بين الصورة والواقع المحسوس
لأنه لا يمكن أن تشقّ طريقك بآليات غيرك. فقد سعى سليمان الكامل منذ بداياته إلى محاولة نحت أسلوبه الخاص وبصمته المميّزة فأبدع عوالم من الجمال البصري المثير للدهشة من خلال التنقيب عن الماضي (استحضار الماضي بأدوات الحاضر) رفض أن يظل مهادنا وحبيس قوانين تشكيلية قديمة، وتمرد على المألوف ليساير الحراك الفني العالمي في زمن أصبح فيه العالم قرية أبوابها تفتح على بعضها البعض فما أرسمه الآن يمكنك بنقرة زرّ أن تجوب به العالم في ثانية فنثر فنّه في كل مكان استطاع "الكامل" الوصول إليه، فأقام معارض داخل الوطن وخارجه حاملا على عاتقه هموم شعبه الحالم بعد ثورة صنعها من عجين ألمه.

الفن بين استعادة الذاكرة ونقد الواقع

سليمان الكامل ذات استطاعت أسْطره الواقع وألبسته ثوب الفانتازيا الساحرة دون أن تجتهد كثيرا، نقلت لنا تفاصيلها الصّغيرة الواقعية حيث الحِكايات القروية والأغاني الشعبية المعطرة تملأ زوايا المكان والزمان... حكايات تنافس الخرافة في سحرها وغرائبية أحداثها وصورها منجزات لا تخلو من شعرية المعنى، سحر الطفولة يطفو من تفاصيل اللوحة ليملأ أرجاء المكان.
واقع قام سليمان بإعادة تشكيله على شكل سرديات لونية إذ يتحوّل معه اللون إلى حكواتي بارع في سرد أحداث واقعية أقرب منها إلى الخيال، يترك أثر نقطة حمراء هنا وأثر خط أصفر هناك، تتكرّر الحركة وتسبح على كامل مساحة اللوحة بحرّيّة مطلقة فتنبلج أشكالا وأحجاما عفوية تملء الفضاء. 
يمتزج الواقع بالخيال الذاتي والموضوعي فتنتج لنا فنا مختلفا عمّا تعودنا رؤيته تركيبات تشكيلية يتماهى فيها اللون والشكل بعفوية ساحرة، تبعث على الدفء تنفخ الروح في طفولة مضى زمانها لكنها تأبى الاختفاء والرحيل، لتعود بنا ولنا من جديد وتقيم بـأرواحنا يأخذنا الحنين معه إلى حكايات الجدة عن قصص أشبه بالخرافة، إلى شيخ يفلح أرضه نهارا ليعود ليلا منهكا إلى بيته الدافئ.

نغرق معه في سرديات لا تنتهي فلكل لوحة قصة ولكل قصة مدلولها ومعناها، بعيدا عن السطحية محاولات فنية تشكيلية من سليمان الكامل تعكس قدرة الفنان على التعبير عن نفسه من خلال ترويض الخيال واسترجاع الماضي، بهذا المعنى يصبح الخيال أحد مقومات الإبداع التشكيلي وقرينا له. 
من السهل لدى البعض اختزال فن سليمان الكامل في كونه حنين الذات إلى طفولتها المشتهاة ولا غاية له سوى استعادة اللحظات الهاربة، غير أن هذا موقف يمكن وصفه بالانطباعي وغير القريب من الفهم الفلسفي للرسام فهو ابن واقعه ومنه بنى نسيج لوحاته فاستطاع بكل سلاسة أن يضمن معاناة الإنسان وصراعاته اليومية في سياق فني ثريّ فتحدث عن بؤس الفقراء وعن خيبات الحالمين بأوطان عادلة بعد بزوغ شمس الثورة المنتظرة، حكى عن وجع وطن، عن غدر أحبة عن تفاصيل لا تراها إلا عين الباحث وعن بهاء الفن كرسالة إنسانية كونية.

رمزية اللون في فن سليمان الكامل
 
يقول "فاسيلي كاندنسكي" في وصف اللون "اللون ينقل ويترجم العاطفة" وهذا تحديدا ما تفطنت إليه روح الفنان من خلال استحضار الماضي السعيد عبر الألوان، فالقارئ لأعمال سليمان يتبيّن تركيزه المستميت على ألوان دون غيرها إذ تسجّل الألوان الحارة حضورها بقوة مثل (الأصفر، الأحمر، البرتقالي وبدرجة أقل اللّون الأرجواني) ألوان تعبثُ وتبعث في الروح سرورا وحيوية فرح لا تبرّره إلا نشوة الروح باللون. كما استطاع الرسام خلق علاقة ترابطية لونية بين القيم الباردة والحارة فسجّلنا حضورَ الأزرق في بعض منجزاته بشكل لافت وخفوتَ حدة الألم على مساحة اللوحة وحلولَ قيم بصرية جمالية مكانَها.
 

تكثيف لوني 
وما يشدّ المتابع لفنّه قدرتُه على توظيف التراكم اللوني بطريقة ساحرة ومبهرة فرغم كل هذه الكثافة اللونية هناك مشاهدُ تصويريةٌ مفعمةٌ بالواقع تحكي لنا قصص الطّفولة الهاربة خلف ستائر اللّون وظلاله ألوان متجاورة ومتجانسة، فنّ بسيط الصّورة عميق الدّلالات محكم البناء. فبين مزج الخيال بالحقيقة واستحضار الماضي ونقد الواقع، يسعى سليمان الكامل إلى نقش ورسم خطوات فنية له داخل مسار تشكيلي معقّد ومليء بالتحديات روح فنية طموحة تريد ترك أثر بقعة ضوء في هذا العالم.

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي