loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الاعتراف بالسرد

breakLine

 

د. عبد الله إبراهيم/ باحث وناقد عراقي

 


ينتسب الأدب العربي إلى حقبة تاريخية سبقت ظهور الإسلام، ولما استقرّت الظاهرة الدينية في حياة العرب، دفعت بالظاهرة الأدبية إلى الوراء، فأصبحت تحتلّ الرتبة الثانية في حياتهم. ومعلوم بأنّ الدين اقترح وظيفة أخلاقية للأدب، وهي: معاضدة الدين ومؤازرته. وفي ضوء هذا المعيار جرى استبعاد ما لايتوافق مع شروطه. ولعل “المرويات السردية” قد تعرّضت لطمس كبير لأنها كانت ممثلة لعقائد الجاهليين، وأوابدهم، أكثر مما تعرّضت له “المرويات الشعرية” التي تغنّت بأحوالهم الفردية أو القبلية. ومنذ ذلك الوقت لم يُعترف بالسرد العربي باعتباره نوعا أدبيا مستقلا بذاته، فاكتفى العرب بالحديث عن النثر دون أن يتخطّوا ذلك للحديث عن السرد الذي هو نظير الشعر، وتأدّى عن ذلك إبعاد كثير من المرويات السردية، ورميها بالدونية، والتحذير منها.
ورثتْ الثقافة العربية الحديثة هذه الحال من التوتّر بين القولين السردي والديني، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت العلامات الأولى للرواية العربية، وخلال قرن ونصف من عمرها حقّقت ما لم تحقّقه الظاهرة السردية طوال خمسة عشر قرنا من تاريخها، فأصبحت “ديوان العرب” شرط أن يفهم من معنى “الديوان” السجل الحافل بالأخبار والأحوال في حقبة من حقب التاريخ؛ لأن الرواية قامت بتمثيل سردي متنوّع لأحوال المجتمعات العربية، وعرضت بحثا مجازيا في الصراعات السياسية، والمذهبية، والعرقية، بما في ذلك الهويات، والآمال، والحريات. وبالإجمال فلا أجد عرضا مستفيضا لأحوال العرب، في أي وسيلة تمثيل أدبي، كما أجد ذلك في الرواية، التي انخرطت في معمعة التاريخ الاجتماعي، وفي كشف المصائر الفاجعة للمنفيّين، والمشرّدين، والمهجّرين، والنساء، وأصحاب الرأي، وضحايا الحروب الأهلية، بل وضحايا الاستبدادين السياسي والاجتماعي، وفيها نجد لائحة طويلة من الانتهاكات المريعة للذوات الانسانية.

إن نظرة خاطفة إلى الرواية العربية المعاصرة تبرهن على أنها لم تمكث في منطقة الحياد السلبي، إنما ذهبت إلى المكان الذي ينبغي أن تكون فيه، وبذلك تزحزحت وظيفتها التقليدية من كونها حكاية متخيّلة إلى خطاب رمزي باحث في الشأن العام. إنها “ديوان” نتلمّس فيه ما يثير الهلع في النفوس عن البطانة المركّبة للجماعات القبلية والمذهبية والعرقية، وهي “ديوان” كاشف للاحتقانات الفردية في مجتمعات تتوهّم بأنها طاهرة لا يأتيها الإثم على الإطلاق. وإلى كل ذلك، فقد خاضت الرواية العربية مغامرة جريئة في تطوير بنياتها السردية والأسلوبية، واقترحت لغة جديدة غير تلك اللغة المعيارية التي أصبحت موضوعا للبلاغة التقليدية في القرون الوسطى. وصار الاعتراف بها أمرا لازما بوصفها الممثل الرئيس للأدب القومي في الثقافة العربية الحديثة.
اقترحُ النظر إلى الرواية باعتبارها من “المرويّات الكبرى” التي تسهم في صوغ الهُويّات الثقافيّة للأمم، ذلك أن السرد يبتكر عالما متخيّلاً وينظّم العلاقة بمرجعيّاته الواقعية، ويصبح من الضروري تغيير موقع الرواية من كونها مدوّنة نصّيّة إلى خطاب تعدّدي منشبك بالخلفيّات الحاضنة له. لايسجّل السرد واقعًا، أو يعكس حقيقة قائمة، إنّما يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة، فيتدخّل التأويل في كشف أوجه التماثل فيما بينها. وفي ضوء كل ذلك أعتبر فوزي بجائزة الملك فيصل العالمية في حقل الأدب اعترافا بالسرد العربي، وبخاصة الرواية، التي هي لبُّ الظاهرة السردية في العصر الحديث، وهو اعتراف صريح أيضا بجهود الباحثين في قارة السرد العربي التي ما زالت قيد الاكتشاف.

■■■

المقال هو نص الخطاب الذي ألقاه الدكتور عبدالله إبراهيم، الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في حقل الآداب، خلال حفل التكريم الرسمي الذي أقيم مساء يوم 30-3-2014 في مدينة الرياض.

 


 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي