loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

معمارية التضاد في الصورة الأطروحة ونقيضها، مرئية لحسين نجم

breakLine

 

 

خليل الطيار|| كاتب عراقي 

 

 

 "نحن نفكر في ممر الجرذان، حيث فقد الموتى عظامهم"

                                             ت. س. أليوت

 

 

عملية إنتاج صورة مادية، أمر متاح وسهل طالما وُجدت الكاميرا، يسهل من خلالها حبس كمية من الضوء ليتحقق أثر بصري بجمالية عالية. لكن هذه المهمة، وكما نعرفها دائما في قراءاتنا لجنس الصورة يكون فيها "المُلتقط" مجرد صاحب هواية، وليس مالك وظيفة، وتنتهي مهمته بهدف الاستمتاع بالتقاط الصور، ولا ترتبط بوظيفة الخلق والابتكار والتي هي أساس وظيفة الفن …

وحتما هي ليست مهمة "المرئي" بوصفه مبتكر جمالي، وليست هي رسالة "الفوتوغرافيا" الحقيقية، بوصفها جنس فني يستعين بخامات الضوء لكتابة سردياته والتي تمنح "المصور الفاعل" وظيفته الأساسية، عندما تكون مهمة اشتغاله إعادة ترتيب مفردات الواقع الخامل والساكن بحالاته الميتة، لينتج واقعا مَغْرِبًا عن حقل الأبصار الطبيعي للمكان الواقعي ويتحرر من صفة "المُلتقط" نحو مهمة "المرئي" الذي يحول السكون إلى حركة، والخمول الصوري إلى فاعلية بصرية، ويتحول التاريخ القديم للواقع في أعماله إلى تاريخ فني فاعل بحاضره، وتكتسب هوية ولادتها الجديدة في رحم العمل الفني، وتتحول مهمة "المصور" من منفذ توثيقي إلى مبتكر مرئي صانع للجمال. وهذا ما يضطلع فيه المصور "حسين نجم" مع العديد من زملائه المرئيين، وليسوا المصورين. الذين تتوفر في معالم تجاربهم اَلْبَصَرِيَّة المتميزة خاصية السيطرة والتحكم الدقيق في بناء معمارية إنشائها وترتيب خرائط جمالياتها بمعايير فنية لا وجود فيها للعفوية والصدفة...

 

عناصر التضاد في الصورة 

 

"حسين نجم" يمسك بمعمارية التضاد في الصورة كعنصر جمالي أساسي في اشتغالاته ليعيد صياغة هوية المكان الميت، ويعمل على تكيفيه بواقع بَصَرِي حي، كما تحقق في الكثير من أعماله السابقة، وبالخصوص في جماليات مرئياته المتفردة التي حققها في بناية مركز "حيدر علييف" في أذربيجان التي تعتبر نموذجا مثاليا لفن "الفوتوغرافي التصوري" وقدم فيها مرئيات متميزة حققت خصوصية فنية غير مسبوقة في جمالياتها. وكما في جملته البصرية الجديدة هذه التي تشكلت مرئيتها في أحد أزقة مدينة دمشق، وتحكم فيها "حسين نجم" بقاعدة توظيف المتضادات اللونية باشتغال متفرد استحقت منا تفكيك مفرداتها.

 

التضاد بالأفكار

 

في متون "الفوتوغرافيا" هناك اشتغال متقدم لتوظيف الأضداد المتعلقة بثنائية الألوان والتي تتشكل من تقابل مناطق الضوء الساطع مع مناطق الظلام المعتم. ويحقق التضاد بالصورة مقاربات فنية لمناطق الظل والضوء يتشكل منها توازن بصري يوفر مساحة لمقاربة تشكيلية ممتعة.

لكن أفضل المتضادات تلك التي توفر مساحة لمقاربة جمالية تعمل على خلخلة مضمون الصورة وإنتاج محتوى سردي قادر على أحداث تنوع في قراءة أفكار الاثنيات اللونية وتخرج عن حسبة التقابل بين تضاد الأسود والأبيض، لتعبر نحو منطقة التمايز والتنافر الفكري، معبرة عن صفة الخير والنقاء، والأمل، والإشراق، والصحوة، والنمو التي كثيرا ما نجد تماثلاتها مجسدة في مناطق النور، قبال صفة الشر، وحالة الإحباط والسوداوية، والنكوص والانقباض والموت التي تمثلها مناطق السواد والظلام والعتمة. وعبر توظيفاتهما فنيا ينجح المصور "المرئي" على وضع مفردات شيئياته بين جوانبهما ليخلق مادة عاكسة لمحتوى بَصَرِي مؤثر.

وهو ما يصر "حسين نجم" على إنجازه في متون نصوصه اَلْبَصَرِيَّة. فهو لا يوظف مناطق النور والعتمة على أساس توازناتها بالصورة فقط، بل يعمد إلى إيجاد مقاربة إنسانية فاعلة لتدليل على ما تتركه هذه المناطق من آثار حسية تعضد محتوى صورته، كما فعلها في هذا النص الذي سكن فيه فاعلية حياتية وحصر شيئيتها الواقعية وسط دهليز العتمة ليفتح في سوادها افقأ لحياة ما زالت قادرة على الاستمرار وان ضاق وسعها... فترك فعلته في حدقة عين الإيوان ليتشكل منها حرف لكلمة سيكتبها المتلقي برؤيته... وحتى يحقق هذه المعادلة البصرية، لم يكتف بترك التوازن المتضاد في مرثيته يتشكل عفويا، بل أصر على إبراز قسري لشيئية منطقة العتمة ليصل إلى مدى الضوء فيها، وانتظر بروز فعل أنساني تمثل بحضور رجل مسن، راح يتعكز بمشيته على عصاه يقاوم فيها تعطيل ديمومة المسير في الحياة. رغم حجم القسوة والفقر المحاط بمنطقته! لكن اختيار حسين نجم لخطوة سير الرجل باتجاه شق دهليز عتمة المكان، وفر له التدليل على وجود إرادة للوصول إلى منافذ أنوار الخلاص الذي نتمناه لهذا المسن.

 

حروف الأضداد

 

"حسين نجم" كثيرا ما يصر على القبض على ثنائيات الظل والضوء في مرئياته وهي تشكل معالم قادرة على التعبير. ولا يكتفي بفرض تسوياتها اللونية العفوية. وكثيرا ما يبحث عن الزوايا الأكثر صعوبة ليسكن نطقها على حروف تُشكل مساقطها أول حروف لمفردات كلمات، يمكن نطقها وقراءتها في أعماله. ويعمد على أن تكون زاويته هي القلم التي تكتب فيها حروف المكان. كما تركه بوضوح وهو يحقق زاوية نادرة لتشكيل حرف الحاء كأول تدليل لمفردة "حيدرعلييف" الذي ارتبط المركز باسمه!

وكما تحقق في مرئيته هذه، فلو قمنا بعملية تجريد الخطوط الخارجية لمناطق الظل والضوء،سيتشكل منها مجموعة حروف ترشدنا لنتقفى أثر كلمات تفسح المجال لبيان مغزى تطلعاته في إنشاء هذه الثنائيات المتضادة، كما يوضحها رسم حرف الميم المتشكل في منطقة عتمة الدهليز لأرشدناه إلى منتهاه! أو كما ظهر لنا حرف أليف في منطقة الضوء ليرسم كلمة ابتداء لمشروع الغوص في العتمة! على ان لا يكون ذلك قد تشكل بقصدية فنية مسبقة، لكن ساهم مناخ الصورة بواقع تشكله.

 

تشكل التضاد 

 

يولي "حسين نجم" اهتماما عاليا بعدم ترك عفوية مساقط النور والعتمة تشكل هوياتها بنفسها، بل يقوم هو بزواياه المنتخبة بمهارة عالية ليفرض سياقاتها داخل كوادره المدروسة بعناية، فيعيد ترتيبها بتكوينات آسرة ومبهرة تعيد ترتيب جماليات المكان بمناخ اكثر سحرا يشكل هويته الجديدة. فكم مرة مررنا بمثل هذه الأزقة، وكم مرة اخترقتها أجسادنا؟ لكن ولا مرة توقفنا فيها لنقرأ هذه التشكل الجمالي، وهو يتبلور بهذه المعمارية "التصورية" إلا من خلال عين المبتكر "المرئي" الذي استقرأ المكان وأعاد ترتيبه بَصًريا ليقدم وجها جديدا له، غفلت عنه أعييننا رغم رؤيته المتكرر! وهو ما يتطلب منا ان نعيد حساب تعريفاتنا للمكان" فهو ليس الذي نمشيه بل الذي نرصد انفسنا فيه".

 

الكم والنوع في الأضداد

 

يمتاز "حسين نجم" بقدرة السيطرة على توازنات اللونية في "شيئيات" مرئياته، ويهتم بمستويات التحكم الكمي والنوعي لأضدادها اللونية، بهدف إنشاء مقاربة ذهنية للصراع المتناقض فيها استنادا إلى ما تمثله الحالة الحسية لفسلجة اللون الأبيض أمام نقيضه الأسود. فهو لا يقبل أن يتركها تتحكم في موازين مرئياته ، ليذهب متعجلا ليوقف زمنها، بل نجده يعمل على مغايرة هذه الثنائيات، ويتلاعب بتوازنات حجومها، ويولي اهتماما لتأثير كمياتها وتوازناتها النوعية، أكثر من اهتمامه بالضدية اللونية. ولا يكترث بزوايا مساقطها الطبيعية، بل يجهد في تفكيك هذه المساحات ويعيد ترتيب نشرها داخل تكوينات صورته ليتمكن في تذويبها في نسق جمالي متكامل ،وبمساحات متوازنة، لا يسمح أن يضعف أي جزء فيها، رغم قدرته على تفكيكها وعزلها في "مرئيات" متعددة لن تكون بسيطة التأثير جماليا، لو عمل على تقطيعها إلى عدة متضادات، كما وجدناه في تفكيك وحدات مرئياته التي تشكل بمفردها منعزلة مرئيات قائمة بذاتها وتحتفظ بقوة أثرها. لكنه يبتعد عن فعل ذلك بهدف إيجاد توليفة بصرية تتكامل بمجاورة الوحدات المتضادة مع بعضها. ليخلق توافق بين مظاهر الأشياء ونقائضها لينشأ لنا صراعا ماديا داخل "مرئياته" يعرفه الفيلسوف هيغل "بمفهوم الصراع بين الأطروحة ونقيضها".

 

نقائض الأضداد

 

يمكننا أن نقول وبكل وضوح أن "حسين نجم" يجيد فن تحقيق النقائض في مناطق مرئياته المتضادة ليس بدافع تنظيم توازناتها اللونية، بل عبر أطروحة المكان المضيء ونقيضه المسود، فلو تفحصناها بدقة، من ناحية ابتكاره للتكوينات الفنية، وليس عبر توظيفه المسارات الضوئية التي فرضتها طبيعة تشكل بقع الضوء والظلام في المكان، سنجده يستند فيها على تغيير ماهياتها في موضوع مرئياته لتصبح فيها أطروحة النهار نقيض الليل في جدلية تضاد معنى تحولات الصراع بينهما ماديا وجماليا. ومن دون أن يلغي أحدهما الآخر، فهي حتميات كونية ربانية ((لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)) لكن "حسين نجم" سعى ليمرر انتصار أطروحة إشراقة المناطق البيضاء على عتمة المناطق السوداء، رغم تباينات حجومهما الكمية والنوعية، وتحققت عنده نتيجة جهد "مرئي" صنع خطاباته بنفسه، عبر إنشاء تكوينات جمالية تحكم في صياغتها داخل معمارية الصورة، وحقق خلالها دلالات متضادة عكسته مفردات مرئيته المثرية بإبهار بَصَرِي متميز.

 

جملة التضاد الأخيرة

 

رغم حجم الضوء المحيط بنا، قد نسقط أحيانا بسبب أخطائنا في لجة المجهول. حيث يؤدي بنا قسرا الدخول إلى مناطق العتم المظلمة، وصولا إلى الموت كنهايات حتمية. لأننا لم نختر الطرق الصائبة لاجتياز المصاعب في حياتنا، ولم نغتنم فرص وجودنا في مناطق النور الرحبة فيبدأ مداها يضيق تدريجا حتى تبدوا فسحة العيش صعبة المنال، بالكاد نحيى وسطها ونتنفس ونسير بصعوبة. ونقيض ذلك رغم حجم العتم ومناطق السواد هناك حياة مازالت قائمة تحيى لا تموت" وهو ما تؤشره مداليل هذه المتضادات التي قدمها لنا "حسين نجم" بمرئية فاعلة في جماليتها ونجح في منحنا وجبة بَصًرية ممتعة.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي