loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

رسائل " ألبير كامو "

breakLine
2022-11-25

 

 


هادي ياسين || كاتب وباحث عراقي


هذه رسائلٌ كان الروائيُّ و المفكرُ الفرنسي " البير كامو " ( 1913 ـ 1960 ) قد كتبها خلال فترة الإحتلال النازي لفرنسا ، و هي مهداةٌ بمجملها الى روح شاعرٍ و كاتبٍ فرنسي إسمُهُ " رينيه لينو " ، الذي كان ناشطاً في المقاومة الفرنسية ضد الإحتلال فألقى النازيون القبض عليه و أعدموه . و تأتي رسائل ” كامو“ هذه بمثابة تكريم لذلك الشاعر المقاوم الراحل ، و كان قد كرّمَهُ من قبلُ بكتابة مقدمةٍ لمجموعتِهِ الشعريةِ التي نُشرت بعد موته .
ولكنّ الغريبَ هو أن هذه الرسائل ، المُهداة الى روح فرنسيٍ مقاوِم ، قد حملت عنوان ( رسائل الى صديق آلماني ) ، و هو عنوان قد يبدو محيّراً للوهلة الأولى ، ولكن تفحّص متون الرسائل قد يوصلنا الى استنتاج أن هذا ( الصديق الآلماني ) قد يكون شخصيةً تخيُلية ، أو شخصية حقيقية لم يشأ " كامو" أن يُفصح عنها ، ولكن المهم هو مضمون هذه الرسائل ، و هو المضمون المتوافق مع الغاية من إهدائها الى شاعٍر فرنسيٍ مقاومٍ قدّم روحَهُ فداءً لوطنه ، فهذه الرسائلُ تحمل خطاباً من الضمير الوطني للشعب الفرنسي الى الآلمان الذين أذلوا هذا الشعب و أهانوا تاريخَه الإنسانيَ العريق .
ولد " البير كامو " عام 1913 في قرية ( الذرعان ) التابعة لولاية ( الطارف ) في الجزائر ، أي في فترة الإستعمار الفرنسي للبلاد ، لأم إسبانيةٍ صماء و أبٍ فرنسيٍ قُتل ــ بعد عام من ولادة ابنه ــ مع إندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 . و وَسْطَ الفَقرِ و الشقاء أكمل " كامو " دراستَهُ ليلتحقَ بالجامعة .. دارساً للفلسفة .
و أثناء الإحتلال النازي لفرنسا ــ خلال الحرب العالمية الثانية ــ التحق بالمقاومة الفرنسية شأنَ مُعظم أدباء و فناني و فلاسفة فرنسا . وأسهم في إصدار نشرةٍ بإسم ( الكفاح ) ، تيمناً بإسم خليته في المقاومة ، و هي النشرةُ التي تحولت الى صحيفةٍ يوميةٍ لاحقاً ، و ظل " كامو " رئيسَ تحريرها حتى تَركِهِ لها عام 1947 عندما نَحَتْ منحىً تجارياً . و كان في العام 1942 قد أنهى روايتيه ( الغريب ) و ( أسطورة سيزيف ) ، و في العام اللاحق التقى بالفيلسوف " جان بول سارتر " أثناء عرض مسرحية ( الذباب ) لـ ” سارتر ” و انعقدت بينهما صداقة عميقة بسبب توافق أفكارهما ، و كان أحدهما معجباً بالآخر عن طريق الكتب . و بسب طروحاته الفلسفية بات " كامو " الإسم الثاني في فكر ( الوجودية ) في المشهد الفرنسي بعد " سارتر " .
في العام 1951 ، أصدر " البير كامو " كتابه ( التمرد ) و فيه أعلن تمردَهُ الصريحَ على الشيوعيين ، و تلك كانت النقطة التي عُدّ فيها " كامو " فوضوياً ، فعاداه الشيوعيون ، و انقطع عنه حتى " سارتر " .. فحصلت بينهما القطيعة . و في العام 1957 فاز " كامو " بجائزة نوبل للآداب ، و هو في الرابعة و الأربعين من عمره ، فكان ثاني أصغر أديب ينالها بعد الكاتب الإنجليزي " روديارد كبلنغ " الذي نالها عام 1907 و عمره 42 عاماً ، ولكن مناوئي " كامو " يستسيغون فكرة أنه لم ينل الجائزة عن كتابه ( السقطة ) الصادر عام 1956 أو عن مجموع أعماله ، بل عن سلسلة مقالاته حول عقوبة الإعدام .
في 4 يونيو / حزيران 1960 قضى " البير كامو " في حادث سير . ولكنه مات جسداً ، فيما بقيت شخصيته ، و نصوصُه ، تثير الجدلَ الذي يتجدد بين فترة و أخرى في الأوساط الثقافية داخل الجزائر و فرنسا ، بل حتى في الأوساط السياسية الجزائرية و الفرنسية ، ففي الوقت الذي يحسم الفرنسيون أمرهم بأن " كامو " فرنسيٌ خالص صادف أنه ولد في الجزائر ، ينقسم الجزائريون حول هويته : البعض منهم يرى أنه كان يُحب الجزائر و لذلك كان يعتبرها ( أرض الشمس ) ، فيما يرى آخرون أن هذا الحب ينطوي على نزعة كولونيالية تنظر الى الجزائر باعتبارها قطعةً من فرنسا ، و أنه لم يتخلص من النظرة الإستعمارية المتعالية ، لذلك أسقط صفة ( الطاعون ) على عرب الجزائر ( و هو إسم إحدى رواياته الشهيرة ) ، و يؤخذ عليه أيضاً أنه على الرغم من رفضه للإستعمار إلا أنه كان يحمل في ذهنه فكرةَ الحكم الذاتي للجزائر و ليس الإستقلال .
و من هذه الزاوية ، في الذكرى الخمسين لرحيله اجتمع مثقفون و سياسيون فرنسيون و جزائريون على فكرة تنظيم قافلة تجوب الساحل الجزائري ، ولكنّ فريقاً آخرَ حضَّ على الغائها فأُلغيت بدافعٍ سياسي ، بل أن روائياً جزائرياً معروفاً مثل " رشيد بوجدرة " دعى الدولةَ و الجهاتِ ( الثورية ) الى منع نصب تمثالٍ لـ ( البير كامو ) في مسقط رأسه شرقَ الجزائر . غير أن نخبةً من جيل المثقفين الجزائريين الجديد ترى في هذه السجالات فشلاً لدى الطبقتين الثقافية و السياسية على حدٍ سواء و أن نصوصَ و طروحاتِ " كامو " يجب أن تُقرأ ضمنَ سياقِها الإنسانيِّ و التاريخي بعيداً عن اسقاطاتِ الماضي ، و استشرافاً لمستقبلٍ سليم .
على الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط ، فإن إسم " كامو " مازال يثير الجدلَ لدى النخبة الفرنسية ، ففي الوقت الذي ليست لديها حساسيةٌ تجاه هويتِهِ الفرنسيةِ المحسومة ، فإن الحساسيةَ الأيديولوجية مازالت قائمة ، و تعود الى الواجهة في الذكرى المئوية للكاتب في كل مرة ، فعلى الرغم من أن " كامو " التحق بالحزب الشيوعي الفرنسي عام 1934 إلا أن الشيوعيين يأخذون عليه أن إنتماءه لم يكن إيماناً بالعقيدة الشيوعية بل من أجل مساندة الجمهوريين الاسبان في الحرب الأهلية ، مثلما أخذوا عليه مواقفه من الشيوعيين و انتقاداته للحكم الشمولي الستاليني .. فنعتوه بـ ( التروتسكية ) . و تأخذ عليه هذه النخبة مناهضتَهُ ُالإستعمارَ الفرنسيَ و قمعَ الشعب الجزائري من جهة و لكن عدم إيمانه بحق هذا الشعب في العدالة و الإستقلال ، على نقيض ما كان عليه الحالُ لدى " سارتر " و " فرانز فانون " من جهة أخرى . مثلما يؤخذ عليه عملُه في صحيفة ( ألجي ريبوبليكان ) اليسارية المناهضة للإستعمار من جهة و وصفه لـ ( جبهة التحرير الجزائرية ) بـ ( الإرهابية ) من جهة أخرى . ولكن هذه السجالات التي لا تنقطع في المناسبات و غير المناسبات دلالة على خلود الكاتب لدى الأجيال المتعاقبة ، و مهما أختلف المختلفون حول " البير كامو " فإنهم يبصمون جميعاً على أنه ترك أعمالاً خالدة و ترك بصمته على أدب و فكر القرن العشرين لتكون تلك الأعمال مصدر إلهام للأجيال اللاحقة .
في هذه الرسائل يؤكد " كامو " فرنسيته ، و يقدم تصوّراً عميقاً و شفافاً عن معنى ( الوطن ) و ( الوطنية ) .

 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي