loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الشاعر محمود وهبة: "الشعر اصطدامٌ مع العالم.."

breakLine
2023-01-02

 

نسرين الرجب/ كاتبة لبنانية

 "ليس حُبًّا بل دُعابة"  للشاعر اللبناني  محمود وهبة، مجموعة شعريّة تقع ضمن  سلسلة من إصدارات مشروع "أصوات" الذي أطلقته دار النهضة العربية في شباط/ فبراير العام 2020، حيث يتولى وهبة إدارته بالتنسيق مع هيئة التحرير في الدار، مؤخرًا نال المشروع منحة للكتابة الإبداعية من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) في مبادرة لدعم النتاج الشعري وتقديم شعراء جدد إلى المشهد الثقافي العربي، وضمان بقاء الشعر  في متن المشهد الأدبي العربي باعتباره وسيلة تؤرخ  لعلاقة الفرد  بذاته ومحيطه بالإضافة إلى موقفه وموقعه من الأزمات والحروب والتحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة. انطلاقًا من هذا التقديم أتت مجموعة "ليس حُبًّا بل دُعابة" لتعلن موقفًا احتجاجيًا ساخطًا وساخرًا على الحب وتمظهراته، وينقل تجربة الشاعر في الحضور والغياب، بئر الذاكرة وتحوُلات البدء للذات الشاعرة.
خارج السياق
يخترق نصّ محمود وهبة، قواعد التهذيب، ليصير نصًا خارجًا عن السياق، مباحًا للنميمة وأكل الأظافر، عاريًا من كلّ شيء، كوردة بلا رائحة تمرّ صورهُ الشعريّة سريعة واشية، "كان علينا أن نعد خطواتنا/ قبل أن نحب/ أن نغادر الشارع قبل العاصفة.." هو ابن تجربته وذاته جزء من هذا العالم المتماوج الأطراف، يعيش تفاصيله العادية وأفكاره انطلاقًا من تصوراته الخاصة، وهو المنفصل عن ذاته الجمعية فكرًا ومكانًا وجد في بيروت متسّعًا لأسئلته الكثيرة ولو اقترنت الأجوبة بالكذب: "نصادق الأسئلة رغم أنها موجعة/ نصادق الكذب رغم معرفتنا بحبله القصير"، وتمرّده خارج سياق القبيلة، فاختار أن يكون أبًا لذاته "أنا أبي/ لا أملك إلا العناوين/ وهذه الشامة على الوجه/ أي خبر  ستحمل الريح إن كنّا عاجزين؟/ أيّة ملاءة لعراة الصيف؟/ الحقيقة وجه تحت قنطرة." 
يرى الشاعر بأنه "لعله بات علينا/ أن نخرج هذه المراثي من الحلق" .
ساخرًا وناقمًا على ذاته وعلى كلّ ما لا يتّسع للاختلاف والتناقضات الفكريّة مع السائد، يذكر بأنه كان يتحضّر ليصبح شيخًا وقارئ عزاء قبل أن يخلع عنه عباءته ويخرج عمّا كانه لأنه وقع في اللامعنى وعدم الجدوى –كما ذكر- فيرى أنه على الشاعر أن ينطلق خارج المألوف الذي اعتاده، أن يمارس القلق فعلًا وقولًا، أن يكون ذاتا قلقة غير مستقرة وهو ما يبدو واضحًا في سيل التكرارات في بعض نصوصه الشعريّة: "من خرج وتحاور مع الفكر الآخر وانفتح على الرؤى الأخرى هو الذي يصل ويعمّق تجربته،لا يوجد أي مشروع لمثقف يلتصق في نفس المكان الذي ولد فيه". ولكنه في موقف آخر يبث حنينًا ظاهره تمنٍ وباطنه سخرية وانتقاد لاذع: "أريد أن أعود شيخا/ أن أرتدي قميصًا أسود/ وخاتمًا في يدي اليمنى | أن أصلي النوافل/ أبيع المسابح/ والحصن الحصين./ قبل ذلك / سأضاجع ما تيسر لي/ وسأشرب ما توفر لي/ في سبيل الله".
الشعر حالة اصطدام
يرى وهبة أنّ الشعر حالة اصطدام مع الواقع، "أعرف أن حياتنا كانت كابوسيّة/ بما يكفي لتهربي/ أعرف أيضًا أن ما بيننا/ ليس حبًّا بل دعابة".
وعن تجربته يقول بأنّه يعايش هذا الاصطدام كجزء من التجربة في مسار بناء الذات الشاعرة، فيرى نفسه نتاج تجارب شعريّة كثيرة، من حسن نور الدين إلى محمد علي شمس الدين، عباس بيضون وغيرهم كثر تأثر بهم كشعراء وكشخصيات إنسانية، وأيضًا شخصيّات غير شعريّة، مثقفة وغير ذلك. فالشعر عنده لا يرتبط بالثقافة، يُشير إلى أنّ هناك شعراء مثقفين وآخرين لا يعرفون سوى كتابة الشعر وتنقصهم ثقافة القول، وهنا تبرز التجربة التي خاضها في كتابة الشعر فالتغيّر بين ديوان وآخر بدى  واضحًا بين ديوانه الأوّل وهذا الديوان، دلالة نضج وتطوّر وهو مسعى كلّ شاعر كنتيجة فعليّة  لتراكم الخبرات والتجربة والدفقة الشعرية، ويضيف: من هنا يأتي خلق الذات فهي مسألة تطوّر. 
يعدّ الشاعر نفسه؛ شخصيّة متفلّتة من النظم والقوانين ومعارضة لكلّ شيء موروث من رأي سياسيّ وانتماء لأحزابٍ مسيطرة، ويذكر بأنه تعرّض للكثير من الضغوط نتيجة أرائه المعارضة، ويقول بأن الجماعة لا تُعطِ دومًا الشخص مجالا ليقول كلّ ما يفكر به.
في ديوانه سخرية وعبث الحضور وتساؤلات من غياب ورغبة في الهروب من المواجهة. كما يبدو أنه استحضر مآزم الطفولة "أحتاج أن أعود طفلًا/ كي تربت أمي على كتفي". يعترف بأـنه يميل للسخرية من كل شيء، يطرح الأسئلة من حوله، وهو كائن هارب إلى الشعر وإلى الرسم والكتابة والنشر، تتمظهر الطفولة كجزء من ذاكرته ولو لم يعِ بواطنها ودواعي تداعيها، فيعترف بأنه لم يعش طفولة بل ألف نفسه كبيرا، وهو كبير إخوته (مواليد العام 1995)، قطع مراحل النمو بخطى كبيرة،  فيتردد في ذاكرته صوت الجارة الصارخ: "يا ابن الكلب طوشتنا"، وفي مكمن يحن لطفولته كنوع من النكوص إلى ماضٍ غير مشبع للحاجات  فيُمنّي نفسه: "يوما ما سأعود طفلا يرضعُ من ثدي أُمّه." إن الحاجات الغير مشبعة تظهر على السطح على شكل رغبات مستجدة، نتيجة التربية الصارمة والظروف المعيشية الصعبة تخلق من الإنسان كائنا متروسًا بالعقد، فيرى في السخرية وجه من وجوه الكتابة وجزء من مكوّنات الكتابة والقصيدة، هو اللاوعي الذي تشكل منذ الطفولة وأزمات العمر المتلاحقة والانكسارات وما شاكلها  لترتدي لبوسا متنوعًا من الفكر، البوح، الاعترافات، والمواقف على شكل قصيدة.
القصيدة تولد على سجيّتها 
في قصائده موضوعات إشكاليّة، يصرّح بأنّه لم يتقصّد طرقها، فالقصيدة عنده تولد على سجيتها، يقول:" قلبك ليس هنا/ متروك في قارورة على منضدة/ ينسحب مثل ابتسامة على وجهي/ قلبك كلمة" وهو مقطع من قصيدة " مقاطع مجتزأة لامرأة في الأربعين" هل تقصد اختصار الحب في قارورة وابتسامة وكلمة، وفي مقطع آخر يقول " صوتك يشبه الأحجية/ لا أملك حياله موقفا..." وفي مقطع آخير من القصيدة يقول: "أحب دموعك حين تنزل/ أحبها أكثر/ حين أكون سببها" هل هي نرجسية المتعالي، هل هي الحاجة إلى أن يكون محبوبا لدرجة البكاء؟! . 
غضب مكبوت يدخره الشاعر في نفسه سببه الحب وخيبات الشعور، الرغبة في العودة على بدء في احتساب الخطوات في التساؤل، في الإخبار: ليس حبًا بل دعابة!
تعبر المومس نص وهبة: "لا تشبع المومس قبل أن تخرج منك/ إناثًا وحشرات/ قبل أن تتكاثر وترجع إلى ندمك/ تتكور المومس مثل بزّاقة". والمومس موضوع لها أثر في التراث الشعري، وجاء الحديث عنها هنا بأسلوب مغاير، فالمومس تبيع الشهوة لقاصديها، وهي شهوة يتحصّل عليها قاصدها مضمّخة بالندم والذنب، يستفز وهبة هذا اللغط  الحاصل حولها وقد صوّرها كما يراها مع احتمال الخطأ أو الصواب.
في مكمن آخر، يخرج وهبة عن نمطية التمني، ليوثق ندمه على رجولته وعلى " الدم الذي لم ينزل مني/ ولو لمرة واحدة/ في دورة شهريّة"!
يرى وهبة  أنّ وظيفة الشعر طرح المواضيع  فلكل قصيدة عالمها وكونها الخاص الذي يتصارع مع قصائد من أكوان أخرى، ومن مهمة الشاعر العمل على التخيّل وعلى نبش أوكار التخيّيل. ويعتقد أنه ليس بالضرورة أن يكون للشاعر موقفًا سياسيًّا، وعن ذاته فهو يقول بأن لديه موقف يعبّر عنه بما استطاع من الشعر قولا وتعبيرا، على الرغم من أن الشاعر لا يمكنه أن ينسلخ عن البيئة وموقفها الجمعي وهو لو اختار طريقا متفردًا لأُشبِع لومًا وتأنيبا، فالشعراء برأيه يختلفون في مواقفهم، فالبعض لديه مواقف سياسية والبعض الآخر متلوّن كحرباء وليس لديه موقف، وذلك يعود أبدًا لاهتمامات الشاعر وذائقته الفنيّة الشعريّة.
"حين ترحلُ الجنازة تأتي القصيدة/ لتكون عرسًا لما مضى.."

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي