loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

رمزية الأشكال التعبيرية في شعر النواب

breakLine

 


نوفل شاكر الخاقاني | ناقد عراقي

 

ما لاشك فيه أن الإنسان لجأ إلى اختراع اللغة لسد حاجته إلى التعبير عن أفكاره ونوازعه وهمومه واحتياجاته، ومن هذا المنطلق تأسست اللغة بوصفها وسيلة للاتصال والتفاهم ونقل الأفكار، ولكن هذه اللغة، وأن كانت الوسيلة الطبيعية والمعتادة للتعبير لا أن هذه اللغة العادية تبقى قاصرة عن النفاذ إلى المسارب العميقة للنفس الإنسانية. ومن ثم فإنها تعجز عن التعبير عما يجول في أخبية هذه النفس، ومتاهاتها الشديدة التعقيد والالتفاف، ذلك أن التعبير عن بعض الحالات النفسية الخاصة التي يحسها الإنسان، كمشاعر الحب والكراهية، وغيرها من المشاعر المختلفة، أو ما يحسه الإنسان تجاه الطبيعة، يحتاج إلى لغة من نوع آخر لغة مركزة ومكثفة وموحية، تستطيع أن تطرق تلك المساحات الغائرة في أعماق الذات الإنسانية، وتسير أغوارها، ومن لم تفلح في إيصال ما تحسه هذه الذات من أحاسيس معقدة، أو عسيرة على التعبير، في حين تبقى اللغة العادية مكتوفة الأيدي إزاء هذا النوع من التعبير، ومن هنا نشأت اللغة الرمزية. القائمة على التكثيف والإيحاء، فالرمز لم يختلف بسبب عجز الإنسان عن التعبير باللغة، لكنه ينشأ عن نزوع الإنسان إلى التجسيد والى أن يرى الأفكار والعواطف في شكل شخوص تحركها العواطف والأهواء التي تعتمل في داخله. ومهما يكن التعبير المجرد

عميقاً، فلسفياً، فإنه لا يمكن أن يجسد مشاعر الإنسان على نحو ما يفعل الرمز)) إن هذا (التجسيد) أو (التشخيص) للأفكار والعواطف والأهواء، لا يأتي بصورة عبثية. أو بطريقة ارتجالية لا تستند على أسس فنية، بل يخضع لعملية انصهار وامتزاج في بودقة العمل الفني، ومن ثم يعاد تخليقها من جديد، لتظهر بصورة أخرى، تختلف عن
مادتها الغفل الأولية، لأن الرمزية ((طريقة فنية خاصة للتعبير عن مجموعة من الأفكار الانفعالية في الفنان مستخدمة الإيحاء والتلميح والإشارة، وهي قد ترتفع بالعمل الفني إلى مستوى تجريدي وفي الوقت نفسه تصور الجزء الغائم من النفس الإنسانية، أي إن الرمزية تمنح الأفكار الباطنية شكلاً خارجياً)) .


وهذا الشكل الخارجي، هو التجسيد أو التشخيص للمعاني والأفكار والعواطف الذي تحدثنا عنه قبل قليل، وبذلك فإن الرمز - وفقاً لهذا المفهوم - سيغدو شكلا تعبيريا يستخدمه الشاعر بصورة فنية شديدة الحبك والنسج والإحكام، ليعبر به عن افكاره وهواجسه وعواطفه وانطباعاته المختلفة عن هذا العالم فهو شكل تعبيري ينتمي للأشكال التعبيرية المختلفة، والتي جاءت هذه الدراسة، لإماطة اللثام عن بعضها في شعر مظفر النواب.

إن الإيحاء والتلميح والإشارة، هي الاثافي التي يستوي عليها الرمز لينهض كشكل تعبيري. له أبعاده الفنية المتميزة، في عملية الخلق الفني، فالرمز (( يسعف الإنسان على فهم المثال (ldee) بالإشارة إليه، وتمثيله وتمويهه في آن واحد وهدفه الأساس أن يلبس الفكرة (المثال) شكلاً محسوساً، وهذا الشكل لن يكون هدف الفكرة نفسها، ولكن يظل خاضعاً لها، في الوقت الذي يفيد أو يستخدم للتعبير عنها)).

ولا يمكن للإيحاء من أن يتحقق في الرمز ما لم يكن هذا الإيحاء مستقياً مادته من الواقع، ومن ثم يقوم بتكثيف هذا الواقع، وحصره في عبارات مركزة موحية ((فالرمز ليس نقلاً عن الواقع، وإنما أخذ منه ثم تجاوزه وتكثيفه ليتخلص من واقع المادة ليرتفع إلى مجال التجريد، وهنا يتحقق الإيحاء (Suggestion) بالانفعالات والأفكار عن
طريق إعادة خلقها (Re-creation) في العقل كي يتم التعبير عن حالات نفسية تستعصي على التفسير أو التقرير كفكرة الحياة والموت واللانهاية وفقدان المعنى)) . ومن الطبيعي أن يكون لسعة الخيال، وخصبه دور مهم في توليد الصور التي تكون الخزين الاستراتيجي للمادة الرمزية الإيحائية، لذلك كله كان الشعر هو الميدان المفضل للرمز، فقد ((وجد الرمز الأدبي بطاقته الإيحائية الواسعة في الشعر مجالاً رحبا، يؤكد ذلك ما قاله (فاليري) عند توليد المعاني التي تتم بعضها بعضاً بحيث تتعاقب وتتماوج فالمعنى المحدد مناف الطبيعة الشعر )) . لذلك ليس غريباً أن تبدأ الحركة الرمزية في الأدب، على يد شاعر، إذ يعد الشاعر الفرنسي (بودلير ) (۱۸۲۱ - ١٨٦٧م ((الرائد الأول لهذا المذهب فقد صودر ديوانه أزهار الشر) حين نشر لأول مرة سنة ١٨٥٧ وحكم عليه بغرامة حتى تحذف بعض القصائد التي عدت خارجة عن القانون، وربما كان ذلك سبباً في لفت الأنظار إلى الديوان ودراسته والدفاع عنه. لقد أعلن (هيجو) حين اطلع على هذا الديوان أن المؤلف كشف في الشعر عن رعشة جديدة ( ) ، ومن بعد بودلير، جاء الشاعر الفرنسي (رامبو) الذي وضع نظرية السمع الملون، والتي سنتكلم عنها، بشيء من التفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل، وسنختار أمثلة من شعر النواب للتطبيق عليها، ولهذه النظرية أهمية كبيرة في المذهب الرمزي، إذ كان لها أثر كبير في التعمق في أغوار النفس ونقل الأجواء النفسية المهمة بطريقة مؤثرة، حيث توصل شعراء الرمزية ((بفضل تعمقهم في مجاهل أنفسهم إلى وحدة كونية شاملة، تزيل الحواجز العرضية التي تقيمها الحواس المختلفة، فتتوحد هذه الحواس وتتمازج، وينطلق الشاعر معيراً عن المسه للون والصوت، ورؤيته للعطر، وسماعه للألوان)) .

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي