مقالات ادبية واجتماعية وفنية
سلام السيد
ناقد | عراقي
(المقدمة)
يقدّم النص الشعري لعواطف رشيد صورة عاطفية مكثفة، تعكس معاناة الروح الإنسانية في مواجهتها للذكريات والحنين الموجع. يخلق النص عالماً داخلياً مليئًا بالتناقضات، حيث يلتقي الحلم بالواقع، والشوق بالغياب، في مشهد شعري مفعم بالحركة والإحساس بالفراغ، وتستعمل الشاعرة الأدوات الفنية والبلاغية لتعبّر عن حالة من الوجع الداخلي، والصراع مع الذكريات، التي تظل ماثلة رغم مرور الزمن.
(الصور الحسية والعاطفية)
تلعب الصور الحسية دوراً كبيراً في النص. إذ يتمكن القارئ من الشعور بالوجع والعاطفة من خلال التفاصيل الحسية الدقيقة التي تجعل الأحاسيس ملموسة.
"نعاسٌ خاصمَ أكفًّ أحداقي
في عنادٍ توارى لم يُصافح"، هذه الصورة تصوّر نعاس الشاعرة كما لو أنه كائن غريب، ينازعها في داخلها، في تعبير قوي عن التوتر الداخلي الذي تشعر به. عملية المخاصمة تعكس مقاومة النوم لشخصية الشاعرة، مما يضفي على النص نوعاً من الصراع مع الذات.
"تعثّر الوسنٍ فتلعثمتِ الأحلامُ
وهي تتأرجحُ في بئرِ ذكريات غائرٍ"، الأحلام تتعثر وتتحرك في بئر الذكريات الغائر، مما يرمز إلى حالة من التشتت الداخلي والعجز عن استعادة الماضي بوضوح. هذا يعكس شعور الشاعرة بالعجز أمام قوة الذكريات التي تسيطر على عقلها، وتجعلها عالقة في دوامة لا تنتهي...
(الرمزية الحسية)
تستخدم الشاعرة الرمزية بشكل مؤثر لتحويل العاطفة إلى صور حسية واضحة، مما يعزز من عمق المعنى ويمنح النص أبعاداً دلالية أوسع.
"كانت الريح تصفر بين أعشاب قلبي اليابسة
وكأنها تهدهد صمتًا مات منذ قرون"، الريح هنا تتناغم مع قلب الشاعرة، حيث تتحول الريح إلى صوت يشير إلى العزلة والفراغ الذي يعيشه القلب، فيما تعكس الأعشاب اليابسة خمود الروح وفقدان الأمل. هذا التشبيه يعمق الإحساس بالفراغ الروحي الذي يعيشه الشاعر.
"على جدار غرفتي المتهالك، نقشَ ظلّك وردةً
كلما ازداد الظلام، نمت أشواكها"،
الظل الذي يرمز إلى الغياب يتحول إلى وردة تحمل أشواكاً، مما يعكس الألم المتزايد في غياب الشخص، (الظل) رغم جماله الظاهر، يتطور إلى شيء مؤلم، يعكس تأثير الفقد الذي لا يزول.
(المجاز العاطفي)
المجاز العاطفي هو أحد أبرز أدوات الشاعرة، للتعبير عن العواطف، حيث تتحول المشاعر إلى صور استعارات غنية تحمل أبعاداً عاطفية وإنسانية عميقة.
"كنتُ أرتشف من أنفاس الغياب،
علّني أجد طعماً يشبه الحنين"،
هذا المجاز العاطفي يشير إلى محاولة الشاعرة التمسك بشيء من الغياب، كأنه شيء مادي يمكن استنشاقه، يمثل أنفاس الغياب محاولة يائسة للاتصال بالماضي أو باستعادة ما فقدته في صورة رمزية تعبر عن الألم الناتج عن الفقد. "تعثرتُ بخيوط حلمٍ خافت،
كان يلفّني كورقةٍ مهملة في مهبّ الريح"، المجاز هنا يحمل صورة قوية لحلم يتلاشى، حيث يتحول الحلم إلى خيوط قابلة للتعثر والضياع. الورقة المهملة تمثل هشاشة الأمل في مواجهة الظروف القاسية التي تدمّره كما يفعل الريح بالعناصر الهشة.
(التحريك الداخلي والخارجي)
يتداخل الحراك الداخلي مع الخارجي في النص، مما يعكس التوتر بين ما يشعر به الشاعر داخلياً، وما يواجهه من تحديات في العالم الخارجي. "تساقطت ذكرياتك كالورق المبتل،
وعلى سطح المرآة، تشكل وجهك مجدداً"، تساقط الذكريات يشير إلى الانهيار الداخلي، في حين أن انعكاس الوجه على المرآة يشير إلى محاولة الشاعرة استعادة صورة الحبيب المفقود! هذه الحركة المزدوجة تعكس الصراع الداخلي بين رغبتها في الاحتفاظ بالماضي والانفصال عنه. "كم مرةً عانقتُ خطواتك على الطرقات،
لكنني لم أجد سوى صدى رحيلك يغنّي وحدتي"، العناق هنا هو بحث داخلي عن الوجود، ولكن النتيجة هي الانفصال عن الحبيب. حيث تتحول خطواته إلى صدى فارغ، هذا يبرز التوتر بين العالم الداخلي (الحنين) والعالم الخارجي (غياب الحبيب).
(الختام)
يتميز نص نعاسٌ خاصم بجمعه بين الحسية والرمزية، ليخلق مشاهد شعرية تلامس أعماق النفس البشرية. الصور الحسية تعكس مشاعر ملموسة وواقعية، بينما الرمزية تعمق معاني النص، وتدعو القارئ للتأمل في فحوى العاطفة. المجاز العاطفي يسهم في التعبير عن المشاعر العميقة. بينما تضيف الحركة الداخلية والخارجية بعداً ديناميكياً يبرز الصراع بين الماضي والحاضر. يعكس النص حالة من الشوق والغياب، والصراع مع الذكريات، ليبقى تجربة شعورية متكاملة تنبض بالوجع والحنين.
(النص)
نعاسٌ خاصمَ أكفًّ أحداقي
في عنادٍ توارى
لم يُصافح تعثّر الوسنٍ
فتلعثمتِ الأحلامُ
وهي تتأرجحُ في بئرِ ذكريات
غائرٍ
تتشبثٌ في جدرانهِ
بلحظاتٍ عابرةٍ
علّقت على ساعدِها
حروفاً تملأٌ جيوبها بحنينٍ
يُعطّرُ انفاسي
ويطبعُ على شفاهي
قبلةً..
تفطمُ رضيعَ الشجنِ
المُسهدِ على صدري..
لن اخدع عينيّ بسرابِ طيفهِ
ولا النبض بارتجافةِ بردٍ
ظنّها تباريحَ العناقِ
فصولُ الاشتهاءِ..
كم عانقتُ خيالاته
وجدلتُ ظفائرَ الأمل
ليأتي الشحوبُ يحبو
في حِياضٍ بنفسجاتِ
عطشى
لتذبلَ مٌلملمةً انتفاضةً
فاشلةُ
وتنزوي في ذاكرةِ الغيابِ...
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي