loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

ذكرى رحيل الشاعرة نازك الملائكة صاحبة البُعد الرابع

breakLine

مريم العطّار / شاعرة عراقية

"قد يكون الشَّعر بالنسبة للإنسان السعيد ترفًا ذهنيًا محضًا، غيرَ أنه بالنسبة للمحزون وسيلة حياة " اتخذت السيدة نازك الملائكة الشعر محورًا أساسيًا في حياتها، لتعبر عن موقفها الفكري، القومي، والثوري. كان شعرها انعكاسًا لظروف عصرها المظلم، وكانت بالضد من الأجيال الذين يجيدون التحنيط، وصنع التماثيل من الماضي، أصحاب العبارات الجاهزة. شاعرة ضد تسيير القواعد التي وضعها السابقون، كما أنها تنظر إلى الأوزان القديمة كسلاسل، والألفاظ قرقعة ميتة.  أما الثورة التي قامت بها الشاعرة في شكل القصيدة وبنائها الفني دون المساس بالقصيدة العروضية الخليلية، مهدت الطريق للجيل الذي تلاها ليشق طريقه المستقل دون الاعتماد بشكل كلي على ما وصلنا من الصحراء قبل ألف عام. رفضت أن تكون أسيرة القوالب الجاهزة كما أنها كانت ضد الجماعات التي تكتب الشعر بالتكرار البالي، شجعت على كتابة أحوال العصر وألفاظه وموسيقاه وصوره ورموزه. إنها صاحبة البُعد الرابع بالنظر إلى الأشياء، ومع أحياء اللغة بضخ دماء حية فيها عن طريق التجديد الذي يدفع اللغة إلى الأمام وينقذها من حالة الركود. شاعرة كنازك الملائكة بغزارة إنتاجها، لم تقف مكتوفة الأيدي، في زمانها كانت تعي تمامًا ما تفعله وقد كتبت ذلك نقدًا وشعرًا..

’’صلاتنا تفجَّر الأنهارْ
وتبعث الغناء، والليمون، والأحرار
تعيدنا للوطن المسروق، تمحو العارْ’’

شاعرة تختار عنوان (للصلاة والثورة) لتظهر الجانب الإنساني الكامل فيها، الصلاة التي على حد تعبيرها رمز للجانب الروحي أثر اتصال نفسها بالمنابع الأزلية الجميلة. أما الثورة، فكانت على كل ما يهين كمال الإنسانية، ثورة تعدها معادلة حية للقيم وتربية للروح والجسم، هكذا هو الشاعر الحقيقي، فالسيدة نازك كانت من ضمن الشعراء الملتزمين، نقيض جماعة «الفن للفن» لذا عندما كتبت ما كانت شاهدة عليه، دخلت في صراع صارم مع الخارج وأحداثه، وعادة ما ينتج هذا الصراع نوعًا من القلق دفع نازك إلى العزلة، كما دفع بسارتر إلى الشعور بنوع من الغثيان لما يحدث، تحول غثيان سارتر بطريقة ما غثيان على الذات، وعلى الوجود برمته، لأنه وقف ضد المعتقدات التي كان يعدها كأسوار السجن، كما جعل السيدة نازك الملائكة أن تكشف أمراض الأمة المعاصرة لها، ولكن الخوض والتمعن بهذه الصراعات لابد أن يترك أثرًا على الثوري نفسه، لذا يكون في البداية الوحيد الخارج ضد السرب عدوًا لكل ما هو مزيف وفي النهاية العدو الوحيد ضد نفسه، لأنه أمضى حياته مدافعًا على قضية، الآخرون يرونها ضمن تاريخهم متآلفين معها غير مدركين عن مشاركتهم المجرمة فيها..
في مقدمة كتبتها الشاعرة في أحد دواوينها متسائلة: (هل ينبغي أن نطمس أحاسيسنا اليوم من أجل أن يتذوق قصائدنا حفيد شاعر سيعيش عام 2075؟ وتجيب بالرفض القاطع، كلا، لأن ذلك سيكون انتحارًا بالنسبة لنا، وصمتنا قد يقتل الحفيد قبل ولادته، فتقول: نحن نقاتل بشعرنا وقوافينا من أجله.
هذا التساؤل والرد ينمو فقط في ذهن الأم، الشاعرة، الثورية والمسؤولة، رغم أن الأزمات ما زالت مستمرة حتى الآن، ومازالت هناك جماعات من ذات الوسط الثقافي صامتة، مستسلمة، لا شيء يحركها غير عدم مراعاة الوزن والقافية، كما لو أن المسـألة مسألة شرف على حد قول "نابوكوف".
خلاصها الشعري وتعهدها جعل نجمها يخفت قبل أن يخط نجم عمرها ليكون منزلها ومكتبتها مغطاة بالتراب الآن، ربما هذا هو قدر المرأة الواعية، في كل عصر وزمان، على المرأة أن تدفع ثمنًا كبيرًا ليتصدر اسمها في قائمة الجوائز العالمية، أو الاحتفاء بها، ويبدو الأمر كما لو أن الإبداع وحده غير كاف، ولو اجتمعت كل الخصال الجيدة للتفوق لدى أي امرأة معاصرة سيكون نجاحها مصدر قلق وشك للأغلبية، يجب أن يكون على سبيل المثال وجهها أو جزء من جسدها مشوّهًا على يد الإرهاب العالمي أو تكون فعلًا قد قدمت المستحيل لتحظى بالتقدير، قصص النجاح التي ترويها المرأة في عالمنا على منصات العالمية، ترويها وهي الناجية الوحيدة، فتكون الجائزة أو اللقب شيئًا أشبه بالمواساة لخساراتها الفادحة، لتحتفي بتشوهها تذكار فخر. لا تكتفي المجتمعات أن ترى امرأة عادية ناجحة ولا تحظى بقبول الرأي العام، أغلب الوجوه التي حازت على الاهتمام هي عائدة لنساء ضحايا قسوة مجتمع  أو إرهاب أو حروب، كذلك المرأة الأديبة، لم تحظ في البلدان العربية بكامل حريتها، فبالتالي لم تدرك ملء تفتحها ودورها في الأدب، حتى لو حصلت على شهادات عالية سيكون القارئ المفترض جاهز لألقاء الأحكام أو التهم الجاهزة عليها، والسيدة نازك الملائكة أيضًا لم تسلم من هذه التهم، إذ أن تهمًا كثيرة لصقت بها، الشاعرة السوداوية، تسمية جاءت من يجهل ما قامت هذه السيدة بتقديمه فأنها كانت تنتظر من الشاعر ثقافة عميقة متطلعًا لكل ما جاء في أدب أمته والأمم الأجنبية، إنسانة حرة لم تقف بخرق القواعد الذهبية للحياة بل أضافت معنى وطرق جديدة تخدم حرية التعبير، حسها الفني والإبداعي كان حقيقيًا إذ لم يكن سوى انعكاس لظروف عصرها آنذاك، صراعاته، وحروبه التي كان لها أثرًا كبيرًا على شعرها. هي ابنة عصرها، حتى في كتابتها النقدية، كانت تريد للغة أن تكون لغة العصر الراهن، لا لغة الماضي القديم الذي لم يعد في متناول اليد اليوم. كانت تطالب باستمرار بأن تتحرر القصيدة من الأعباء التي ورثها العرب من أجدادهم، بابتكار أوزان جديدة وقوافٍ جديدة تنسجم مع متطلبات العصر وحاجياته الذوقية والفنية. التكرار الملل في القوافي، والأوزان التي تعيد نفسها في كلّ قصيدة كانت تراها عائقًا في عملية تطور الشعر التي هي جزء من تطور الإنسان الحضاري وخطوة للأمام.. وفيما يخص شعر نازك الملائكة وأثرها يضيف الشاعر العراقي جواد الحطاب: أن قصيدة الكوليرا أعطت العافية للشعر المعاصر العربي ولعل واحدة من مفارقات الحداثة الشعرية المعاصرة، أن تكون قصيدة "الكوليرا" للشاعرة الرائدة نازك الملائكة، هي مفتتح "عافية" الشعر الجديد في العراق، وفي العالم العربي، وبالتأكيد لن اغفل قصيدة السياب "هل كان حبّا" التي زامنت نشر كوليرا الملائكة عام 1947.  فيقول: عادة.. ما يتجاوز الزمن بعض رواده، ويركنهم على رف الدراسات المدرسية، والمحفوظات، باعتبارهم "إرث" ثقافي لابد من الإشارة إليه، لكن "نازك الملائكة" تمرّدت على هذا المنهج "التربوي" مثلما تمرد السياب، والبياتي، وبلند، فريق منتخب العراق الحداثوي الإبداعي. بقيت شاعرة نعود الى قصائدها الملآى بالشجن، والى طروحاتها الواعية في النقد والدرس الأكاديمي، وحتى في شخصيتها التعليمية التي يحدثنا عنها زملاؤها، ومتابعو سيرتها الذاتية.
نازك الملائكة  حركة ابداعية كاملة، وليست شاعرة فقط، ومن هنا أتضامن معك، أيتها الشاعرة والمترجمة المبدعة، وادعو الى الاحتفال سنويًا بروادنا، فبمثل منجزهم لا يفتخر العراق وحده، وإنما الثقافة العربية، والعالمية.
ويضيف أيضًا الشاعر العراقي مهند يعقوب: " أن في ذات الوقت الذي كان الشعر العربي  منغمساً في التقليدية على مستوى الشكل وحتى المضمون؛ فغالبية تلك الأعمال كانت تُصنع للتعبير عن الوجود والإنسان على نحو غارق في الإتباع، على خلاف التجارب الحديثة في الخمسينيات والتي اتسمت بالمغامرة والتجريب الذاتيين. ويمكن عد تلك المقابلة، كلاسيكي / رومانسي للتعبير عن رؤيتين مختلفتين داخل حلقة الأدب، فالرومانسية تهتم بحرية الفرد ولا تؤيد السياقات الاجتماعية المقيدة، كما يسعى التيار الكلاسيكي تأكيد ذلك في الغالب. وعلى الرغم من أن ملامح التجربة الشعرية العربية الحديثة وقتها تتضح فنياً في استخداماتها للرمز والأسطورة وصولاً إلى توحيد فكرة الإنسان/ الطبيعة/ الإله، إلّا أن نازك الملائكة تتفرّد بالإشتغال غير المقيد، ولم تنفعل بالحالة السياسية المشتبكة آنذاك كما لدى السياب أو البياتي وآخرين، ممّا جعلها تستثمر رؤاها النقدية اتجاه تحرير الذات أكثر في مواجهة المواضيع السياسية داخل الشعر كانتماء حزبي أو قومي إيديولوجي، وذلك يجعل تجربتها أكثر جدلاً وتحرراً، بل كانت تنقل العملية الشعرية من مرحلة الحقل الأدبي الخادم  لتلك الإيديولوجيا إلى مركزية الشعر نفسه بوصفه منطقة مستقلة بذاتها. حيث ساعدها في تشكيل وعيها حيال الأدب طبيعة التكوين العائلي وقتها الذي يتسم بالمرونة والإشتغال الأدبي والثقافي بالعموم، وإجادتها كذلك للغات عدة إلى جانب العربية، وتعد تطلعات الشاعرة نازك الملائكة حول الشعر ذات أهمية خاصة، حتى تكاد تشعر أنها معدة لمرحلة ما بعد شعر التفعيلة، عبر تنظيراتها النقدية المتصلة باللغة الجديدة أو الإيقاع. فهي ترى أن الشعر في العالم العربي تيار تسيّره القواعد التي وضعها أسلافنا في الجاهلية وصدر الإسلام". وكل ما قدمته الشاعرة نازك الملائكة من دراسات وتنظيرات في الشعر المعاصر وطروحاتها النقدية ساهم بأن يكون الشعر الحديث حيًّا وصادقًا بدلًا أن يختنق ويموت بكلاسيكيته فجوهر الشعر بكل قوالبه هو الصدق الذي اتسمت به هذه الشاعرة.

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي