مقالات ادبية واجتماعية وفنية
راسم الحديثي | ناقد عراقي
رواية من الحجم المتوسط بعدد صفحات 120، فنتازية السرد وتتمظهر بها الواقعية السحرية بشكل جميل تتماهى مع الأحداث المأساوية التي حصلت وتحصل اليوم في اليمن الذي لم يعد سعيدًا كما في الأمس. إنمازت بالوصف الرائع لعالمٍ يتراجع باضطراد، حتى تسيدت الخرافةُ في عموم طبقات الشعب، لا تستثني أحدًا، ما خلا ثمةَ مجموعًة بسيطًة منسية لا تأثير لها، وهم نخبةٌ من مثقفين علميين وحداثويين تشرنقوا كي يسلموا على وجودهم في بحرٍ من غيبٍ وشعوذة، كلُ هذا السواد والألم الضارب بأعماق المجتمع تجد له تربًة صالحًة خصبًة اسمها الدين، الكل يتحدث به وينظّر ويستأنف خطابه بآية من الكتاب الحكيم، من هنا يبدأ خداعَه وكذبَه ويبرر سحرَه وشعوذتَه.
وتبقى تلك النخبةُ الواعية التي تحلم بإنقاذ هذا العموم الكارثي، مما يجعل أحلامَها المتخيلَة هذه لا طائل منها. نعود إلى الكبش الفحل الذي يشاع في بلاد اليمن أنه رضع من شياه الجن، فأصبح كبشًا يصارع الكلاب وحتى الذئاب، وروثُه وبوله ووسخه دواءٌ فاعلٌ لمرضى الضعف الجنسي، هذا المرض الذي استشرى في عموم هذا البلد بسبب الفقر والفاقة وعديد الأمراض، وبسبب الحسد والشعوذة والكره والسحر.
وحين شاع صيتُ هذا الكبش الفحل وصاحبُه الفقير وحيد، بدأ الناس تجلب شياهها البكر لتتلقح من هذا الكبش فتلد كباشًا، لحمُها كذلك دواءٌ ناجعٌ لضعاف القدرة الجنسية، في تلك القرية الشهيرة التي كانت من القرى المنسيةِ يومًا. هنا ينمو المخيال الشعبي الذي يعيش غياب السلطة العادلة وغياب كلمة علم وحداثة، ترى المخيال الشعبي يبدع لك قصصًا لا تصدَق عن انتشار الجن والسحر والملائكة بردائهم الأبيض، في عالمٍ من المصدقين والمعجبين، في فنتازيا خلّاقة بقدرة كاتبٍ متمكن محترف.
هكذا أضحت هذه القرية من أشهر قرى اليمن غير السعيد، قرية يغزوها الناسُ لتلقيح شياههم البكر فقط، لتنتج كباشًا مفيدٌ لحمَها للأمراض الجنسية، أما الكباش هذه تأبى أن تسلب حق الكبش الأب بتلقيح من يعجب بجسدها، فهي لا تلقح أحدًا وهي لا تعيش أكثرَ من ستة أشهر. زار السيد المحافظ القرية هذه وقبّلَ وحيد صاحب الكبش وطبطب على مؤخرة الكبش بأدبٍ وطاعة، بسبس لوحيد كي يعطيه قليلًا من هذا اللحم، فهم وحيد أن السيد المحافظ يعاني من العنّة الجنسية، فمنحه ما يود، مرت الأيام ليزور حضرة الرئيس وبرفقة المحافظ هذه القرية، وهكذا وبرمشة بصر أمست القرية ووحيدها ملكًا صرفًا لرئاسة الدولة. وتستمر هذه الحكاية، فيزداد ظلمُ الناس بسبب شهرةِ هذه اللحوم وارتفاع
أسعارها مما يتعذر على عموم الناس شراؤها، والأنكى من ذلك هو شراء الحاكم معظم معارضيه بمنحهم القليل من وجبات الطعام من لحم تلك الكباش النادرة، ما خلا الندرةَ البسيطة من معارضين أبوا أن يأكلوا لحم هذه الكباش.
التراجيديا الغريبة في هذه السردية المخيالية، هو بيع الحاكم كبشَه النادر لحاكم دولةٍ غنية، مع وحيد وتربة تلك القرية وأشجارها وحتى الجبل المجاور لها، هكذا نُقلت تلك القرية إلى هناك كي يبقى الكبش الفحل محافظًا على صفاتِه وصحته. واستمرارًا لتلك التراجيديا، هو خبرُ وفاةُ هذا الكبش النادر، هنا للاستدلال بأن هذا الكبش لا يعيش إلى في بلده الأصيل اليمن ولا غيره. وتنهي السردية بنموذج الثورات الشعبية السلمية التي حصلت في كثير من بلدان الوطن العربي والتي سميت بالربيع العربي، فتخرج جموع الناس هاتفة باسقاط الدكتاتور، فينهار النظام بلحظة لم تكن غريبة حينها، كحاكم تونس ومصر وليبيا..
الملاحظات الايجابية:-
1- استذكار التاريخ السعيد لهذا اليمن في بطون السرد، مثل"تلك البقعة السوداء على جبهة الكبش الفحل كأنها تتوجه بهيئة الوعل اليمني الأصيل المرسومة صورته على جدران بقايا حضارة معين وسبأ ص19 .
2- تسيّد الخرافة على غيرها مثل" رضعَ الكبشُ من شياه الجن فأمسى بطلًا بامتياز يشار له بالبنان.
3- الأثر الكبير والخطير للشعر الشعبي المعارض للأنظمة القسرية ومثاله أبن جنية في اليمن وفي العراق عزيز علي ومظفر النواب.
4- أشارات الروائي للسينما والدراما باشكالها وهو القدير والمتمرس بها.
5- قدرة الدكتاتور كسب كثيرًا من المعارضين بسبب الإغراء من لحوم الأكباش، وهنا يؤكد دور المال والمنصب وغيرها باسقاط بعضٍ من المعارضين غير العقائديين بقوة وهم كثر.
6- التناص في العقوبة مثل" ماري انطوانيت زوجة لويس السادس عشر والتي أعدمت بعد زوجها في الثورة الفرنسية، وهنا أشارة لما سيحصل لزوجة الدكتاتور هنا في اليمن.
7- المناضل الوحدوي عمر الجاوي، كمثال لأبرز المؤمنين بوحدة اليمن، وأقول أنا المناضل الفعلي علي سالم البيض الذي قبل أن يفقد سلطتُه ويكون الرجل الثاني من أجل وحد ة اليمن.. وأشير هنا إلى الشهيد العروبي اليساري عبدالفتاح اسماعيل.
8- ذكر الروائي لشخصيات تركت بصمًة إنسانيًة فنية أو قانونية أو علمية مثل" ايلينا دي ثارلوس الممثلة الاميركية الشهيرة وسيوهو وانغ شو العالم في الهندسة الصيني الامريكي ويمن حميد وهي ابنته كما أعلمني هو، استفاد منهم الروائي بلجان إنسانية متخيلة داخل السرد.
9- الرواية هذه المتخيلة تقع أحداثها في المستقبل وفي أعوام 2050 وما حولها، إذ يعتقد الروائي ستكون هذه السنوات سنوات خير وثورة مدنية حضارية يعود بها اليمن الى اليمن السيد كما ذكر في بطون التاريخ.
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي