loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

قراءة في (جغرافية الورد) للشاعر عبدالله نوري إلياس

breakLine

 

سامية خليفة/ناقدة لبنانية



يقول الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه: "لا تكتب الشعر إلا عندما تشعر أنك ستموت إذا لم تفعل" وهذا ما لمسته في مجموعة الشاعر عبد الله نوري إلياس (جغرافية الورد) هذا العنوان اللافت فالجغرافية تدل على المكان المحدد والورد تضوع رائحته ولا تنحصر في مكان معين، بل تعبق في كل الأمكنة، ليتبين للقارئ بعد قراءته للمجموعة أن هذا العنوان لم يأتِ عن عبث بل هو مقصود فالجغرافية هنا تعني الوطن والورد رائحته عطرة أما ما سنلاحظه في قصائده أن تلك الجغرافية  أصبحت مقززة ومثيرة للاشمئزاز بسبب الفساد والحروب والقهر. من هذا العنوان الساخر يتبين لنا أن قصائده تظهر الهدف في اندفاعه لكتابتها وذلك بسبب معاناة كبيرة يعيشها، وأنه كان لا بد وأن يفجر ما في نوازعه عبر الكتابة عن مجريات الواقع، في قصائد إيحائياته تصويرية تبين مرارة ذلك الواقع متمردا عليه في غضب يلفه الاشمئزاز، هنا أدبه الساخر مختلف عن موليير الذي كانت تستثير سخريته اللاذعة عند القارئ الضحك، رغم أن لها الهدف نفسه في فضح المسكوت عنه.
في قصائد الشاعر  عبدالله نويري ألياس، هناك سخرية تستثير في القارئ الألم حدّ البكاء، والاشمئزاز حدّ الغثيان.
الثيمة الغالبة لنصوصه هي السخرية المتمردة، فالمجموعة مترابطة حول تلك الثيمة، متبعا فيها منهجا فنيا عاليًا من حيث وضوح اللغة والبلاغة في تواز مع أهمية المواضيع المطروحة، وفي أسلوب محكم. نصوص تدور في أغلبيتها حول تأثر الفرد السلبي بالمجتمع في صور تعدت الذاتية إلى العامة الشاملة، فتلك المشاعر لا تخصه وحده، بل تعبر عن كل مواطن يسود مجتمعه الفساد. في نصه انتظارات: "الأرض قلقة /الجغرافيا تمضغ حقائبها/ 
 والخلق حائرون في ترتيب نهارهم)
وفي نفس النص، الغارقون بكؤوس الدم/انفلتوا بصحبة الصّمت)
الصور مجازية بامتياز
فمن هم هؤلاء إلا أفراد الشعب الحيارى المشتتون المفجوعون الذين لا يقوون على الصراخ بوجه الظالمين؟
النصوص متوهجة بعاطفة الشاعر الصادقة بفكره الذي يبتكر صورا جذابة من خياله الخصب، صور مجازية مكثفة لم تحِدْ عن الحداثوية، واقتربت من الدادائية في ردائها الحديث التي تظهر التشويهات لا الجماليات لأن ما يعم الواقع مختلف تماما عما تبرزه الجمالية التي يشدد عليها الرومانسيون، هنا الأمر مختلف فالجمالية، هي في التركيب والتناغم الجرسي بين الموسيقى الداخلية للألفاظ والمعاني والموسيقى الخارجية في اختيار المفردات.
في نصه (حروب فارغة) نلاحظ التكرار مثلا تكرار لا الناهية في عدة جمل ، والتكرار يعتبر من أواليات الشعر النثري الحديث، والتكرار في شعره ليس في الصور أو في الجمل، وإنما في تكرار لنفس الكلمة وقد ورد ذلك في عدة نصوص. 
في قصيدته (تنهدات) تتجسد قمة الألم، هنا يكشف الشاعر عن الحقائق التي لا يمكن السكوت عنها، هو ينادي على الوطن الذي يحاول الغير إخفاء هزائمه بانتصارات واهية، فكيف ينتصر وطن غارق في لجج مكائد الفاسدين والخونة وفي دموع الضعفاء الصابرين وغدر الأخ بأخيه في نزاعات عشائرية أو مذهبية؟ يقول: "أناديك أيها الوطن الغارق /بالانتصارات الفارغة/ بالجواسيس بالجريمة/بحواضن الكلاب بالأوغاد /بهابيل وقائين/ بالرعاع بالبهاليل/بالحقائق المريرة /بالحزن الذي قتل بلادي/ بالرؤوس الرديئة/تاركة خلفها/ آلاف التنهدات والأوجاع"
في نصه (أباطيل) تتطابق التساؤلات الإنفعالية مع اختيار الألفاظ فقد استخدم الشاعر ( كيف ) للدلالة على عجز الإنسان بأن يغير ما أخطأ بصنعه من حروب وويلات وفساد واستخدم ( لماذا ) لمعاتبة ذلك الإنسان لعله يعي ما اقترفه فلربما يتراجع ويتعظ: 
"كيف تعيد للشمس/عرباتها العالقة في الفصول/ وتكتم في أوراقك /حشوة الطعنات/وتطعم فمك أناقة الضوء/ في كل حرب لك تهمة /في الأباطيل/ لماذا شوهت وجهك المختبىء/بالحروق والندوب"
تتجلى السخرية المريرة في كل القصائد منها  قصيدته زغاريد مقدّسة من بين سطور القصيدة يقول: 
"في الشارع يسألون عن وطن/يحوم حول ضياعه /وهم ضائعون في ترتيب احلامه" تبان له الحقيقة في أن ضياع المواطن يبدأ من شعوره بضياع الوطن الذي فقد أحلامه، لتكون مهمة المواطن الركض وراء تلك الأحلام التي تصبح غير مجدية بضياع الوطن والذي هو أساس ومنبع لتلك الأحلام لكن هذا هو الواقع وهذا ما هو مقدّر للوطن  يقول:   
"القدر يحتسي نخب التشرد/والجراح تتلو ملامح وجهي." 
نلاحظ في كل النصوص بدون استثناء التكثيف في الصور المجازية التي تتخللها الكثير من الاستعارات والكنايات لتزيد من جمالية النصوص وقوتها خصوصا في قصيدة انتظارات حيث يقول: "الأرض قلقة/ الجغرافيا تمضغ حقائبها/ والخلق حائرون في ترتيب نهارهم"
هناك عملية مزج بين سمات الإنسان والجماد لكنه أنسن الجماد فاستعار القلق من الإنسان ومنحها للأرض، كذلك استعار عملية المضغ ونسبها للجغرافيا.
وفي ذلك التمازج والخلط عملية تهكمية ساخرة.
اعتمد الشاعر على التلميح لا على التصريح، الغموض في أشعاره، جاء في خدمة جمالية التعبير، فلم تأخذ كتاباته طابع الفردية الذاتية بل كتبت لإظهار هواجس جماعية يعاني منها المجتمع، وفي أغلبية النصوص كان يتوجه الشاعر بشكل غير مباشر للقارئ بمخاطبته.
 

 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي