مقالات ادبية واجتماعية وفنية
كارلوس فوينتس || كاتب مكسيكي
ترجم المترجم العراقي مازن رياض
* المقالة الأصلية مأخوذة من موقع NPR، يمكن الاستماع إلى الحوار عبر Fresh Air. تم إعادة نشر هذه المقتطفات بتاريخ الثامن عشر من أيار عام 2012، بعد وفاة فوينتس بثلاثة أيام.
توفي المؤلف المكسيكي كارلوس فوينتس، وهو واحد من أكثر الكتاب تأثيرًا في العالم اللاتيني، يوم الثلاثاء في مستشفى في مدينة مكسيكو، عن عمر ناهز 83 عامًا. كان فوينتس كاتبًا غزير الإنتاج، وكتب روايات وقصصًا قصيرة ومسرحيات، بالإضافة إلى كتب سياسية ومقالات نقدية عن الحكومة المكسيكية خلال الثمانينيات والتسعينيات.
إلى جانب غابرييل غارسيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا وخوليو كورتثار، ساعد فوينتس في انتشار الأدب اللاتيني إلى جمهور عالمي أوسع على مدار القرن العشرين، من خلال روايات مثل "موت أرتيميو كروث" و"الغرينغو العجوز"، التي أصبحت أول رواية لاتينية تدخل قائمة أفضل الكتب مبيعاً في صحيفة "نيويورك تايمز".
يُذكر أن فوينتس ظهر في برنامج "فريش إير" مرتين، الأولى كانت في عام 1987، والثانية كانت في عام 1994. سنستمع الآن إلى أبرز المقتطفات من حوار عام 1987.
ديف ديفيز، المقدم:
تُوفي الكاتب والمفكر المكسيكي كارلوس فوينتس، الذي ساهم في تألق وانتشار الأدب اللاتيني في الستينيات والسبعينيات. يتذكر الناس فوينتس بسبب العديد من الروايات التي مزجت بين الواقع والخيال وتناولت القضايا الاجتماعية والسياسية، ويرى الكثير أن روايته "موت أرتيميو كروث" التي صدرت عام 1962 هي أفضل أعماله، وحظيت روايته "الغرينغو العجوز" الصادرة عام 1985 بشهرة واسعة في الولايات المتحدة حتى تم تحويلها إلى فيلم من بطولة غريغوري بيك.
كان فوينتس مدافعًا صريحًا عن العدالة الاجتماعية، ولكنه رفض اعتماد المعتقدات السياسية التقليدية. أشاد فوينتس بثورة كاسترو ورفضها فيما بعد، كما وصف زعيم فنزويلا هوغو تشافيز بــموسوليني الاستوائي. شغل كارلوس منصب سفير المكسيك في فرنسا لمدة عامين، كما أنه عاش في العاصمة واشنطن منذ سن الرابعة وحتى الحادية عشرة، حيث عمِلَ والده كدبلوماسي.
لم ينقطع كارلوس فوينتس عن الكتابة أبدًا، حيث صدرت آخر رواياته "القدر والرغبة" العام الماضي. وعندما حاورته تيري عام 1987 قال لها بأنه وعلى الرغم من إجادته للغة الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، لا يستطيع كتابة الأدب إلا بلغته الأم، الإسبانية.
كارلوس فوينتس: كل أحلامي باللغة الإسبانية، كما أنها اللغة التي أشتُم بها، وهذا أمر مهم للغاية. لا أشعر ولا أتأثر بالإهانات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، فهي لا تعني شيئًا بالنسبة لي، ولكن في هذه اللغة...
تيري غروس، المحاوِرة:
لا تحمل الكلمة أي تأثير.
فوينتس: ليس فيها أي تأثير، بينما الإهانات بالإسبانية تثير غضبي بشدة. كما أنها لغة الحب بالنسبة لي، عجيب. إنها اللغة الوحيدة التي أستطيع أن أمارس الحب بها، وهذا هو السبب في أنني دائمًا ما أتزوج نساءً مكسيكيات يمكنهن فهمي، أو ذلك ما أظنّه.
(ضحك)
غروس: لقد ترعرعتَ في الولايات المتحدة، عندما كان أبوك دبلوماسيًا في واشنطن…
فوينتس: نعم.
غروس: …هل كنت تميل إلى الإحساس بأنك أمريكي أم مكسيكي أكثر؟
فوينتس: الأطفال الأمريكيون، الذين كانوا قاسيين عليّ أحيانًا، جعلوني أميل إلى الإحساس بأنني مكسيكي بشكل كبير عندما ذُكرت المكسيك في الأخبار. فكما تتذكرين، كانت المكسيك في العشرينيات والثلاثينيات كنيكاراغوا بالنسبة للولايات المتحدة، الوحش في الجنوب، اليساريون، الثوريون، الماركسيون والشيوعيون وما إلى ذلك.
ولذلك، هويتي كانت مقترنة ببلدي وبما يتعلق فيها من أحداث، وعلى الرغم من أنني كنت طفلًا جاهلًا بهويته، إلا أن الأطفال الأمريكيين جعلوني أشعر بالهوية المكسيكية.
غروس: حينما عدت إلى المكسيك في الحادية عشرة من عمرك، هل فكرت: "يمكنني الآن أن أكتشف ما هي المكسيك حقًا"؟ إذ كنتَ يافعًا جدًا لإدراك ذلك عندما غادرتها.
فوينتس: لا، لقد عدت إلى المكسيك عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري فقط، لأنني ذهبت إلى تشيلي والأرجنتين بعد العيش في الولايات المتحدة، إذ كنت أتبع والدي في عمله كدبلوماسي عندما كنت طفلاً وشابًا. ولذلك، لم أعد إلى المكسيك للعيش هنا بشكل دائم حتى بلغت السادسة عشرة من عمري. وحينها كان اكتشافي اكتشافًا جللًا إذ توجّبَ عليّ مقارنة تخيلاتي عن المكسيك مع ما هي عليه في الواقع.
وفي هذا التناقض ما بين تصوراتي والواقع، وُلدت إمكانياتي الأدبية كروائي لأنني بدأت أتعامل مع هذا التناقض ومع هذه الفجوة فيما بين الواقع والخيال الذي عشته عندما عدت كمراهق.
غروس: هل يمكنك إعطاؤنا فكرة عمّا لم يكن موجوداً في الواقع من تخيلاتك؟
فوينتس: نعم، شعرتُ أن البلد فوق الانتقاد لأنه كان يتعرض للهجوم بشدة من قبل الأمريكيين، وكنت مضطرًا للدفاع عنه باستمرار. وحين وصلت، وجدت أنه ليس بلدًا مثاليًّا وتحتّم عليّ التعامل مع عيوب المكسيك كما أتعامل مع مثالياتها، واكتشفت سريعًا بعدها أن الانتقاد هو شكل من أشكال الأمل والتفاؤل، إذ إن السكوت على عيوب مجتمعك يعني بأنك فقدت الأمل بهذا المجتمع.
ولا يمكن أن تظهر إيمانك بهذا المجتمع إلا عندما تتحدث بصدق عنه، وهذا شيء لا يفهمه المتعصبون والشوفينيون في أي بلد، سواء في المكسيك أو الولايات المتحدة.
غروس: قلت سابقًا إنك، كشاب مراهق في الثامنة عشرة من عمره في المكسيك، أخذت تتمتع بحياة المدينة والترفيه عن نفسك مع الراقصات والسحرة وعازفي المارياتشي. أود أن أعرف ما إذا كان ذلك لأخذ فكرة عن الحياة البوهيمية أم لأخذ فكرة عن المكسيك.
فوينتس: لا، كل ذلك كان لهوًا وتسلية.
غروس: كانت لهوًا وتسلية، لا شيء آخر مما ذكرتهُ.
فوينتس: لا، لم يكن ذلك جزءًا من أي خطة.
(ضحك)
فوينتس: لم يكن ذلك جزءًا من أي خطة، بل ببساطة بسبب تحول مدينة مكسيكو إلى عاصمة مزدحمة في الأربعينيات، وكان التسكع ممتعًا للغاية مع كل هؤلاء. ويا له من مزيج. حيث جاء العديد من المهاجرين الأوربيين إلى المكسيك خلال الحرب، ثم وصل أناس من هوليوود ويساريين أمريكيين إلى المكسيك عندما بدأت مطاردة الشيوعيين في الولايات المتحدة، وكان ذلك خليطًا رائعًا.
كان هنالك الكثير من التوجهات والأفراد المثيرين للاهتمام، ومن حسن حظي كنت في سن المراهقة حينها، إذ تمكنت من التآلف والاختلاط مع كل ذلك، ومع الحياة الرائعة للمدينة المزدحمة، التي كانت جميلة جدًا وصغيرة. كنت تستطيع أن تتجول فيها سيرًا، وبدا كل شيء تحت السيطرة حينها، أما الآن فقد فاضت المدينة بما فيها وانتشرت، انتشرت مثل السرطان.
غروس: كيف كان رد فعل والديك بما يخص تسكعك مع العاهرات والسحرة؟
فوينتس: سيء للغاية. إذ توقعوا منّي أن أكون محاميًا شابًا محترمًا. لكنني مررت بتلك التجربة التي كانت جوهرية بالنسبة لي ككاتب لأنها كانت موضوع روايتي الأولى، إذ لو لم أعِش تلك التجربة، ربما لمَا كتبت الرواية هذه.
غروس: حسنٌ، تكلمتَ عن هذا الوجود والعلاقة فيما بين الواقع والوهم وفيما بين الواقع والسحر.
فوينتس: نعم.
غروس: ويمكننا القول إن ذلك كان ثيمة عامة في الرواية اللاتينية، كما نسميها.
فوينتس: نعم.
غروس: كما أنني تساءلت لماذا يوجد الكثير من السحر والسريالية في الأدب اللاتيني، لا أعرف ما إذا كان لديك أي آراء حول ذلك.
فوينتس: نعم، لدي العديد منها ولا أعتقد بأننا يجب أن نعمم تمامًا حول هذا الأمر لأن ذلك لا يحدث في أعمال جميع المؤلفين. بالحقيقة نحن نتعامل مع شيء يتجاوز ما نقوله، وهو الثيمة الطاغية للأدب، وكان ثيربانتِس من الرياديين في هذه الناحية إذ استعمل هذه الثيمة في روايته "دون كيخوته"، وهي العلاقة ما بين الواقع والوهم، أو فيما بين الخيال والحياة اليومية.
المشكلة الكبرى التي طرحتها "دون كيخوته"، والتي توجد في كل رواية يمكنك ذكرها، فلا أعرف رواية واحدة خالية من هذا السؤال؛ ما هو الواقع وما هو الوهم؟ ربما يتعين على الروائي اللاتيني ذلك بالأخص بسبب كمية المشاكل غير المحلولة في مجتمعنا، والبحث الملحّ عن الهوية في مجتمعاتنا، وجغرافيتنا الممتدة، والمسافات التي تفصلنا، بسبب غرابة حياتنا السياسية في بعض الأحيان.
لقد كان علينا تعامل مع هذه المشكلة بطريقة باروكية ومتأصلة، إذا صح التعبير، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع جسامة مشاكل الشخصيات في التاريخ، وطول الأنهار وارتفاع الجبال. إنها تعطي للكاتب اليد العليا، إذ يمنح الأدب حريةً أكبر للتخيّل مقارنةً بما يقدمه الواقع.
غروس: لقد كنت دائمًا منخرطًا في السياسة بطريقة أو بأخرى. أعني، بعض الكتّاب مهتمين بالسياسة كحالتك والبعض الآخر ليسوا كذلك، فهل كان هناك أي كتاب ألهمك للمشاركة في هذا النوع من الروايات السياسية؟
فوينتس: لا أعرف ما إذا كان أي شخص قد ألهمني ولكنني أشعر بأن ذلك كان الأمر الطبيعي لفعله في حالتي في أمريكا اللاتينية، وأنني لم أكن أفعل ذلك بصفتي كاتبًا بقدر ما فعلته بصفتي مواطنًا معنيًّا. كما أنني لا أخلط بين كتابتي وسياساتي. وأعتقد أن هذا شيء ينطبق على معظم كتاب أمريكا اللاتينية.
فهناك كتّاب يساريين، وآخرين يمينيين في أمريكا اللاتينية. لكن عندما يكونون كتّابًا جيدين، لا تشعر أنهم يفرضون عليك سياساتهم أو يستخدمون رواياتهم كمنبر للدعاية. على العكس من ذلك، فهم محترمون للغاية.
على سبيل المثال، لم أرَ غارسيا ماركيز، كيساريّ، يعِظ بأي مبادئ يسارية في إحدى رواياته. أو خورخي لويس بورخيس كيمينيّ، لم يكن داعية لأي عقيدة محافظة أيضًا.
لذلك، ما أعنيه أنه يجب على المرء أن يفهم هذه المواقف على مستوى اهتمام المواطن ونشاطه. وبعد كل شيء، ما يهم هو الكتب وليس السياسة. إذا كنا سنحكم على بلزاك أو عزرا باوند أو بي جي وودهاوس من خلال آرائهم السياسية بدلًا من كتبهم، فسنكون مخطئين جدًا.
ديفيز: المؤلف المكسيكي كارلوس فوينتس في حوار مع تيري غروس، تم تسجيله عام 1987. توفي فوينتس يوم الثلاثاء في مدينة مكسيكو عن عمر ناهز 83 عامًا.
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي