مقالات ادبية واجتماعية وفنية
علي لفتة سعيد
كاتب | عراقي
1-
من الغريب، بل من المؤلم، أن ترى بعض العرب، في تعليقاتهم أو حواراتهم، يهاجمون من يُظهر الحزن على الإمام الحسين، ويسخرون من محبة أهل البيت، ثم لا يترددون في تمجيد رموز مثل معاوية ويزيد. هذا التناقض الصارخ لا يعكس فقط خللًا في الفهم، بل يكشف عن أزمة عميقة في الوعي والولاء.
الإمام الحسين ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو ابن بنت رسول الله، وسبطه، ووصيته، وسيد شباب أهل الجنة كما ورد في الأحاديث الصحيحة. ومن أحبّ الرسول، أحبّ ذريّته، ووقف إلى جانبهم، لا إلى جانب من حاربهم وسفك دماءهم.
2ـ
ما نعيشه اليوم من مفارقات في المواقف لم يأتِ من فراغ. لقد نجح الاستعمار البريطاني، بالتواطؤ مع الحركة الصهيونية، في إعادة تشكيل الوعي العربي والإسلامي من الداخل. كانت الخطّة ذكية وخبيثة: شقّ الصف الإسلامي من خلال العبث بالتاريخ، وتحويل رموز الظلم إلى رموز "واقعية"، وتشويه صورة من ناضلوا من أجل الحق.
الإنجليز لم يغزوا البلاد فقط بجيوشهم، بل بنُخَب عميلة، وبإعلام منحاز، وبمناهج دراسية مشوّهة، وبحكومات وظيفية تُعيد إنتاج الانقسام. فتمّ إقصاء الإمام علي من فضاء القيادة الفكرية، وتهميش ثورة كربلاء من الوجدان العام، وتحويل الحسين من شهيدٍ خالد إلى مجرّد حدث ديني موسمي يُحاصر بالبكاء ويُجرَّد من رسالته السياسية التحررية.
3-
الذين يكرهون الحسين لا يكرهون اسمه فقط، بل يكرهون ما يرمز إليه. يكرهون فكرة الوقوف في وجه السلطة الجائرة، ورفض الانحراف باسم الدين، ورفض السكوت عن الفساد. فالحسين لم يُقتل لأنه خرج على "حاكم شرعي"، بل لأنه رفض بيعة باطلة، تمثّل نهاية خط الرسالة وبداية مرحلة التبرير للظالمين.
ولهذا، كان وما يزال اسمه مزعجًا لكل نظام استبدادي، ومحرّضًا لكل حرّ. فكل مشروع قمعي، في القديم والحديث، يعمل على تحجيم الحسين، وتقييد ذكراه، وإحاطتها بقيود مذهبية لتقليل تأثيرها على الوعي العام.
4-
لقد تحوّل الصراع في العقل العربي من مواجهة الاستعمار إلى صراعٍ داخلي على رموز التاريخ، فأصبح الهجوم على أهل البيت نوعًا من "الاعتدال"، والدفاع عنهم يُوصَم بالطائفية.
فهل وعينا حجم الانحراف؟ وهل ما زلنا بحاجة إلى من يُذكّرنا أن حب الحسين ليس حكرًا على طائفة، بل مسؤولية أمة؟
إننا بحاجة إلى ثورة وعي جديدة، تُعيد قراءة التاريخ من منطلق القيم، لا المصالح، وتضع الحسين حيث ينبغي له أن يكون: منارةً لكل حرّ، وصوتًا لا يُسكَت للعدالة
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي