loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

أدب الحب النسائي

breakLine

فاطمة المحسن || كاتبة وباحثة عراقية


شهدت سنوات التسعينات وما تلاها ما يشبه العاصفة في أدب الحب النسائي، فما عادت الكثير من كتابات المرأة  تطرق موضوع الحب على نحو رومانسي، أو عبر ترميزات وتوريات تلعب مع القارئ لعبة التنكّر، فقد غدت العلاقات الجنسية  في مقدمة المواضيع التي كرست لها الروائيات والشاعرات العربيات المزيد من الجهد ، فبدت ثورتهن هذه المرة على قدر من الجرأة غير مسبوقة. 
ولعل في هذه الثورة ترميزات ليست الدلالة الأكبر فيها فكرة الحرية، بل أيضا الاستجابة إلى واقع جرى فيه استبدال صورة المرأة العربية من كائن يتطور مثل سائر البشر، إلى كيان يخاف الناس من ظهور جسده إلى العلن، في الشارع ومراكز التعليم والعمل. فكأن الكاتبة أدركت على حين فجأة، خطورة وجودها الفيزياوي،كفعل خطيئة تُجْسّدها تضاريس قوامها وصوتها وحركاتها التي تدل على الرغبة وتبيحها. حاذت كتابتها الجديدة الخطاب المحافظ الذي كرسه الإسلام السياسي،  كي تنفي أهمية الفكرة التي يضمرها، ومثل من يود استنساخ النموذج في تعازيم تبطل  مفعوله وتشل حركته، تقف الكاتبة الجديدة في المكان نفسه الذي يقف فيه أعداؤها لتطرح سؤالها الحارق : إن كنت هكذا ما الضير من كينونتي هذه ؟.  
حاولت شاعرات وروائيات عصر النهضة العربية ،إثبات أهمية المساواة بين الجنسين،وتدّرجت دعوتهن في تبيان منافع النساء في الحياة،من الحديث عن تربيبة الأم كي ينشأ الأبن صحيحا، ولم يأت ذكر الإبنة بالطبع في هذه المناسبة، الى  أهمية تعليم المرأة وتهذيبها كي يعثر الزوج على بيت مرتّب ونظيف ومريح.ولم تتعد مطالب الرائدات النسويات في القص أول أمرهن سوى الدعوة إلى  نبذ تعدد الزوجات كي يجنبن أنفسهن وبنات جنسهن غصة الشراكة في المحبة، ثم تطورت المطالب إلى  بقية بنود الحقوق القانونية التي بقيت في الأدراج، مثل روايات داعياتها.
وعندما  احتلت "حركة التحرر الوطني" المشهد السياسي العربي،ربطت  بين وضع المرأة ومعاناة المجتمع، فتم  تأجيل أماني المساواة لحين تحرر البلدان  من ربقة  الرأسمالية والإقطاع والجهل  والعبودية. برمجت  النسويات قولهن مع أقوال "أخوتهن" الرجال من الكتّاب ومناصري النساء، كي يقفن في صفوف طويلة بإنتظار بزوغ فجر جديد يكلل البشرية ببركات الخير العميم للمحرومين وأبناء السبيل، و لو قيّض لسيدات تلك الدعوة  البقاء إلى آخر الدهر، لما حصدن شيئا من أمانيهن. 
إكتشفت النسويات اللواتي خلّفن المناضلات، أهمية أن يصبحن أكثر حزما في حذف مصطلحات الكفاح السياسي من قاموسهن، ليستبدلنها بأطاييب الكلام، وليحلّقن  فوق أثير اللغة ورومانسية المشاعر،وليكتسي جرح التفجع وعذاب الحرمان نبرة ناعمة وشفافة. 
عند هذا الحد امتشق الناقدون أقلامهم في تبيان أهمية الكلام الأنثوي لإبطال فحولة  الرجل وفظاظة لغته. ولم تنفع موجة التضامن القلمية الرجولية بشيء،حيث كان المجتمع نفسه في غنى عنها وعن تنظيراتها، وهو السادر في مسيرة  تدق فيها طبول الحروب والثورات، والفحل فيها سيد القول والفعل. انخرط في هذه الموجة خلق كثير، فاختلط الحابل بالنابل،وأصبحت من سمات النجابة الرجولية الإشادة بالإنوثة الكتابية، ولا عجب والحالة هذه  أن نشهد قولين لكاتب واحد، أحدهما يمّجد القادة الخائضين معارك المصير، حتى ولو كانوا من الجلادين،وآخر يمجد القلم الأنثوي في ثورته على الظلم والظالمين.   
اسفرت تحديات الحروب والثورات في بلاد العرب عن ليل جديد لعبودية النساء، ليل من المعارك الضارية بين معسكري الشر والخير، حيث الهوية تعني الاختلاف وحده بين حضارة أصيلة وأخرى فاسدة لاينفع فيها إلا النبذ.ولن تكون المرأة هذه المرة إلاّ في قلب المعركة، تقيم في هودج يبعدها دهرا عن فساد وغواية الغرب.  فصارت كلمة المساواة ذاتها موضع سؤال وتنقيب عن أصلها وفصلها و" مرجعياتها" . هذا الشك لم يصدر من الدعاة ورجال الجوامع  الذين غزوا الفضائيات ومواقع الانترنيت، بل تشّكل على ضوئه قول جديد لكاتبات انخرطن في معارك البحث عن الهوية  الضائعة بين ركام الماضي.  
والحق ان للأدب مرايا يحّدق فيها كي يموضع قوله في موقع وزمان محدد، وأيا كان موقعه هذا فهو انقلاب على انقلاب الأسلاف أنفسهم، فالثورات الأدبية تولّد ثورات مضادة، ونُظم انتاج المعنى محكومة بما يقف خلفها وأمامها من خيارات.
ولكن الجنس والرغبة ينتميان إلى وجود سابق للغة التعبير، وهما يتجاوزان اللغة كوسيلة تعبير لإستحالة المنطق في قواعدهما. إذاً كيف للأدب أن يعقلّن خطابه  كي يكون خطابا جنسياً و إنقلاباً على ما سبقه من الصيغ المحافظة أو التي على حظ قليل من الصراحة والصدق في التعبير عن الحرية ؟ تلك مشكلة تجابه النقد في تحديد النوع الأدبي ومستواه وتشخيص صالحه من طالحه، وبالتحديد حين يأتي الكلام عن الموجة  الجديدة التي تحركها ثورة  الإيروس الأدبي. 
هذه الموجة التي نراها في الأدبيات الورقية والالكترونية، في كل أحوالها محكومة بطبيعة العصر ووسائله الاتصالية، إنْ لم تكن من نتاجه. وهي تحتاج كي تدرك مبتغاها التأكيد على أهمية إحداث الصدمة والطَرْق على الفكرة بمطرقة التكرار. لعلها أقرب إلى الشمولية والصرامة في تعميم النموذج والتنويع عليه. ويخيل إلينا أن النقد يحتاج  عدّة جديدة لا لمدحها أو التصدي  لها ورفع راية الحرب عليها، بل مقاربة تجاربها الفردية والعامة على نحو يملك مسافة وحرية التخلص من غرضية القول وحماس التأويل سواء سلباً أو إيجابا.
ومن هنا تتفاوت حظوظ الكاتبات في توقيت هذا النقد، فرواية  مثل رواية عالية ممدوح "التشهي" طواها النسيان، دون أنْ تحظى بفرص القراءة النقدية، لأن الجنس فيها مُكلفٌ وفادح على كاتبة شبه منزوية ومن بلد يفتقد أناسه فن التواصل، فهم يبربرون مع بعضهم، فكيف لهم الكلام المفيد مع غيرهم. ولن نتحدث هنا  عن روايات وأعمال شعرية كثيرة لنساء اطلق عليهن نفير الحرب لتقويض نتاجهن بسبب فقرات قلنها استطرداً،وفي منطويات نصوص مهمة. في حين كانت تحرق البخور حول رؤوس كاتبات لأسباب  لا تدع الناس على بيّنة من أمر النباهة أو قلتها في نصوصهن، فالإبداع حالة  تطوي الجنس بين جناحيها وتعبره، بل وتُنسي الناس كل المقولات الأخلاقية التي يلّوح فيها الدعاة على الضفتين.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي