loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

أسطورة مولد جلجامش

breakLine

 

 


سعيد الغانمي || كاتب عراقي

 

مرَّ علينا سابقاً أنَّ فرويد في كتابتِهِ عن أسطورة مولد البطل في كتابه "موسى والتَّوحيد" كان قد أدرجَ اسم جلجامش بوصفه واحداً من الأبطال الذين تحدَّثت الأسطورة عن مولدِهم. والحال أنَّ "ملحمة جلجامش" تفتقر إلى مثل هذه الإشارة. لكنَّ هناك روايةً حول مولدِهِ وردتْ منقولةً عن مصدرٍ رومانيٍّ يُرجَّح أنَّه من القرن الثاني الميلاديِّ. ولعلَّها منقولةٌ من مصدرٍ آخرَ، لا يُستبعَد أن يكونَ بيروسيس، وإن لم توجدْ دلالة صريحة على ذلك. فقد كتب كلاوديوس إليانوس (الذي عاش زهاء القرن الثاني الميلاديِّ) كتاباً عنوانُهُ في "طبيعة الحَيَوان". وفي حديثِهِ عن حبِّ الحيوان للإنسان، تطرَّق إيليانوس إلى أسطورة مولد جلجامش. ويحسن بنا أن ننقلَ ترجمة الفقرة التي أوردَها كاملةً:
"من مزايا الحَيَوانات الأُخرى حبُّ الإنسان. وعلى أيَّة حال فقد ربَّى صقرٌ طفلاً صغيراً. وأودُّ أن أنقلَ الحكاية كلَّها عساني أقدِّمُ دليلاً على ما أقترح. حين كان سيوكوروس (Seuechorus) ملكاً على بابل، نقل الكلدانيُّون أنَّ ابناً وُلِدَ لابنتِهِ، وأنَّ من شأنِهِ أن يغتصبَ المملكة من جدِّهِ. وقد خشيَ من هذا (وإذا جاز لي أن أغامر بالقول) فقد أدَّى دور أكرسيوس (Acrisius) مع ابنته؛ فأحاطَها برقابةٍ صارمةٍ. ولكلِّ هذا، وما دام القدرُ أدهى من ملك بابل، فقد وضعتِ الفتاةُ وليدَها وصارت أُمّاً، بعد أن حملتْ من رجلٍ مغمورٍ. ولخشية الحرّاس من الملك، فقد رموا الطِّفل الصَّغير من أعلى الحصن، لأنَّ ذلك كانَ الموضعَ الذي حُبِسَتْ فيه الفتاةُ المذكورة. وفي الحال حلَّقَ صقرٌ ثاقبُ النَّظَر رأى الطِّفل وهو يهوي ساقطاً، قبل ارتطامِهِ بالأرض، وبسطَ ظهرَهُ تحته، ونقلَهُ إلى حديقةٍ ما، ووفَّرَ له كلَّ ما يستطيع من رعايةٍ. ولكنْ حين رأى البستانيُّ حافظُ المكان الطِّفل الوديع تعلَّقَ بحبِّهِ وغذّاه؛ وسُمِّيَ "جلجاموس" (Gilgamos)، وصار ملكَ بابلَ".
هناك مَن يرى من الباحثين أنَّ (جلجاموس) ربَّما لا يكون جلجامش نفسه. وهناك مَن قارنَ هذه الأسطورة بأسطورة مولد الملك سرجون الأكديِّ. ولاحظ بعضُهم أنَّ الكلمة الإغريقيَّة التي استعملها إليانوس لوصف والد جلجاموس تعني (الخفيّ) أو (غير المنظور). وهذا الوصف يتطابق تماماً مع الوصف في "ثبت الملوك السُّومريِّين"، حيث يوصَفُ والد جلجامش بأنَّه "شيطان اللِّيلُّو" (Lillu- demon).
مهما يكن الأمر، فإذا صحَّتْ هذه الأسطورة، فهي بالتَّأكيد أقدم من أسطورة مولد الملك سرجون الأكديِّ. وربَّما كانت تمثِّل النَّموذج الأعلى لجميع الأساطير المشابهة من النَّوع نفسِهِ. ونحن نجد فيها جميع عناصر "أسطورة مولد البطل". قبل كلِّ شيءٍ، هناك نبوءةٌ تسبق مولد البطل، تتوقَّعُ له أن يصلَ إلى العرش، ويؤسِّسَ سلالةً. وقد يكون وضيعَ الأصلِ من جهة الأب في نسختها العراقيَّة القديمة، وتحظى أُمَّه دائماً بالأهمِّيَّة على أبيه. مع ذلك، تضطرُّ الأُمُّ إلى الخلاص من وليدِها برميِهِ في النَّهر، أو تركه في الصَّحراء، أو إلقائِهِ من أعلى بناءٍ شاهقٍ. لكنَّ حيواناً يعطفُ على البطل، ويتولَّى تخليصه. ثمَّ يُكمِلُ المهمَّة إنسان من أصل متواضع، مثل السَّقّاء أو الخادم أو الراعي أو الصَّيّاد أو الصَّبّاغ أو البستانيِّ، ويتعهَّدُ بتربيته، ويقومُ له مقام الأب، حتّى يكبرَ ويشتدَّ عودُهُ. وبعدها يتمكَّن فعلاً من الحصول على اعتراف أبيه، إمّا بقتلِهِ، أو بإخضاعِهِ لسطلتِهِ، ويصل إلى العرش، فيكون ملكاً تأسيسيّاً.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي