loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الإمام الحسين ، الواقعة و الانتصار

breakLine

 

نور علي الدفاعي/ كاتبة عراقية

 

أتيتُ على كتاب العقّاد، أبو الشهداء الحسينُ بن عليّ، لما نعيشُ ذكراه في أيامنا الحاضرة من واقعةٍ ثقيلةٍ ومؤلمة هي واقعةُ الطفِّ والشهادة؛ لرغبة معرفة واقعة المظلومية هذه ببعدٍ أعمق مما يتوارد على الألسن والمنابر.
كان العقّاد في مؤلّفه هذا كُلًّا من الباحث والأديب وما قصّر في أيٍّ منهما. عرض الواقعة ومهّد بشرح مسبباتها ومقدّماتها التي تعود في جذورها إلى الخلاف بين أميّة وهاشم. فاتحًا كتابه بفصلٍ أسماه "مزاجان تأريخيان" يفصل فيه طبائع الناس إلى أريحيةٍ ونفعية، ويقصد بالأريحية سعة الخُلُق والنخوة ونسب إليها الإيمان قلبًا وعملًا، وليفصلهما إلى مزاجين، يكون أحدهما مزاجًا أرضيًّا والآخر، وهو الأريحية، عُلُويًّا. وهو مفصليٌّ مهمٌ في فهم أغلب ما يركن إليه العقّاد في تحليله ونقده للواقعة وشخوصها وحتى في ردّه على المؤرخين ممن طعن في ثوّار الطفّ أو ثوّار المدينة من بعدهم في حقبة يزيد. والتي يعود إلى إقتباس فكرها في فصلٍ يقدّمه على خاتمته والذي أسماه: نهاية المطاف. خرج فيه، كما أشرت، بمنطق الباحث ونفس الشاعر. يقطع الطريق أمام كلّ من يلتمس شبح فكرةٍ تطعن في الحسين  وأصحابه أو في خروجه أو في ثورته وشهادته! بل في شهادة كلّ شهيدٍ وفي بذل كلّ ما يتجاوز جزاءًا فرديًّا أرضيًا عاجلًا. وإقامة حدٍّ قاطع على كلّ من يبرر أو يلتمس فضيلةً أو سببًا ليزيد وقادة جنده. بأسلوبٍ هو أبلغ ما عُرِف به العقّاد وأحرّه. وحيث يختم مقالته تلك ويقول: «ونهاية المطاف هي التي يدخلها نوع الإنسان في حسابه ويوشج عليها وشائج عطفه وإعجابه؛ لأنّه لا يعمل لوجباتٍ ثلاثٍ في اليوم، ولا ينظر إلى عمرٍ واحدٍ بين مهدٍ ولحد، ولكنّه يعمل للدوام وينظر إلى الخلود.» ما كان أروعه من فصلٍ يستنير به الفكر وتهيج به النّفس.
أجاد العقاد في كشف الواقعة وأوجه الإختلاف بين الحسين وخصمه يزيد. فهذا ربيب أطيب نسل وذاك ربيب أرومةٍ فاسدةٍ لا تقارن، وهذا في أعلى خُلُقٍ وعلمٍ ودين وذاك يبلغ أرذل وأحطّ منزلة. هذا ما قيل فيه قولٌ معيب وذاك ما قيل فيه قولٌ مادح. إذ يعلّق العقّاد « ويقف خصمه -يقصد خصم الحسين أي يزيد- أمامه موقف المقابلة والمناقضة لا موقف المقارنة والمعادلة في معظم خلائقه وعاداته وملكاته وأعماله» وهو ما تعرّض له العقاد شارحًا مفصلًا، متعرضًا لهذا الخلاف والإختلاف الراجع في المقابلة والمناقضة إلى زمن أمية وهاشم، الذي كانت له زعامة بني عبد منافٍ ومكة ومن بعدها حرب بن أمية في مقابلة عبد المطلب، ما لهذا من حطّةٍ وما لذاك من رِفعة في الخَلق والخُلقِ والزعامة الدينية والقبلية. ومن ثَمَّ لمقابلة أبي سفيان برّسول الله ونبّيه والتي لا حاجة لذكر مقابلةٍ مثلها! ومن ثَمّ ينتقل للمقابلة بين يزيد والحسين آنفة الذكر. 
لم يلتزم العقّاد في مؤلَّفه بسرد أحداث يوم العاشر كاملةً أو أن يذكر كلّ ما يخص ويرتبط بتلك الواقعة وما تبعها، وعرض جميع شخوصها على غرار من يتناول الواقعة. على أنّه ذكر نفرًا قليلًا من أشهر الشخوص في الفريقين لبيان عظم الفارق بين فريق النور والإيمان وفريق الظلام والضلال كالحرّ بن يزيد الرياحيّ وعليّ زين العابدين وعبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد. إنّما ذكر مبررًا «ونكاد نمسك عن تسطيره أسفًا وامتعاضًا لولا أنّ القليل منه جزءٌ لاينفصل من هذه الفاجعة». مع هذا، ما عَييَ العقّاد عمّا قصده وأبتغاه، إنّما وُفِّقَ وأبدع وكان في سرده الأديب الذي يحفز العواطف ويستحث العبرات وكان في مجادلاته من يقيم الحجة ويرفع الأسباب.
دافع عن الحسين وآله وأنصاره، وعَرَّف بنسبه وحقه وأسبابه وشجاعته ومظلوميته، وأثبت له من قبل ذلك خُلُقه وأدبه وبلاغته وحَطَّ في مقابله من مكانة يزيدٍ ونسبه وخُلُقَه وعمله وذكره ومن إتمر بخلافته وقيادته.
وقف في وجه المنفعة لصالح الأريحية وعاب ضعف الضمير والشعور عند يزيدٍ ومن كان في زمرته من قادته وجنده ومن خلفه من بعده، الذي جلب لهم ربح الحرب والمُلك ولكن لما جلب عليهم من عارٍ وخُسرانٍ أُخرَويٍّ أسقطهم من ميزان التأريخ والضمير، وثارات الحسين التي رفعها المختار ولوّنها بدماء من اشترك وخذل.
كذلك كان فصله المعنون؛ هل أصاب؟ إذ يسأل فيه مستنكرًا رافضًا «فكيف ينخذل الحسين وينتصر يزيد في عالمٍ شهد النبوّة وشهد الخلافة على سنّة الراشدين؟ ام كيف أخطأ الحسين ومن توسّم معه الشهادة؟» والذي يحرص فيه على تبرأت الحسين مما يُقذَف به ويصوّب خروجه وحربه وشهادته برفعه ما قاله الحسين يومًا «الناس عبيد الدنيا». 
أمرٌ أحسبه جديرٌ بالتعليق عليه، لا بقصد نقدٍ وإنتقاصٍ من العقّاد وإنما لتنبيه الحصيف على حقٍ قد يُغفَل او يُطعَن بلا قصد أذىً أو إحاطةٍ به كما حصل مع كاتبنا.
فلا يمكن لأحدٍ أن يعتبر بمقولةٍ يقولها معاوية في عليّ ابن أبي طالب. فله وعليه في كتاب الله ورسوله ما لا يقدر معهما أحدٌ قط أن يحطّ من شأنه أو أن يعيبه! لكن عجبي أن يُأخَذ كلامه في الحسن وأن ينقل هذا الكلام باحثنا العقاد مع ما يعرفه من سياسة معاوية في من يتخذه أو يرى فيه خطر الندّ. فهو من أمر أن يُسَبّ عليٌّ على المنابر وفي القنوت- وهو تدبير سنه لمن بعده من آل أمية لستين عامٍ- وقتلَ من رفض أمره ذاك وفيهم من هو مشهورٌ معروف. وهو من أغرى زوجة الحسن بتزويجها من يزيد وبالمال إن هي سمّت الحسن بن عليّ. كما إنّه القائل «إنّ لله جنودًا من العسل» أي جنود السّمّ.
حيث بدا العقّاد مترددًا ومتحذرًا بشأن معاوية، وفي بعض المواضع استثناه مما قذف به سلفه وخلفه من آل أمية فيقول«لم يكن الصراع بين عليّ ومعاوية على هذا الوضوح الذي لا شبهة فيه بين الحقّ والباطل وبين الفضيلة والنقيضة.» لكنه كان واضحًا بخذلانه عهده مع الحسن وهو ما لا يغفل العقّاد عن ذكره. 
ما قصد العقاد غير مديح الحسين وبيان أدبه وحسن سيرته، ولكنه وبغير قصدٍ أعيا فأساء للحسن في المواضع القليلة التي ذكره فيها مع الحسين. رغم أنّه لا ينكر أنّه كان أكثر شبهًا برسول الله.
وهذا على أيّ حالٍ قليلٌ نادرٌ ومما لا يفسد كلامه في الحسين عليه السلام، أو صدق مشاعره الداعمة والتي يخيل لمن يقرأ أنّ لسان حاله وقلبه يهتف "يا لثارات الحسين".

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي