loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الاستعارة واللاوعي المعرفيّ

breakLine

عبدالعزيز آل حرز || كاتب واكاديمي سعودي

 


يعود الاهتمام بدراسة مسألة اللاوعي إلى علم النفس، حيث ذهبت بعض الدراسات النفسيّة إلى ”أنّ التحليل النفسي قد وسّعَ دائرةَ العقل توسيعًا كافيًا عندما عثر على القصد القائم فيما قبل وفيما بعد الوعي“ (مونان،148)، فدراسة اللاوعي وسّعت من دائرة العقل بما فيه الكفاية، وقد امتدّ الاهتمام باللاوعي إلى الدراسات اللسانيّة لاسيّما العرفانية.
فقد عُني «تشومسكي» بدراسة المعرفة اللغوية اللاواعية في الذهن البشري، وبنى النموذج الذهني Mentalistic Model)) للغة، الذي يفترض أنّ الإنسانَ يولدُ بملكة لغوية مقرّها الدماغ بيولوجيًّا، أو باستعدادٍ فطري عام. وبقدرِ ما حَظيت به نظرية «تشومسكي» من اهتمام اللسانيين قوبلَت بالرفض والمجابهة من قِبل علماء النفس وفلاسفة اللغة العرفانيين، حيث وصموها بأنّها نظريّةٌ موغلةٌ في التجريد، وتقطع اللغة عن سياقها الاجتماعي، كما تقطع الصلة بين الفعل الكلامي وسياقاته التواصليّة، (الحمامي، 322) وهذا ما تأباه العرفانيّة التي تجعل للسياق الاجتماعي التواصليّ  مكانًا مرموقًا في كشف نسقيّة المعرفة اللغوية اللاواعية للفرد.
وإنّ الحديث عن اللاوعي المعرفيّ يُحيلنا -ضرورةً- على الميتافيزيقا، بوصفها المتحكّمةَ في أنساقِنا التصوّريّة، "فكلُّنا ميتافيزيقيّون"، -كما أكّد ذلك «لايكوف» و«جونسون»-، وأنّ هذه الميتافيزيقا هي التي تُعطي معنى لتجربتنا؛ مما يُبرهنُ كونها مُجسدنةً، ”فعَبْرَ أنسقتنا التصورية نستطيع أنْ نُعطي معنى للحياة اليومية، وميتافيزيقانا اليوميّة مجسّدة في هذه الأنسقة التصورية“ (لايكوف وجونسون، 46) ، فالميتافيزيقا هي اليد الخفيّة التي تتحكّم في أنساقنا التصورية وأفكارنا.
فنحن ننجز عباراتنا اللغوية -في كثير الأحيان- بصورة آليّة لاواعية، دون أن نعيَ المصدر المُسقَط والمـُبنين في الذهن، فبنياتنا العصبيّة وبسرعةٍ خوارزميّة تُنتجُ أشكالاً تفكيريّةً عبْرَ الأبنية اللغوية دونَ التركيزِ في ميتافيزيقاها المجسّد، فمثلاً نقول:
- انقطع حبل مودتنا.  
- وصلت علاقتنا إلى طريق مسدود.
- ما أجمل ورد وجنتها! 
- يجمعنا دفء المودّة.
وحين نتفوّهُ بمثلِ ذلك وغيره من الكلام، فإننا نبني عباراتٍ ونُنشئ استعاراتٍ من دون أي مجهود ملاحَظ، ويتم ذلك في مستوى أدنى من مستوى الوعي، وربما لا نلتفت كثيرًا إلى المصدر المُبنين في الذهن لذلك الهدف المجرّد، أو الأكثر تجريدًا. وإنّ إنجازَ أشكال التفكير بعباراتٍ آليّة وبصورةٍ لا واعية، حدا بفلاسفة العرفانية التجريبية إلى تأكيد "جسدنة الميتافيزيقا"، فهي متحكمةٌ في الفكر والوعي بل والنظريات الفلسفيّة. وقد أطلقَ «لايكوف» و«جونسون» على ذلك "اليدَ الخفية التي تُشكّل الفكر الواعي، إذ إنّ ”كل معارفنا ومعتقداتنا يؤطّرها نسق تصوري يتلخّص جلُّه في اللاوعي المعرفيّ“(لايكوف وجونسون، 49) ، بل ذهبا إلى أبعد من ذلك، إلى أنّ نظريات الفلسفة الواعية ما هي إلا نتاج هذه اليد الخفية.(لايكوف وجونسون،51)  فاللاوعي متحكّمٌ حتّى في تقعيد الفكر العقلانيّ الواعي.
وحين يصف مؤلفا كتاب (الفلسفة في الجسد) اللاوعيَ بالمعرفيّ، فإنّهما بذلك ينقضانِ ما ذهب إليه الفكر الفلسفيّ الكلاسيكيّ، الذي ”ينظرُ إلى معنى المعرفي بوصفه معنى ذا شرط-صدقيًّا Truth-Conditional أي إنّه معنى لا يحدد داخليًا في الذهن أو الجسد، وإنّما يُحدَّدُ بإحالته على الأشياء في العالم الخارجيّ.“ (لايكوف وجونسون، 48) ، وعلى ذلك فإنّ كثيرًا ممّا أطلقا عليه تسمية اللاوعي المعرفي، لا يعدّهُ كثيرٌ من الفلاسفة معرفيًّا البتّة! فالمعرفة عند الكلاسيكيين لا تتقوّم بالجسد!
وإنّ هذا التحكّم اللاواعي في معارفنا وتصوراتنا يستخدمُ الاستعارةَ التصوريةَ لتحديد ميتافيزيقانا اللاواعية، بل إنّ الأمر المرعب -حسب تعبير المؤلِّفَين- أنّ الفلاسفة الذين يُعنون بالجانب العقلي الواعي يستخدمون الاستعارةَ -من حيثُ لا يشعرون- من أجل إعطاء معنى لهذه التصورات.(لايكوف وجونسون، 50)  إذ إنّ استخدامهم للاستعارة هو استخدام لاواعٍ، وخفيّ؛ مما يؤكد على أن الميتافيزيقا الاستعارية هي المتحكمة في النسق التصوري والفكري لديهم.
لذلك فإنّ الاستعارة التصوّرية -لدى مُنظّري العرفانية- تُبنيَنُ في الذهن بصورة آلية ولا واعية، إذ إن ثمة ميتافيزيقا متحكّمة في تلك التشابهات القائمة بين مجالي الاستعارة، ويؤكد «جرادي» Grady أنّ الاستعارات التصوّرية -من قبيل استعارة (الحياة رحلة)- هي نتيجة للتركيب بين روابط مفاهيمية عديدة أساسية مرتكزة على التشابهات، حيث تتضافر استعارات أولية primay metaphors لتشكل روابط نسقية بين خبراتنا المحسوسة والمادية من جهة (مثل الوصول إلى محطة)، وخبراتنا الذاتية والمعنوية (مثل تحقيق هدف) (إيلينا،32) وهذا يعني أن التطابقات الآلية قائمة على استعارات أولية تبنين التصورات في الذهن بصورة آلية ولا واعية.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي