loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

التخييل القصصي ومتلازمة الحرب والحياة في رواية "سيدات زحل"

breakLine

 إبراهيم رسول/ كاتب عراقي 
 
الحربُ, هذه الثيمة التي أخذت حيِّزاً كبيراً من فكر الإنسان, الحربان العالميتان وما خلّفتاه من ويلات وكوارث على الشعوب, قد ألهمت العديد من كتاب الرواية أن يتخذوا من فكرة الحرب فكرة رواية ويصوغوا أحداثاً تستعر في مخيلة الكاتب سواء ما كان حقيقياً أو عبر الخيال القصصي,  أما الكاتب العربي فقد ألهمته ثيمة الحرب كونها مادة واسعة وفكرة لن تنتهي الكتابة فيها تبعاً لتنوع الحروب وتبعاً لكمية المأساة وربما تبعاً لتغير القصص المروعة التي تنتج عن الحرب, وناهيك إن كان البلد عبارة عن ساحة حرب استمرت حقب طويلة في التاريخ القديم والحديث وحتى المعاصر, إنه العراقُ ! البلد الحرب, متلازمتان متعايشتان معاً, كأن وجودهما لن يتم إلا معاً. وكما يقول ريفاتير: النص ولا شيء غير النص, سنتعامل مع الرواية على أنها نصٌ قد اكتملت تقنياته الابداعية وأصبحت الرواية تحفة فنية. تشكل الرواية ( سيدات زحل) للكاتبة لطفية الدليمي ملحمة اجتماعية تعنى بالناس في محيط اجتماعي وكيفية أثر هذه الحرب على المحيط الذي يضم شتات مختلفة من أناس يعيشون في بقعة واحدةٍ تحدها خريطة جغرافية تسمى هذه الخريطة ( العراق), تستعرض الكاتب الاجتياح الامريكي للعراق عبر تقنية سردية غربية, فهي لديها مرجعيات واسعة في الفكر الغربي, الذي ساهم في بنية النص الروائي لديها, هي لا تتشدق بتراكيب اللغة, 

 

ولا تلجأ إلى شاعرية شعرية في سرديتها, بل إنها توظف السرد سرداً عبر أسلوب فني, تاركة شاعرية القص إلى الأحداث التي تخيلتها وبثتها على شكل قصصٍ من قصص عراق ما بعد الاحتلال ( 2003), الصورُ المبثوثة تعطي انطباعاً يمثل شخصية الكاتبة وفق آلية متعددة, فالتقنيات لديها كثيرة, فتارةً تتلبس شخصيتها شخصية من الرواية وتارةً تلجأ إلى أن تخاطب المتلقي عبر إيحاءات جوانيّة تطلقها كثيراً, السرد كان يمشي على خط أفقي وفي بعض الفترات تعطي تطوراً سردياً لتقترب من الحبكة لتترك النص يطور نفسه بنفسه, هذه الحرب الابدية المغضوب عليها كانت قد خلّفت الكثير من الدمار, منه المادي ومنه النفسي, الكاتبة أشارت عبر رمزية عالية الدقة إلى ظهور جماعات متطرفة دينية في بغداد العاصمة, هنا يتوقف المتلقي ( العارف للتركيبة المدنية لمدينة بغداد ويستاءل) كيف تكون جماعات جهادية في مدينة مدنية قريبة للعلمانية أو المدنية الغير متطرفة؟ بمعنى كيف خلق النظام الديكتاتوري وراءه جيوشاً من المتطرفين الذين سيأخذون حصةً في بناء الدولة الجديدة ويتحولون من مجرد فقاعات أنتجتها طبيعة الظرف الاستثنائي إلى قادة يدخلون في السلطة, وبالفعل هذا ما حصل, هؤلاء الجماعات يحاولون أن يطبقوا التطرف الديني على بغداد انتقاماً منهم لها, فمثلاً التهديد الذي حصل لصاحبة الشعر الأشقر ( راوية),الموظفة التي تذهب إلى العمل بسيارة أجرة برفقة ثلاثة من زملائها, يأتيها تهديد بقطع الرأس!).


وقد عرف صاحب كتاب التخييل القصصي بأنه: السرد المترابط للأحداث التخيلية(شلوميت ريمون كنعان دار الثقافة ط1, 1993) , فهذه الرواية اعتمدت سرديةً واضحةً منذ بداية البداية لتكون اسلوباً عاماً حتى نهاية الرواية, وإذا أمعنا النظر لألفينا النص كان يعتمد التخييل كأسلوباً مهيمناً على كل الرواية, على الرغم من أن الثيمة واقعية والشخصيات لها شواهد حية ماثلة للعراقي البغدادي بالتحديد الذي عاصر وشاهد الاحتلال وما حصل أثناء وجوده وبعد وجوده, فهنا يدخل عنصر الابداع الذي تجلّى في السرد, إذ من هذه الاحداث صنعت لنا الكتابة رواية مكتملة العناصر فنياً, وأضافت كميةً من التخييل الذي جعل الرواية عملاً إبداعياً في ذائقة المتلقي. الطائفية المقيتة التي حدثت بعد الاحتلال وبروز هؤلاء المتطرفين الارهابيين الذين لا يقلون خطراً عن الاحتلال كيف أسسوا لطائفية مرعبة وهي طائفية الأسماء, فصار الذبح يتم على الاسم أكان من هذا الطائفة أم من تلك الطائفة, تقول الكاتبة: ( إعدام الصوت أفظع من إعدام الجسد ص 59). هنا إشارة إلى كبت الحريات وقطع ألسن أي متكلم يتكلم بنقد السلوكيات الارهابية التي يمارسها الارهابيون الجدد, تحاول الكاتبة بروحها الباردة المتمثلة بأمثلة كثيرة نذكر منها مثالاً واحداً ( وذلك عندما قالت راوية ص 63: ترون يا بنات في لحظة ما يصبح الإنسان القاتل ضعيفاً يشتهي مثلنا رائحة كعك البيت وحضن الأم والأكثر من ذلك عناق الحبيبة, الإنسان هشٌ ومسكينٌ حين يكون قاتلاً أو مقتولاً, هي أرمي له كعكة...) هنا تظهر القيمة الإنسانية والمتناقضة لسلوك الإنسانية, هنا تظهر العطف على محتلٍ قاتلٍ, جاء من بعد الالاف الكيلومترات ليقتل! لكنها الإنسانية حاضرة في كلِّ وقت وفي كلِّ مكان, لا بدَّ أن تتجلّى صورتها في شخصٍ ما, وقد تجلّت هنا في فعل البنت        ( راوية). السلوكُ الذي اتخذته الكاتبة كانت يريد أن يوظف التخييل على حساب الواقع حتى لا تغدو الرواية مجرد نقل صورة فوتوغرافية, بل هي كانت تمارس الخلق بهذا النقل, فهنا تكون الروائية لطفية الدليمي مارست الخلق والابداع يكمن في هذا الخلق الجديد الذي وظفته عبر اعتمادها التخييل ميزةً أسلوبيةً لروايتها, نجحت الكاتبة في انتهاج آليات سردية متعددة, فمثلاً الجماعات الدينية وقضية التطرف والطائفية كانت كلها مستوحاة من واقع ملموس لكن الصورة التي قُرأت في الرواية كانت متخيلة, حتى أن الشخصيات كانت خيالية في ذهن المتلقي على العكس من واقعيتها في ذهن الكاتبة, فمسألة الحرب كمتلازمة صُبت على العراقيين أو فُرضت على العراقيين ولا محيص عن قبولها والتأقلم معها كعادةٍ متعايشة, وبالفعل استمرت العمليات الاجرامية ترمي بثقلها بكثافة على الشعب وما زال الشعب يتطلع نحو حياة جديدة فنراه يقوم بتنظف منطقة الانفجار ونقل الجثث إلى المقبرة ونقل الجرحى إلى المشافي, إذ سرعان ما يعود الأفراد إلى حياتهم كأن شيء لم يحصل! هذا بفعل العادة التي فرضتها الظروف القاهرة التي صاحبت الاحتلال, والنقلة التي حصلت بين نظامين جديدين يختلفان عن بعضهما في بعض الصفات والسلوكيات, على الرغم من أن السلطة عندما يملكها جاهل فتكون متشابه في الخطر في كل المجتمعات, ومن حكم العراق قبل الاحتلال كان جاهلاً, والذين تسلموا السلطة كانوا طائفيين انتقاميين في سلطتهم فتشابه السلوك بينهما!


ظاهرةُ أخرى حضرت بكثافةٍ تدعو إلى التأمل, هو حضور الثقافات الغربية والنهل من الحضارات الشرقية, فامتزجت الثقافتين معاً وشكلاّ بؤرةً جديدةً, ففي ختام الرواية نلمس حضور التخييل واضحاً بكم المرجعيات الغربية التي تنهل منها الكاتبة, وبعد ان عرفنا أن مصطلح التخييل كان مصطلحاً غربياً, فطغى وهيمنَ على سرديات الكاتبة, هذه الثقافات التي حضرت كفكرةً أو حكمةً عبر شخصيات الرواية أو عبر خطاب الرواية كانت تُشير إلى متوالية في أرض العراق. إن الحرب كمتوالية سردية وكمتوالية حياتية ماثلة في الفرد العراقي قديمة قُدم العراقي نفسه, هنا نجحت الكاتبة في نقلها عبر تقنيات حديثة أغلبها تقنيات غربية ( بحكم أن الرواية منتج غربي بامتياز), التنظيرُ لسلوكٍ شخصي كان يتم عبر الشخصية ذاتها. حياة الشخصية الأكثر حضوراً وتكثيفاً والتي بُنيت عليها الرواية وقامت الاحداث  عبر تفاعلات مستمرة لتطور الرواية نفسها عبر المتواليات المأساوية التي تعرضت لها حياة, قد يتساءل القارئ عن ميزة الاسلوب التخييلي فنقول: أنه يمنحُ النص ديمومة أكثر وحياة طويلة بصحة جيدة, إذ ينفتحُ النص على تأويلاتٍ عدة عبر تمكن الكاتبة واستعاراتها التي تبث فيه الحيوية والبقاء, وما ميزَ أسلوب رواية (سيدات زحل) إنها بُنيتَ على تخييل وهذا التخييل, أستمدَ مصدره من الحدث الذي مرت به شخصية المُنتِج ( المؤلف), ولو تأملنا العتبات النصية الأولى لأدركنا بجلاء المنهج الأسلوبي الذي قامت عليها السردية الحديثة في الرواية.

 


 
 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي