loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الفراشة والاحتراق: المُتَخَيل تقنياً وسردياً وتاريخياً في رواية فراشات العطار لحسين محمد شريف

breakLine

 

اسماعيل ابراهيم عبد - ناقد عراقي

حين تكون تقنيات الكتابة استعمالاً لغوياً فستتجزأ الى صياغة , ودلالة , وأسلوب ..          

وعندما يتفرغ الأسلوب الى أدوات من (كلمات وأفكار وعلامات نحوية) , والصياغة الى (آليات ووسائل سردية) , والدلالات الى (إجراءات لفعل التطبيق) , سيكون المدوّن السردي مؤهلاً لفعل ثقافي يصل درجة تبادل ثقافي معرفي , له تخصص لأُسلوب (ما) من الصوغ الفني, إذ ان تقنيات الكتابة الأدبية كصياغة ودلالة وأُسلوب هي عمل فني يتجه الى الاشتغال المُجَلل بالأغراض والأهداف المُعنى بها في السرد , و(هنا) لا يهم القدر المعياري للكم أو النوع بقدر النمط الثقافي الذي اعتمدته الرواية كونها تؤسس بدائية مشاعة للفكر التنويري ضمن حدود بداية حضارة بلاد (الرافدين) المُسْتَبْصَرَة .ان الروائي (حسين محمد شريف) لم يذكر مباشرة بروايته ـ فراشات العطار ـ أي شيء يتعلق بالفكر وبالحياة لبلاد الرافدين , إنما وضع لها موازياً حضارياً شفيفاً أطلق علية حضارة (الطائر السعيد) بمقابل حضارات أخر مثل حضارة المسمار ـ بمرحلتين ـ وحضارة العنصر الأصفر . أي حضارة اللونين الأسود والأبيض , ووضع لها متصلاً متواصلاً , خمس محطات مستحدثة متناغمة تحيط بها من السلطة الفكرية هي :

كتاب الوجوه , وكتاب الأقنعة , وكراسة الفراشة تحترق , والدعاء , والمقولات الملحقة أما حَمَلَة قيم تلك الكُتب (الوثائق) , فهم العطار الأول مؤسس حضارة المسمار الأولى , ثم خيرو مؤسس مدينة باب السور, ثم العليم مجترح سلطة الحكمة , ثم المعلم واضع أهم وثيقة تنويرية سماها الفراشة تحترق , ثم الحفيد الأخير للعطار حامل رسائل الوعي والتنوير والتمرد على واحدية السلطة .     

                                
ان رواية فراشات العطار تنوء بمطلق فكري لمتجه (ما بعد الحداثة) , كونها منشغلة بأُفق وإطار العناصر المخلوقة من : تاريخ ومثيولوجيا ومجتمع ومادة كتابية لا مرجع لها , كونها خليطة من عشرات المصادر الفكرية والنظرية والتاريخية المذاب بعضها ببعض حد الانصهار, ليصير مصدراً لنفسه دونما تنافر . وثمة أمر آخر هو ان الرواية (مقامة سردية) تعتمد مدونة لحكيم أزلي لا يقين لوجوده الحقيقي , له خصلة كتابة تاريخ (المختلف) بعدة ألوان لا يمثل مهيمناً فكرياً أو عملياً عليها. كذلك يمكن الاشارة الى ان الرواية لا تحتفي بمنهج (ما) لاستحصال نتائج يقينية بعينها . اني أجدها رواية تفكك كل جدوى خالية من التغير والتنوع والاختلاف , بل ان بعض أصداء وأفكار (ديريدا) تحمل الرواية للميل جهة (ما بعد الحداثة) كمتجه فني مستدام . اننا بتبصرنا في آليات تنفيذ الرواية سنجدها (فراشات) ترسل لنا احتراقها لأجل سلام وتنوع متعايشين دائمين!. 
بعد هذه التوطئة يمكننا ان نتداخل مع أغراض المؤلف على النحو الآتي :
أولاً : قصة حضارة 
ليس من المعهود ولا من المتوقع ان نحظى بقصة (حضارة) مادتها اللون , ووجهها الفكر , وقيمتها التنوير , وشخوصها أنبياء لم يرسلهم الرب . بمعنى اننا بإزاء فعل فني يريد أن يبشر بقيم دارت ثلاث مرات لتصل إلينا رابعة على هيئة جمال روائي فلسفي اجتماعي مشوق .وما اللونين الأسود والأبيض المفروضين على شعب (مدينة باب السور) إلّا ليعم ظلام عصور الهولاكيين والايلخانيين القدامى والجدد , وما بينهما من سلطة للجلائريين والخروف الأسود والأبيض , حكام التخلف والنظر القاصر المعتم بلا تبصر علمي أو تنويري .

 
ان قصة حضارة النشاط الإنساني لرواية (فراشات العطار) للكاتب حسين محمد شريف تتدرج بمنطقها ـ كما نرى ـ على وفق القيم الآتية :   


أ ـ قيم الدورة الأولى


في الدورة الأُولى للقيم سنجد انتقالاً صريحاً للحضارة من الماء والطين الى الكتابة مع بقاء المعرفة عنصراً هاماً للوجود . تلك لها مقارب روائي, يمكننا التثبت منه بالشاهد النصي الآتي :[لم أكن أتوقع بأن حادثاً صغيراً لا يستحق الاشارة إليه حتى سيكون قادراً على تغيير حياتي لاسيما في ظل ثبات واستقرار الحياة بأكملها ضمن تلك الصورة النمطية , كما صار معي في ذلك الصباح أثناء محاولتي بَرِي قلمي الرصاص بشفرة قديمة حين جرحتُ سبابة كفي اليسرى لأتفاجأ بلون دمي كان مغايراً لما هو سائد عندنا](). 


ان المقطع هذا يقيم مسنداً لفجر الحضارة الأساس , وهو القلم في نية التحول الى المعرفة التي هي قيمة فاضلة للإنسانية , فالكتابة بالريشة أو القلم أو الطابعة هي تدوين يخلد العمل. وفي المقطع دهشة وتعجب واستغراب , وظيفته أن يهز الساكن الحضاري , الذي هو الآخر ساكن غريب . أي تنميط اللون , فيما من باب آخر تتغير الحياة عبر لون الدم , وهو لون يثير الحس بالمعرفة المتدفقة عبره , ليحتفي بالمختلف الجديد غير المسبوق غير اليقيني .                          هذه القيمة تتبناها الرواية كأساس لرصانة جميع السلالات التي بنت حضارة الوجود المتوسط بين الماء والطين . ستنتقل الى قيمة أكثر غوراً في التقدم الإنساني . سنجده في قيم الدورة الحضارية الثانية. 


ب ـ قيم الدورة الثانية


في هذه الدورة الحضارية يتطور الدم والكتابة الى مدونة حكيمة ترحل بالوعي الفردي نحو كون جديد يخرج على طواعية السكون الاجتماعي والسياسي : 
[توصلت الى الاختلاف عن الناس أثناء بحثي عن نفسي . وكان صاحب الفضل الأكبر في ذلك معلمي الذي وجهني الى الحقيقة المغيب عنها , فضلاً عن تزويدي بمصدر مهم يؤرخ بدقة للخراب الذي حصل عندنا , وهذا المصدر يُعَدُّ وثيقةً مهمةً رغم صغر حجمه إذ بالكاد هو كراسة كتبها معلمي لنفسه فقط]().                                           
هذا التطور يرصن مبدأً مهماً هو (حتمية الاختلاف) , وهذا الاختلاف يرتبط بحكمة التاريخ الإنساني , وهي حكمة يتم ترحيلها لتكون وثيقة شاهدة خالدة , يظفر بها صانعها وآخذها وحاملها , البطل المتمرد على سلطة (القوة) أُحادية التفكير . 


ج ـ قيم الدورة الثالثة


في هذه الدورة من التغير الحضاري تصير القصة أكثر جدية وأكثر خطورة وعمق , بل ستتصير قيمة إنسانية لا بديل عنها : 
[مرَّ اليوم ببطء مضاعف ووجدتُ نفسي جالساً مع ثلاثة أصحاب 

 

... 
كانوا ثلاثة أفراد متشابهين في الأفكار ومختلفين في الأعمار , جمعتهم وحدة الموقف من الوجود في لحظة لن تتكرر مع أحدٍ غيرهم , فكان الأول منهم شيخاً في بداية العقد السادس من العمر فيما كان الثاني قريباً من سني . أي في منتصف العقد الرابع فيما كان ثالثهم والأخير أصغر سنّاً حيث مازال في الثامنة عشر . هؤلاء الثلاثة كانوا يعيشون كل منهم في إحدى جهات مدينة باب السور , فالشيخ من شمالها والذي بمثل سني من غربها والشاب من جنوبها , اما أنا فقد كنتُ من شرقها] ـ فراشات العطار, ص96 , ص97. 


من وجهة نظرنا ان هذا المقطع يؤشر الآتي :


1ـ ان زمن التخلف بطيء ورتيب يشبه زمن سلطة الحكام البدو .


2ـ ان المعرفة تستكمل شرط تنويرها بالتوزع بين أصحاب الرسالات , ممن لهم قدرة على النظر العميق بوحدة الوجود والكون.


3ـ ان رسالة المعرفة ترتبط بقيمة الوعي الذي تولده في الأفراد , حاملي نور الحلم الإنساني بالسعادة والرفاه والتنوع الحر.


4ـ ان الحلم لن يكون مشروعاً إن لم يكن شاملاً للجهات الأربعة لأي مكان وزمان واستيطان , كما هو حال مدينة (باب السور) .


5ـ ان الرسالة لا يمكن تبليغها دونما اجتماع حكمة الشيوخ مع النضج العمري المشترك بوجود حيوية الشباب. فالشيخ هو الحكمة والراوي وقرينه هما النضج العمري والفكري ربما . اما الحيوية فهي تخص الشاب الأصغر ذا السن الثامنة عشر . 


6ـ ان التوسع والخروج عن مركزية البطولة يوجهنا للعناية بقيم (ما بعد حداثة) منتظرة في قيمة الحضارة متجددة الفكر.


د ـ قيم الدورة الرابعة


هذه القيمة دورة جديدة أخيرة للقصة الأثيرة , قصة حضارة التمرد الشامل على سلطة الحكام البدو الرعاة. لننظر :


[مشيتُ نحو القلعة بخطى عملاقة بحيث وصلتها بخطوات قليلة ووجدتُ جدارها الشمالي منهاراً تماماً وعملتُ بما أوصاني جدي العطار فوجهتُ المكعب نحو الشمس التي كانت تختفي وراء غبار غليظ من الدخان الذي أحدثته النيران عندما أشعلتها الأعين السرية لليل بناء على طلب السلطات للتعتيم على ما يجري وفي غمرة هذا الخراب وجهت أشعة الشمس نحو الشجرة التي انبثقت عن آلاف الفراشات التي بدورها ألقت بألوانها على كل شيء في مدينة باب السور ورأيت الحاكم بأمر اللون متستراً بقماش أسود وقد استحال الى كوم حجر أسود كل شيء صار ملوناً الأرض والسماء والوجود والأشجار والناس والبيوت كل شيء كل شيء لم أكن أتوقع بأن حادثاً صغيراً لا يستحق الاشارة إليه حتى سيكون قادراً على تغيير مصير كل شيء عندنا لاسيما في ظل ثبات واستقرار الحياة بأكملها ضمن تلك الصورة النمطية , كما صار معي في ذلك اليوم أثناء محاولتي بَرِي قلمي الرصاص بشفرة قديمة حين جرحتُ سبابة كفي اليسرى لأتفاجأ بلون دمي المغاير] ـ فراشات العطار , ص139 , ص140


ان القصة هذه تدوير مناور لقيمة الدورة الأُولى لكن بنتائج حاسمة , هي الأُخرى تديم منحى الاتجاه نحو الفضاء الفني الفكري  الأكثر تحرراً وتنوعاً وفضيلة , إذ المقطع يشير الى :

 

1 ـ ان البطل الفني كان يمشي بسرعة كبيرة ليُبَلّغ عن نتائج ما صنعه الوعي بمظهره الأخير . أي انه ليس بطلاً وليس فرداً , إنما هو بشارة التحول الحضاري من القلة المتحكمة الى الكثرة العادلة المبتهجة.


2 ـ ان المختلف الحيوي انتصر ـ أخيراً ـ على المؤتلف الكسيح عبر السعي المتلاحق الجدي الحثيث المنظم لسير الرسالات المعرفية المتحررة.  

 
3 ـ ان الحرية والتنوع العرقي والفكري هما فرحة الوجود للناس والموجودات المحيطة بهم .            

 

 4 ـ ان الدم المضحي هو المختلف الحيوي الذي يدين النمط ويصنع الجمال والتحضر .

 

5 ـ ان القلم ـ الفكر والذكاء والتدوين ـ هو الحضارة الخالدة متجددة الحدث والتحديث.                     

 

 ثانياً : فراشات المعلم


ليس للمعلم فراشات , غير كراسة مقسمة على نحو مضلل , بما يشبه التسجيل للمرئي والمبهم من تاريخ الحكام والحكماء , وحقيقة الفعل الذي يؤلب عليه هو تقليب المراحل في تغيرها وتبادلها لـ (نور الشهوة ونور التوق للمطلق الفكري الوجداني , ونور الرؤى الطائرة بين الفراشات تلم الألوان الى زهو جمالها وعمق أثرها). فراشات التنوع عند المعلم ثلاثة أنوار ,  ليس لها مرجع غير الروائي , انها : 


أ ـ فراشات ما قبل الاحتراق 


انها فراشات شهوة الانعتاق من الرق ومن التخلي عن الانتماء والنمو , انها شهوة لم تحظ بعد بفراشة النور متعددة الألوان , انها فراشة تحط على جغرافية الروح المتأصلة . لننظر :                  

 

[سرت قرابة ساعة تقريباً حتى توقفتُ لألتقط نفساً عميقاً قال لي ـ صاحبي ـ : كان جديراً بك الاستمرار بالمسير , قلتُ له مازحاَ : إنها الشيخوخة , وبعد وقت ليس بالطويل نهضت أواصل المسير وصلت الى جذع شجرة غربة الروح التي لطالما كانت تثير عندي احساس بالفجيعة استناداً لقصتها الحزينة وهي شجرة معمرة مقطوعة الرأس كانت أشبه بشاخص من آثار الحضارات القديمة فقررتُ الجلوس مستنداً على الجذع بظهري الذي بدأ يتقوس أكثر من شدة الجوع والخوف تساءلت في سري ككل مرة أرى فيها هذا الجذع إن كان لشجرة تين ليجيب             

 

 اللا مرئي : انه جذع شجرة خيرو] ـ فراشات العطار, ص109

  
هذه الفراشات باحتراقها تحمي شهود إثبات حقيقة (الانعتاق والانتماء) , عبر تأصيل مرحلة الشهوة القادحة , والتحول المَجيد للروح من غربتها نحو أُسها , ومن سكونها نحو سيرها ومن تيهها نحو وعيها . المقطع أعلاه يحقق الآتي :


1 ـ شخوص الإثبات هم : 


ـ حفيد حضارة النور ـ وهو حفيد المعلم الأول , وهو ارسطو والفارابي وهو النفري , وهو ماركس ربما. 


ـ الشخص الثاني , هو صاحب الحفيد , خليل الحكماء , نديم المفكرين .


ـ اللا مرئي , هو الممثل للنبوءات والوعي غير المحدد , وهو الروح الرفيقة بالسمو والتجلي.

 

2 ـ للشهوة محطات منها , رغبة التوقف لالتقاط الأنفاس , ومنها حاجة تبادل الحديث , ومنها القدرة على التوحد مع الأصل , ومنها فطرة الخوف وغريزة الجوع.


3 ـ الشهوة توطين للحِس بالفجيعة كونها الباعث على السير نحو جذر حضارات النور القديمة . 

 

4 ـ الاتكاء على شجرة (غربة الروح) مؤول للاستناد على جذع شجرة التين كونها ملاذ المتنورين وخيار المؤسسين .


5 ـ الشهوة استبصار لقيمة اللا مرئي ونبوءاته المستشرفة للغد المثالي. 


ب ـ فراشات الاحتراق 


انها فراشات تُنَمِّي القيمة الفاصلة بين الضياع والمطلق عبر مطلقين فلسفيين فنيين , يمثل أحدهما منطق ابن رشد والثاني منطق سارتر . وهما معاً يعبران بالرؤى الى تحجيم الخيال كونه الطبيعة التي تميل ان تظهر ذاته المفجوعة بالاحتراق :


ـ معونة منطق ابن رشد : عندما يذهب التأويل جهة القياس والبرهان فسنتذكر ابن رشد وعلاقة أفكاره وحياته بالتدين , خاصة تلك الأكثر تنوراً من علماء عصره , وجرأتها في تدجين المعتقد للفرض والقياس والبرهان , دون ان يضحي بالعرفان الفاعل العامل اجتماعياً وسياسياً , وها هو سليل الانبياء , حفيد الحكماء , الراوي البطل المتنور يخبرنا كيف يعيش التفكير بوئام بين البرهان والعرفان على وفق فرض وقياس منطقي لا يغادر التدين الذي نراه إيماناً بالحق والتنوع بالرأي , مثلما في : 


[كانت أمي متدينة أكثر من أبي فقد كان أبي يعتقد بأن الإيمان برهان فيما ترى أُمي ان الايمان عرفان] ـ فراشات العطار , ص36 


ـ معونة منطق سارتر: إذ ان سارتر أوقف جُلّ أفكاره على الكينونة والوجود , فيعتقد ان الإنسان يمكنه أن يكون حراً أن أراد , وفي المقطع القادم تشكيل فكري فني يؤشر حال الانحياز الى تحرر الإرادة  , لكن ذلك لن يحدث دون ألم الوخز الفكري المُحَفِّز على التعلم بالتجربة شديدة الخطورة , دقيقة الأسئلة . لنقرأ :
[وبما أنني من أنصار كتاب الوجوه لذا أميل الى اطروحاته عابراً على وجع الحقيقة حين تنغرز في الذات مثل إبرة توخز الجسد . لقد تعلمتُ من الخباز أن أبقى حراً لأنتصر وتعلمتُ من معلمي أن أسأل دائماً لأصل الى حقيقة الأشياء] ـ فراشات العطار , ص39 


ـ معونةُ ضدّ كارثة العزل والتحجيم : من المؤسف ان أمر احتراق الفراشات سيؤول الى كارثة تتضمن مضمر الموت , بمصادرة الإرادة وقمع السؤال وفرض الانتماء الى الأُفق الواحد عديم التنوع , ضعيف المنطق , محجوب الرؤية , إذ لا يسمح منطق الحاكم إلّا بالصوت الواحد والإصغاء الواحد والنظر الواحد والقناعة الواحدة والتخيل المقيد بفكرة السلطة الواحدية ...أوجع ما في ذلك هو اقتصار الخيال على عالم وجودي واحد هو عالم الأب الأكبر . لننظر وقد نتأكد :
[ثمة خطورة لو علم بها الناس لماتوا كمداً ويجب الآن عليكم معرفتها إذ بالإضافة الى تحديد البصر والسمع ذهب الاب الأكبر الى تحجيم الخيال عندنا وفرض قناعة ... اننا فقط الموجودون في هذا العالم وهذا خلاف لكل النواميس فثمة الكثير من العوالم الأُخرى وراء هذه المدينة المحاطة بالنهر من كل جانب] ـ فراشات العطار , ص98 

  
ج ـ فراشات ما بعد الاحتراق


هذه الفراشات تنمو لتشكل عنقاء الضياء , فمن أعمق نقطة حريق , وأحلك ظلمة وجود , تنتفض فضيلة المعرفة مولية ظهرها لمعوقات النهوض , مخترقة قوانين الواحدية , ملونة الوجود بوله الجمال فائق التلون , حاذق التخيل , لكي يترسخ سلام الأنفس والأبدان . 

 

لنمضي قُدماً الى الاجراء الآتي :


[أكلتُ من تمر الخباز...لأُنتصر على جوعي...قررتُ البقاء في مكاني ومواجهة أي احتمالات ممكنة الحدوث...خاطبني أبي قائلاً : اقتربْ ولدي...حاول الجلوس مع مراعاة ان تخلع نعليكَ فأنت في مكان فيه من الطُهر ما لا يعرفه الناس هنا ... لقد اختاركَ العطار قبل وجودكَ بهذا العالم وتم إلقاء الحجج عليكَ وما ستصير إليه من أمور فوافقتَ على كل شيء وتم أيضاً ترتيب الوقائع نصفها فيما يبقى نصفها الآخر مرهون نجاحها بكَ أنتَ فقط والآن يتضح انكَ في منتصف الطريق الى انهاء الألم والانتصار للألوان بعد أن نفاها الأب الأكبر خارج الحياة ... سأعطيكَ هذه البذرة وعندكَ أُخرى مثلها ستقوم بدمج البذرتين معاً وتسقيهما من دمك ثم تقوم بزرعهما](). 

 


ان هذه الفراشات بذرتان للذكر واحدة وللأُنثى واحدة , طاقتهما خبز الفقراء والحكمة , ونسبهما الأصل الطاهر المتطهر , وأُسلوبهما الاقتناع بنبوءة بالتفوق والتقدم الحثيث نحو خلق القوة والمستقبل معاً بتجاوز كل ما وضعه الأب الأكبر من قيود على الأنفس والرؤى والاخصاب والأرواح في توقها الى مطلق الجمال في حرية الزرع والانجاب والانتماء للدم الطاهر المزكّى بالتضحية والشجاعة.
ثالثاً : جغرافيا لباب السور


في محاولة الروائي حسين محمد شريف وبطلب من الكاتب اسماعيل ابراهيم عبد تم وضع خريطة دلالية تسهم في تحقيق نوع من التجسيد المتخيل لأرض (مدينة باب السور) , التي هي جغرافية مكان رواية (فراشات العطار) للروائي , ومن بين أهم أغراض الخريطة الجغرافية هما انها تُسهم في رسم ديموغرافية سكان مدينة باب السور . هذه الخارطة تتبنى صورة إنشائية لأماكن المباني والقلعة ونهر الدموع والنهر الذي حفره الأب الأكبر.. لي رغبة ان أضع مفتاحاً لهذه الخارطة على النحو الآتي :


ـ اللطخات خارج اطار السور المربع من جهة الشرق لها لون أخضر , كونها أحياء سكنية مخضرة بأنفس سكانها.


ـ لطختان خارج السور الشمالي باللون الأخضر هما مصدران مائيان يخصان نهر الدموع , لونهما يدل على المستقبل الأخضر المنتظر لأهل المدينة ومحيطها .

 
ـ في اقصى امتداد للاتجاه الشمالي الغربي توجد نجمة بلون أزرق في الداخل وبنفسجي للرؤوس يكونان بئراً احتياطياً في حال نفاد مياه النهر.


ـ لطخة خضراء في امتداد خارج السور المربع باتجاه جنوب غرب المدينة تمثل بحيرة تزود نهر الدموع بالمياه .


ـ مربع بُني اللون يمتد خارج السور الشرقي , بين الشرق والجنوب الشرقي , وهو معتم يدل على الغم والنكد والحزن يمثل مقبرة.


ـ خط منحن باللون الأسود يمثل نهر الدموع في تكوينه وانحرافه وتغير مجراه عبر تقدم الزمن. ـ خط منحن بدرجات منتظمة للّون الُبني يمثل النهر الذي حفره الأب الأكبر , وهو لا مصدر مياه له , ربما يعتمد على مياه جوفية تأتيه من الجوار الهضبي.


ـ للقلعة لون بني مُحْمَر مقارب للون الدم , وهي مركز الحكم وإدارة المدينة (الدولة) , لها دلالات الحجز والعزل والاضطهاد .


ـ السور المربع له ثلاثة ألوان , من الخارج خط أسود غامق , يليه الى الداخل خط أعرض بلون بُني خفيف , يليهما الى الداخل خط بُني مضخم , له ذات اللون الذي للمقبرة , والألوان الثلاثة للخطوط الثلاثة للسور الثلاثي , تدل على رغبة السلطة بالتحكم .


ـ السهم العريض بجوار السور الغربي له لون أخضر رمادي يشير باتجاه برج غير موجود كأنه اقتراح برج , يدل على المخاتلة واستغفال الناس , وربما هو المقر غير المنظور لعيون الليل (رجال الأمن) قوى السلطة السرية.

  
ـ الشرخ في السور الشمالي يمثل المكان المُعاب , الذي يمثل رخاوة وهشاشة سلطة الظلم والتخلف , وهو الثغرة التي تمكن اصحاب الرسالات للنفاذ منها نحو هدف تقويض النظام الحاكم وتهديم البُنى الحامية له.


هذه الخارطة تعيننا في فهم الآتي :


((ان المكونات الأرضية ستخلق بيئة علاقات (ديموغرافية) , لسكانها مهن تتعدد وتتطور بحسب عدة عوامل من بينها الماء والتربة والسلطة. وطبوغرافية السكان حتما ستمارس تأثيراً متبادلاً للعوامل الثلاثة أعلاه , وبحسب الرواية , ربما ستتقاطر الحضارات بتسلل متتال : حضارة المسمار , حضارة الطائر السعيد , حضارة المسمار الثانية , حضارة اللونين الأسود والأبيض الباهت للعنصر الأصفر , حضارة العطار الجديدة)) .


رابعاً : وظيفة العلم 


للعلوم وظائف الكشف والبيان والإظهار الشكلي المُعنى بإشاراته , وفي الرواية يتجه العلم لتأكيد خاصيته عبر :


أـ علم الظنيّة 


وهو في أصله علم (الخواص) الفارسي , الذي يهتم بالظنِّية والأحقيّة , ومخاطبة الإله , كما يرد ذلك في الويكيبيديا الالكترونية , وهو في الرواية يقترب من مخاطبة الكائن الأعلى كما لو انه علم العرفان , ولا يستحق هذه العلمية دون ان يكون مكتوباً . استثمر الروائي ذلك العلم بتعديل وظيفته فناً مجاوراً لوحدة الوجود باللا موجود . ولعلم الخواص بالرواية رسالة يتوجب تبليغها عبر أوراق مكتوبة من قبل العطار الأول , إذ ينقل عن موظف أرشيف الدولة :
[الأوراق تعويذة كتبها كاهن مجهول لحفظ هذه الأرض من الابتلاء...يقول الكاهن : ليتأكد كل من يُقْبل على اكتشاف الرسالة ولا يحاول العمل بموجبها ... من حلول اللعنة عليه وعلى آبائه وأبنائه في كل ساعة فمواقع النجوم واحدة من الأسرار المنتظمة بدقة ـ تشير الى                

ذلك ـ , والأهم من ذلك كله اننا أمام اختبار القدر واكتشافه كل مساء دونما نهاية مضمونة , أتحدث بصفتي كاهن المعبد الكبير في مدينتي مدينة (القمر الزهري) عن ماهية السر واصفاً إياه باللامحدود...صممتُ على دراسة النجوم من خلال الوثائق السرية للمعبد المحمية من الانتهاك بصورة دائمة لأنها تبقى سرية وهي من علوم الخواص لا الرعاع... أصنع هذه التعويذة لأجل حفظ الأرض من أي انتكاسات] ـ فراشات العطار , ص66 , ص67.  
من أجل معرفة سديدة للمقطع المذكور نود توضيح الآتي : 


1ـ ان الأوراق تحمل أسطر الكتابة  كشرط أول لعلم الخواص.
2ـ الأوراق منتج مُصَنَّع من قبل الكاهن المجهول . الكاهن يستجلب المجهول الى العلن .                  

3ـ العلن أسرار وأفكار لم يحن زمن تصديقها. بهذا يتحقق الشرط الثاني لعلم الخواص.                 

4ـ الأفكار ستكون ظنوناً علمية , وهي هنا تخص أسرار السماء , وبها يتم الكشف عن أحقية المخلوق بحماية الخالق , بحسب الرواية , وهذا هو الشرط الثالث لأخلاقية علم الخواص .
5ـ أخلاقية علم الخواص تحتم وجود فن متقدم ببلاغته ليخاطب (القدر) . أي الكائن الأعلى (الإله).
6ـ وضع الروائي ثلاث وظائف جديدة لعلم الخواص ليخرجه من وظيفته التقليدية , هي : (رسالة الأعمال لا الاهمال , ورسالة حفظ الأرض من النكسات , ورسالة عدم انتهاك الحقائق بالتسفيه).


* ونرى ان المقطع لم يتطرق الى الظنيّة إلّا من باب التأويل وهو باب له خمسة ألواح   من الـ (ظنون) : 
ـ الكاهن يحفظ للعلم أسراره , التي لا تفتح شفراتها إلا للعباقرة العلماء .
ـ الكاهن ليس مجهولاً تماماً , إنما هو مدون أوراق التاريخ السابق على وجود (مدينة باب السور) .
ـ المدينة التي كتب الكاهن لها وثيقة الأسرار هي ذاتها (مدينة باب السور) قبل استيطانها , وقد أعطى الكاهن سمة سحرية لها كونها انفصلت من المجموعة الشمسية . 


ـ ما تزال مدينة القمر الزهري , (مدينة باب السور الحالية) , تنجذب الى نور وأقدار مجموعة الكواكب الشمسية. 
ـ تتم اللغة ببلاغتها الظنَّ بمخاطبة الكائن الأعلى بان تحتم التبجيل والتعظيم له , وهي في النص تجعل المعنى يتجه الى الظن بأن الكائن الأعلى هو من أمر كاهن المدينة بتحرير وثيقة الاخلاق العلمية تلك وبغير اخلاق هذه الوثيقة سينقلب العمل الى لعنة كونية , وعبر هذا الأمر يتوحد الكون بظنيّة خاصة تحتم وحدة وظيفة الوجود. 


ب ـ علم الممسوخ البيئي


التشكيل المظهري لوجه الأرض يسمى بيئة الأرض , وحسب الخارطة المار توضيحها ,     ان مدينة باب السور مظهر سهلي متموج بدلالة انسياب النهرين , لكن الكاتب الروائي غيّر هذا المظهر وبنى بديلاً عنه تشكيلاً لعلم يعمد الى مسخ البيئة المظهرية لصالح بيئة نفسية داخلية , يكون التجسيد تمويها للمفكر به , وبهذه المرحلة يتسنى للفرد ان يمسخ وجود الأرض الى زمن نفسي متغير متشبث بمعينات فوقية . ان هذا التنظيم (المعرفي الفني)                ـ من باب المجاز ـ أسميناه علم الممسوخ البيئي , إذ هو معلومات يتم تزجيتها بالتخيل .. لنجرب اختبار فرضنا أعلاه  عبر الاجراء النصي المستل من صفحتي 94 , 95 لرواية فراشات العطار :


[الآن وقد دخل عليَّ أول مساء وأنا خارج عن بيتي وبعيد عن سريري يعتريني شعور بالخطر...ربما لأنني وحيد وفي مكان غير مألوف أو ربما خوفاً من السلطات التي قد تعلم باختفائي...اختفت الشمس وراء الأُفق تاركة خلفها سواد الليل , قالوا لنا بأن غياب الشمس عنّا لساعات هي رسالة عن انزعاجها منّا نحن البشر  فتذهب الى مكان آخر وحين لا تجد فيه أنفساً مثل أنفسنا فأنها تعود نادمة على ذهابها فتجيء بكل قوة... في الظهيرة ... وهذا ينطبق على القمر ... نحن البشر بدورنا يجب ان نتعلم من الأفلاك لنقف على الرحيل بوصفه خلاصاً جميلاً].    
المقطع أعلاه يضمر عنصرين , أحدهما يزيل الآخر , يعمدان لتحقيق الممسوخ البيئي على الوجه الآتي :

 

العنصر البيئي
العنصر البيئي الثاني
العنصر النفسي
الممسوخ البيئي
دخل أول مساء عليَّ
انا خارج عن بيتي
يعتريني شعور بالخطر
قيمة لزمن الآن
بعيد عن سريري
أنني وحيد
خوفاً من السلطات
قيمة للمكانية غير 
المألوفة
اختفت الشمس
وراء الأُفق
تعتم سواد الليل
قيمة كونية لوجوه 
الشمس
غياب الشمس لساعات
رسالة ازعاج منّا
تعود نادمة
قيمة اسطورية
فتجيء بكل قوة
وهكذا يجيء القمر
التعلم من الافلاك
قيمة اسطورية
نحن البشر
نقف على الرحيل
بوصفه خلاصا جميلاً
قيمة لمطلق الفضيلة

هذا الجدول قد يحتاج الى توضيح , لذا نثبت الآتي :
1ـ ان دخول المساء أزاح الراوي نحو الخروج , لذا فانهما مسخا بعضهما ليؤلفا بيئة نفسية تحتفي بمسخ آخر هو زمنية (الآن) , التي ليس لها ثبوت بيئي ملموس. وهي خلاصة الممسوخات الثلاثة.       
أي هي الوجه المُمَوَّه للعنصر البيئي الأول والثاني , فضلاً عن العنصر النفسي الفائض عنهما.            

2ـ ان المكان البعيد عن السرير مكان غير مألوف , وليس آمناً , لكل ذلك تمت إزاحته الى مكان اكثر وحشة وغربة هو مكان العزلة , ليجيء الفعل الثالث كفائض حتمي هو الخوف من السلطة, مما أوجب استحضار قيمة الممسوخ الأخيرة كمعلومة لبيئة مكانية موحشة.
3ـ واختفاء الشمس أزيح الى ما وراء الأُفق الكوني , ثم تتم ازاحتهما الى فائض سديمي هو    السواد , هذا السواد يَلُمُّ الخفاءَ والأُفقَ والليلَ الى منتج لقيمة عظمى , هي تغيرات الكون الشمسي.  4ـ في الحقل الرابع توجد طرافة , اذ العنصر الثاني يزيح الأول نحو قيمة الندم النفسية , ثم تتوج المسوخ الثلاثة بأُسطورة رواح ومجيء الشمس ككائن عاطفي نزقي.
5ـ ما ينطبق على الفقرة الرابعة ينطبق على الفقرة الخامسة هذه , بفارق ان تلك تخص الشمس , وهذه تخص القمر.       
6ـ الفقرة السادسة هذه بشرية كلياً , لها بيئة غير مادية تماماً , اذ (نحن) تمثل وجوداً متحركاً شاملاً ينزاح الى نقيضه , إذ يوجب (عليهم) السكون ترك الرحيل , وفي هذا تأويلات وحجاج عديدة , لكن ما يفيدنا هو  الحال النفسي الذي يحبب السكون كونه الخلاص النفسي والفكري والجمالي , وهذا يستدعي ما تعارف عليه الإنسان في توقه للفضيلة المطلقة (العمل والعلم والأخلاق) ,                      و

تلك خلاصة فلسفة العلوم جميعاً بضمنها علم الممسوخ البيئي لما بعد حداثة الفن! ـ على نرى !                 

 ج ـ علم اختزال النشأة  
هندسة السطوح وقدرات أعضاء الجسد الإنساني الحيوية لها أسبقية الكشف والتعرف على الموجودات , وإعطاء الأسماء للأشياء , ثم سيتطور ذلك الى توليف لغة اللسان , ليصير القول حجة العلوم والفلسفات والتدوين , لكن الروائي يجعل خليط العناصر المؤشرة هذه نتيجة لحكاية العلوم لا العلوم بذاتها , وهو ما يدعو للاعتقاد بأننا سنحصل على معرفة وسطى بين الملموس العلمي والمتخيل العرافاني.. لنتابع .  


[سأبدأ من السؤال الأول المتعلق بالمربع كونه أكثر الأشكال...متعة للناظر...عبر أبعاده المتساوية وغير القابلة للدحض...كل ما نسج من حول المربع باعتباره صوفية قائمة على التوازن أُكذوبة...المربع يعني الخضوع الى قوة الوهم من خلال ترميزه الى المطلق وهو ليس حيادياً بين الأشياء وانما يعبر عن نفسه...في...الفصول الأربعة والاتجاهات الأربعة والعناصر المكونة للحياة الـ ـ أربعة...والسؤال الثاني ـ عن ـ المستطيل ـ في كونه ـ            لا يعدو ان يكون سوى اتحاد خجول بين مربعين...وما يتعلق بالسؤال الثالث يخص المثلث حيث له القدرة على التمويه والتحول وهو بذلك يمنح لنفسه ثباتاً أعظم...يتجاوز المثلث شكله ليتخذ بُعْدَ القوة والشبق والانجاب...والسؤال الرابع يخص الدائرة كأكثر الأشكال براءة...انها المؤنث الوحيد بين الأشكال لذلك تكفلت بأن تكون شكلاً للأرض وإيذاناً بولادة الأُنثى...        

ما كنتُ أعنيه عبر الأسئلة...ان كل أسئلتنا تنشطر من أربعة أُصول...التأمل...تركيب السؤال...طرحه على الملأ...إيجاد حل له. السؤال الخامس هو العين...الحاسة الخادعة...    

لقد مارست العين دور الرقيب...ووُظِّفتْ للتجسس...السؤال السادس متعلق بالأُذن كمتممة لأعمال العين والامتداد للتلصص على اللغة...والسؤال السابع متعلق باللسان...فهو منتج للقول...هو ضليع بالغواية...السؤال الثامن متعلق بالأنف...هو يتعقب الخطر...سقط في تبعة الأقوى حين فرض عليه ألّا يميز رائحة الموت...السؤال التاسع متعلق باليد مكمن العنف واللؤم]().      
اننا بجمعنا أشكال هندسة السطوح , (المربع , المستطيل , المثلث , الدائرة) , الى فعل أعضاء الكائن العاقل , (العين والأُذُن واللسان والأنف واليد) , بأسئلة الانتظام الرمزي , يمكننا ان نحصل على علم اختزال نشأة المعرفة , التي هي نشأة الإنسان والحضارة العملية. وبموجب المقطع السابق سنعرف بان العلوم بنشأتها الأولى تقتصر على :


ـ رسم الخطوط قبل رسم الحروف , ورسم الأشكال بعد الخطوط , ووضع اللون ـ سواد الخط ـ قبل التجسيم.
ـ وان مختبر المعرفة يعتمد على الجوهر المشبع بالأشياء المضللة , التي طالما عدّها الإنسان كالعين والأُذُن واللسان والأنف واليد ـ لحد الآن ـ أعضاء لا تمثل الثبات المعرفي انما تيسره فقط.
ـ ان أعضاء الجسد كامل الخلق ستساعد على استنتاج قوانين الإقناع لا اثبات مادية الحقيقة. 
ـ عدَّ الراوي مرتبةَ الأسئلة بمرتبة المعرفة بوضعها في اختبار التجربة وتوحيد قوة السؤال عبر شروط التساؤل العلمي الخالدة , التي هي أُصول : تأمل السؤال في الذهن قبل طرحه , ثم تجلي طبيعة وتركيب السؤال , ثم طرحه على الملأ كإشكالية , ثم إيجاد الحل.
ـ من باطن المقطع يمكن الولوج الى مخاتلات اللسان , ومن بينها التهجيس السياسي , والإيحاء بوظائف المعارف والحواس وأعضاء الجسد بالفهم السلطوي , كونها تؤدي الى خدمة الحاكم فقط.
ـ ان المعنى واللسان هما تمويهان مثلهما مثل سطوح هندسة المساحات , التي في النتائج تجتذب الرقيب وتبعد الاختلاف , وتنصاع للمهيمن الواحدي.
ـ اما الترميز العرفاني والمثيولوجي للصوفية المخلقة فهي شيفرات مكشوفة تشي بالتوازي بين عصور السلطات القسرية , المتحكمة برقاب ومصائر ومستقبل الشعوب , قديماً وحديثاً.
ـ سنلاحظ بأن أسطرة المعرفة أدت دورَ (أدبية العرفان الهندسي) بوسيط اللغة المجازفة في مغامرة تغريب المألوف وتوطين الغريب , (المادي والذهني) في متن رؤيوي متعاضد خامساً : أسرار ما وراء السرد
السرد الروائي يحتمي ـ في أغلب كلامه ـ بأسرار تخص ما وراء الفعل النصي , منها ما يصير تابعاً للمعنى ومنها ما يصير لصيق البُنى القولية للنص الروائي , ومنها ما يصنع  أسرار ما بعد السرد في رواية (فراشات العطار) للكاتب حسين محمد شريف  :  
أ ـ توابع المعنى 
وهما سرّان فقط :
ـ سر عدم تسمية عنونة داخل الرواية والاكتفاء بالمساحة البيضاء , هذا السر يوحي ببوحين ـ على ما نرى ـ هما اعطاء فرصة للعين والعقل ليتأملا القول قبل التسرع في الفهم , والثاني الطمع في أن يشترك القارئ في وضع حلول مخالفة لحلول الكاتب وبهذا يشترك الكاتب والقارئ في متعة اجلاء ومعالجة اشكالية المعنى المعرفي وفرزه من غير المعرفي , (المحكي).
ـ استثمار التلون والحركة والرقة والسلام والتوحد مع الطبيعة , بتمثل الفراشة عنواناً شاعرياً في المظهر , لكنه عنوان دموي في مضمره البعيد , وكذا حال العطار الذي يجمع بين الحاجات المتنوعة الكثيرة والذي يوصل الأشياء والوعي للناس ويتحمل مسؤولية الاختلاف والتغيير والعدل والسلام , عبر رسائل التأهيل النبوي الجديد ـ بحسب منطق الرواية.
ب ـ لصائق بنى القول  
هما سران فقط :
ـ يلجا السارد على تمويه الأسماء وإظهار الصفات مثلما يفعل مع مراحل التطور الحضاري , ونخمن السر وراء السرد هذا , ان الكاتب يريد التحقق من عدة قضايا من بينها ألّا تحيل الأسماء الى مرادف لها من أسماء حقيقية . ومنها ان يكون الروي موجّه الى قُرّاء المستقبل كونهم يهتمون للفعل لا للاسم . وأظن أن الكاتبَ حسين محمد شريف يفكر بأن الفعل ـ لغوياً ـ أهم من الاسم , إذ يتحور الفعل الى صفة متحركة , تميل لتحريك الشغف القرائي بأسرع مما تفعله الأسماء.
ـ وضع التوازي الفكري بامتحان التناص أحادي الطرف , أي جعل الباطن التراثي والأًسطوري دون جذر واحد , خاصة تراث ابن رشد وفريد الدين العطار وابن حزم الاندلسي والتبريزي وابن الرومي , فقد جعل تلك المصادر رموزاً مدفونة بين عَرَضِ القول كأنها فوائض قولية , بينما واقعها الوظيفي هو انها تحرك مجمل الباطن المعاصر المقابل للمتقادم الاجتماعي والسياسي. وهو يقصد تماماً ـ تضييع مصدرها وبعثرة افكارها وقلقلة يقينها لتتماشى مع ما بعد حداثة قول الرواية الجديدة . 


ج ـ مصنوع ما وراء الروي


لمصنوع ما وراء الروي سران هما :
ـ وراء أسرار السرد في الرواية تتخفى قيمة الأبراج والأسوار والأبواب , ولكل منها تأويلات متعددة تصب ـ بحسب الرواية ـ الى العلو السلطوي , والعزل القسري , والطرد خارج المكان . وبالطبع ان كل ذلك سببه خلو المكان من أخلاقيات التعايش السلمي.               

ـ نعتقد أن أكثر أسرار ما بعد السرد جلاءً هو انتماء الرواية ـ بمجملها ـ لتفكير : انسجامها مع التطور العالمي لفلسفة وفنون ما بعد الحداثة.

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي