loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

بنات الإبداع الخالدات

breakLine
2022-12-01

 

صبحي شحاتة/ كاتب مصري


ما الفهم؟ إنه التعرّف. أما على شيء موجود أمامي، أو متخيلا في ذهني أو مستعادا في الذاكرة؛ يذهب العلم لفهم الموجود الظاهر من حيث مكوناته وكيفية عمله فسؤاله هو: كيف يعمل هذا ومما يتكون. وتذهب الفلسفة إلى أساس الظاهرة وماهيتها، وسؤالها هو: لماذا هذا، ولماذا هو موجود أصلا، وما هو الأساس الذي ينبني عليه، ومن دونه لا يكون له قياما أو قعودا أو حياة.. 
يتعلق العلم والفلسفة إذن بما هو موجود؛ يريد العلم الدليل المحسوس الظاهر المادي الممسوك، فذرة الماء ليست إلا تجمع لأليكترونات الأكسجين والهيدروجين بنسب محددة، والفلسفة تريد معرفة لماذا وجدت ذرة الماء أصلا، ماهو السبب وراء وجودها، ماهو أساسها المؤسس لها، إذ أن الأكسجين والهيدروجين ليسا هما الماء، فقطرة الماء شيء آخر غير مكوناتها، إنها أكبر من مكوناتها، وغير مكوناتها تماما، لذا ما يسمى الشيء الواحد هو كثرة في صورة الواحدة، بين هذه الكثرة علاقات لا اتصالية ولا انفصالية، وفراغات وأسباب ولا أسباب، فلا يوجد يقين في المادة كما أوضح بجلاء هيزنبرج العالم الألماني الشاب في عشرينات القرن الماضي، وهذا ما أشار إليه هيدجر فيلسوف ألمانيا الأشهر، في كتابه مبدأ السببية، حيث أبدى تخوفه من إنشاء القنبلة الذرية، الذي يتمثل في أن خطرها ليس خارجيا متعلقا بمشاعر وإرادة مستخدميها ونزوعاتهم المزاجية غيرالمعقولة، حيث يمكن لواحد منهم كبس زرار تشغيلها فتنفجر وتبيد ما تبيده من حياة. وإنما خطرها الأساسي الجوهري هو أنها بلا اساس أصلا، ومن ثم هي حرة تماما، بفضل مبدأ اللايقين ذاته فيها، والذي يعني عدم سيطرة صانع القنبلة عليها، فلا يستطيع بدقة تامة نهائية يقينية، معرفة متى تنفجر، مهما كانت الاستحكامات والتحسبات!!..  
أما الفن فهو إبداع، والإبداع هو الاتيان على غير مثال سابق، ومن ثم هو لا يعنيه الموجود فحسب، وإنما الوجود أيضا، من حيث هو آتٍ قادم يتخلّق ويكون.. فالفن هو اجتماع الماضي والحاضر والمستقبل معا، من حيث هم صيرورة تحولات لا نهائية، من الرود والابتداء الدائم، يقول محمود درويش: 
"كل النهايات بداية لسؤالي".. 
يجمع الفن إذن بين الفلسفة والعلم معا، ويتجازهما معا، فهو لا يسأل عن كيف هذا، ولا لماذا هذا، فحسب وإنما هو يريد.. فهو إرادة فوق العقل والتجربة معا. 
إرادة الصيرورة الخالقة التي تريد.. هذا.. تريد الاحضار.. احضار هذا.. فهو غير معني بالموجود في وجوده الداخلي أو الخارجي فحسب، وإنما بالايجاد والخلق وتأسيس ما يبقى أيضا. 
وليس مجرد التجديد، فهو لا يأتي بالعارض الفاني، وإنما بالضروري الدائم،  ذلك أن "لعب الفنان ضرورة للآخرين"، كما يقول نيتشة.
الفن إذن هو الأب الذي يجمع كل أبنائه في معطفة، فهو النظرة الكلية الشاملة لكل ما يوجد بنفسه وحريته التامة؛ ذلك أن التعرف في الفن، هو تعرف خالق وخلاق أي الإيجاد والخلق وتكثير العالم ورفده بالجديد والفارق والمميز، فهو تأسيس دائم للإنسان والمجتمع والكون معا في وقت واحد، دون أن يعني الشمول والكلية الفنية هذه، الهيمنة والاستبداد، وإنما العمق والامتلاء والغنى والجدة والرشاقة والسمو والقوة.. إلى آخر آلاهات الفن، بنات الإبداع والجمال الفاتنات الخالدات..

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي