تَداعيات واقعيّة في " نُتَف بالأحمرِ الواضح" للشاعر العراقي مصطفى الشَّيْخ

د.ياسر عمار مهدي/ ناقد و أكاديمي عراقي

إن الشاعر مصطفى الشيخ يبدأ بمفتاحهِ النصّي مِن حيث التعبير عمّا يكمن في ذاتهِ الخائضة في حبال الواقع المريب، ليبيّن لنا مدى استكناه الغموض الشعري لديه والنهوض بالفحوى الهاجسة والحالمة في تدفقها الرؤيوي المستلهم فنياً، وعندما نذهب إلى الاهداء نرى بأنهُ يستدعي لنا هذا الحدث المهم وهو المطالبة في هذه اللافتات عن طريق نورسهِ الحزين والولوج إلى خضم المعاناة؛ نتيجة للاستلاب اللانساني في كافة الاصعدة، فالشاعر كائن يختلف عن الآخرين بما في احساسهِ المنبثق من رحم الايديولوجيات التي يبني عليها مواقفه تجاه الإنسانية وبالاخص العالم المحيط به.
وبالانتقال إلى مدخله الفني الملفت للانتباه نلاحظ تراكم الشجون والمأسي إزاء هذا الواقع المظلم والمستقبل المجهول ولكنّه في الوقت ذاته يتمسك بالأمل من خلال ما يحبه مما يعطي له يوتوبيا من نوع خاص يعيشها مع قرارة نفسه المعباءة بالالام والحسرات٠
وقد أورد ذكره لصديقه الشاعر( مروان عادل حمزة ) الذي وافاه الأجل قبل مدة مما ترك في نفوس الكثيرين ومنهم الشاعر من أثر كبير، فاخذ يحاوره في مشهد درامي وهو يتشاطر معه في شعره وما دار في هذا من حديث مؤلم حول الأوضاع والبؤس، ويستمر الشاعر يجود معه عما في مخيلته الغنية بالاجادة عن طريق عالمه الشعري الوهاج وبين على مدى حزنه وفقده له وذلك بقوله المتأثر به وهو"_ هي قُبّعةُ الشّعرِ الّتي سقطت في الجوار ٠٠٠""٠
إن الرؤيا السيميائية للشاعر تكاد أن تخييم على جميع مقطوعاته الشعرية ولذلك أن الأسلوب الحواري له نراه يطغي في فلكه الصياغي لكل سطوره الشعرية ومناحيه في انحدار الواقع المضني فهو أي الشاعر ابن بيئته التي يعبر بها ولها ولكن بالرغم من ذلك التراكم للهموم لديه إلّا أنّه ما زال يبحث عن شيء يعبر عنه بأنه حق طبيعي لكل إنسان على وجه المعمورة وهو بالاحرف الثلاثة كما يقول (الواو٠الطاء ٠نون) ومن ثم يصرح بها ويتمها ب (وطن) والى السلام معا، فالشاعر في خياله الابتكاري يرنو ويصف الحالة التي وصلت إلى ما وصلت إليه من افتراس وظلم عن طريق الاستعارات والاخيلة وقد ذهب أيضا إلى الرمز الأسطوري المعروف وهو (جُحا) الذي يواجه هذا الانحلال والتخلف والفساد الاجتماعي، ويظل الشاعر بصوته المهطول بالدمع والكابة إلى أن يذكر مجموعة أسماء حتى يصل إلى الدكتور علي جواد الطاهر لإنقاذ الواقع من هذه الجراح والأوجاع المؤلمة مما جعل الشاعر في استدعاء هذه الشخصية العلمية المرموقة لاحقاق الحق ونيل الكرامة والتحرر.
إن سعي الشاعر العربي والعراقي بوجه خاص في متكاته الفكرية للتعبير عن تجربته الخاصة بطريقة فيها كثير من الجدة والإثارة والاسترسال بما في ذلك من تأسير متلقي النص ووخز ذاكرته، وقد آخذ الشاعر في اقتحامه للمعاني والشعور النفسي له (أي المتلقي)، فأصبحت ألفاظ شاعرنا في هذا الصدد من صور وتعبيرات وأحاسيس ورؤى وعاطفة ووجدان وما احتوته من ألفاظ تعطي للتعبير رونقا خاصا ونغما موسيقيا ملائما لما يطمح إليه، وقد مثلت سطوره في لمعانها في غياهب العقل الباطن التي نستشعر بها عن طريق ذلك اللمعان في ومضات الذهن وادراك العقل الواعي٠
وآخر ما ذكره الشاعر وهو ذكر الإشارة إلى معلم ديني مهم يجمع كل الطوائف في أفكارهم ولكنه المكان العربي المقدس الذي يعيش معنا والمسلوب منا وهو القدس الشريف وان تحريره يمثل لنا السلام الحقيقي والمنشود على مر السنين فجعله (أي الشاعر) رمزاً للحرية فهو حقنا المغتصب من قوى استعمارية غاشمة هدفها تدمير الواقع العربي بشتى الطرق والوسائل الرذيلة من خلال نهب خيراته ومحو ميزان القيم السوسيولوجية، وبذلك المنحى يحث الشاعر على عدم الركون إلى الاستسلام والضعف، بل إلى السمو في المقاومة والتضحية متمثلا في قوله الشعري

( وَيا رشيقاً على الأوتارِ مضطجعاً
انهضْ ففي العودِ أنغامٌ مِنَ الرطبِ )

إنَّ مما يتبين من كل ذلك إلى الضمير الجمعي الذي أحس به الشاعر فولد عنده مدلولات فنية دياليكتيه تنحو إلى التساؤل والانغماس في الحقيقة التي يجب أن تكون من أفق وتحديات وانقاذ كل شيء جميل وجعله في الق مبهج يسير بإتجاه العيش الرغيد والتحرر من رقبة الذل والعبودية ومن كل آفات الاستعمار والظلم والنجاة من هذا الواقع المزري نحو الاستشراف لمستقبل مضيء للرفعة والإنسانية..

وَصوت الشاعر حسب الشيخ جعفر يستمر بالنداء يانخلة الله اصمدي بوجه الطغاة واثمري لشعبك بالامال والحياة.