loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

جدلية الإيقاع الشعري و إشكاليته في ديوان" قاب شفتين أو أشهى " للشاعر مجاهد أبو الهيل

breakLine

 

 

علي الامارة / شاعر وناقد عراقي

 

تكمن تمظهرات عدة للصورة الشعرية التي تستقي حيويتها من تفعيل أكبر قدر ممكن من فنون الشعر لتركيز هذه الصورة وتكريسها عبر خطابات شعرية – نصوص – تتوالى بدلالاتها المتنوعة وتشكيلاتها السابحة في فضاءات النص الشعري و أشكالها سواء من فضاء القصيدة الأم – العمودية – إلى قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر وانفتاح النص .. فليس لدى الشاعر عقدة من تنوع الأشكال بل لديه فسحة للتجوال في مساحاتها والعزف على أوتارها المختلفة بما يتيح ثراء شكليا يمنح الخطاب الشعري حرية توسع والباس الزي الشعري المناسب لكل نص .. فمجاهد من  جيل شعري جاء  في زمن استقرار الأشكال وانسجامها لا زمن صراعاتها ونفورها فلا قصيدة العمود أو التفعيلة استطاعتا أن تمنع  قصيدة النثر من دخول المشهد الشعري ولا قصيدة النثر استطاعت برغم انتشارها أن تطرد تلك الأشكال الشعرية  من المشهد .. كل الأشكال  كسبت شرعيتها من شعريتها ... 

 

وقد كان الشاعر – مجاهد – حذرا وحريصا على أن لا تستدرجه مواضيعه إلى واقعية مناسباتها وتحفيزاتها وبالتالي الوقوع في فخ النثرية التي تنصبه حرارة تلك المواضيع والركون إلى جانبها العاطفي أو الاخباري أو المناسباتي اقصد المحفزاتي .. من هنا كان الشاعر يحلق فوق الخبر والحدث والشخصيات المهداة لها النصوص أو المذكورة في النصوص يحلق بجناحين خشية الوقوع في أرضيتها .. ولكن مع كل هذا الحذر أو الحرص تبرز هناك اشكالية شعرية تلازم الجدلية الشعرية التي سار عليها النص فالحرص والحذر الشعريان مجذافان ولكنهما ليسا القارب الشعري كله .. 


إذن أين يكمن الجدل وأين يكمن الإشكال ؟؟ 


الجدل الشعري يكمن في الصرع بين شكل النص الشعري ومضمونه في قدرة الشاعر على تفعيل الايقاع الشعري ومن ضمنه ايقاع القافية وفنون الشعر من ناحية ومع ثيمة النص الدلالية من ناحية أخرى حتى يرتقي الإيقاع إلى أن يكون فنا لا نظما .. 
وبسبب من هذا التمكن من الايقاع المتاتي من التربية الموسيقية للأذن ومن هضم الإرث الشعري القديم ومن بعده إرث شعر التفعيلة ، ولعل ذكره للسياب أو البياتي أو سعدي يوسف في قصائده يتماهى مع تاثره وهظمه لشعر التفعيلة .. قلنا بسبب هذا التمكن تشبث الشاعر بهذا الايقاع الدهري الشرعي لكي يبث خطابه في هذه الأرضية التي مازال العمل الشعري ممكنا   فيها وبها  ولا سيما حين يضخ الشاعر فيها جدة فنية تلامس آفاق الحداثة الشعرية و أعماقها .. 


هذا عن الجدل وعلاقة الشد والسحب أو الأخذ والعطاء بين الايقاع والموضوع ولكن ماذا عن الأًشكال ؟ 


وهل هو اشكال شعري أيضا ؟ قلنا أن الشاعر تمكن  من الإيقاع بما يحقق جدلا شعريا والآن لنقلب المقولة ونقول أن الإيقاع تمكن من الشاعر وهنا تبرز الاشكالية .. أذكر قولا للجواهري في مطلع الثمانينيات حين دعي إلى جامعة الموصل وطلب منه أن يقول نثرا قال أن القوافي أكلت من لساني ولم تترك فيه للنثر شيئا .. 


وأرى أن الإيقاع يتمرأى  أحيانا باتجاهين الأول ما أسميه بالإيقاع النظمي أي أن يسحب الوزن التفعيلي نحو فضاء الإيقاع على حساب اللغة الشعرية او الصورة الشعرية فنجد بعض القصائد محلقة في فضائها الايقاعي ومنخفضة في فضائها الفني وهذا ما لانجده في ديوان – قاب شفتين – لأن الروح الشعرية حاضرة في كل نص بقوة بل وبحذر كما نوهنا .. وأن حبل النص الشعري مشدود دون تراخ بفعل الضخ الفني المتواصل في النص وفعل التكثيف وتشذيب النص بما يجعله مشحوذا بعيدا عن الترهل والتكرار ..أن ثقافة مجاهد الشعرية وموهبته أي تجربته ووعيه في التعامل مع النص حال دون الوقوع في هذه الإشكالية .. ولكن ماذا عن الاتجاه الثاني الذي يتمرأى به الايقاع ؟ أنها المساحة الفنية خارج الإيقاع الخارجي للنص الشعري واقصد به قصيدة النثر التي كان لها حضور في هذا الديوان ايضا ولكن الشاعر هنا لم يبتكر ايقاعه البديل ولا سيما حين يطول النص قليلا فيعود أحيانا إلى التشبث بالإيقاع الاول لذا فقد لجا الشاعر الى النصوص النثرية القصيرة جدا أحيانا التي تنتهي بومضة أو مفارقة لتحقيق هدفها الشعري .. كقوله : 


سأكتب كثيرا 
لأقرأك

أو

على حافة المومس
يقف الشرف

ولكن حين يطول النص قليلا يتداخل الإيقاع الظاهري – التفعيلة -  مع لغة قصيدة النثر كقوله :

مثل جمرة في مهب الريح
تتقد الأحلام وتنطفئ داخل ذواتنا 
نحاول إيقادها مرة ثانية

هنا قصيدة النثر لم تتخذ شكلها الخاص أو إيقاعها البديل كإيقاع اللغة الشعرية أو إيقاع الفكرة الشعرية ولكنها استسلمت إلى الإيقاع الأساس – الوزني – التي اخترقها بقوة ليسحبها إلى منطقتها.. أن روح الشاعر متشربة بالإيقاع وهناك مسافة بين التشرب بالإيقاع والتمكن من التخلص منه باتجاه قصيدة النثر .. 
والآن هل انتهى كلامنا عن هذا الديوان إلى هذا الحد ؟ لا طبعا فقد تكلمنا عن آفاقه الفنية والآن لنتكلم عن أعماقه فنسجل لهذا الديوان فضلا عن أصالته في التجربة  فنا خاصا هو فن الغزل الذي اعده من أصعب فنون الشعر أو أغراضه ولا سيما حين يرتفع بموضوعة الغزل إلى مستوى الفن شعريا حتى تصبح القبلة نصا والشفاه لغة والجسد كله ديوان شعر .. فالغزل فخ شعري إذا لم يحسن الشاعر مقاربته بأدوات فنية باهرة .. لماذا فخ شعري ؟  لأنه قريب بعيد .. متاح وعنيد 
فبدا من العنونة  التي حققت شعريتها بالاستبدال الفني – قاب شفتين أو أشهى – يقرع الشاعر جرس الغزل بقوة في معبد الجسد 
فمنذ التقابل بين نهر قبلات العاشق وجدول ثغر المعشوق نلج عالم الغزل عبر لغة شعرية تجعل من الجسد والغزل مفاتيح ومداخل لمواضيع تتسع أحيانا إلى فضاءات نفسية وفلسفية وقضايا كبرى كالحرب والفقر وبغداد وغيرها .. البيت يقول :

نهر من القبلات مر على فمي 
مسترخيا يمشي وثغرك جدول 
أو الاحساس بالذبول والعزلة :
رحماك سيدة العناق فشمعتي 
لن تستفيق وضوء قلبي يذبل

وفي القصيدة نفسها يأخذنا الغزل إلى فضاءات مترامية المعنى متداخلة الهم 
أقرأ هذه الأيام كتابات عن القبلة منها ديوان سعد جاسم الأخير المخصص للقبلة ومنها مطولة الشاعر الجديد علي وجيه يبدو أن الشعراء اكتشفوا أن شعرا كثيرا يكمن في القبلة 
أن الشاعر المتمكن من فن الغزل هو الذي يفعل هذا الغرض شعريا على مستوى الفن زائدا تفعيله باتجاه المواضيع الشعرية ذات العمق الوجودي والهم الإنساني وعلى مستوى اللغة الشعرية الخاصة بالغزل فعلى مستوى الهاجس النفسي والقلق :

حين دنت قبلتي 
قاب شفتيك أو أشهى 
تدلى الخوف

أو نقرا مثا قصيدة – قبله – التي اعتمدت الجناس اللفظي منذ العنوان حيث تركه بلا تنقيط  أو تحريك لكي ياخذ المعاني المزهرة من لفظ واحد -  قبله – الذي يأتي مرة ظرف زمان ومرة اسما من التقبيل ومرة من الاستقبال وتدور القصيدة حول عطاءات هذا الجناس 
أو الغزل المفضي إلى موضوعة الفقر

شفاهك خبز 
وشفاهي جوقة فقراء

أو أحيانا يجعل من الغزل تقابلية ضدية بين تورد الخد والحرمان منه ..

من أيقظ الورد في خديك فاشتعلا ؟
ومن بباب شفاهي أوصد القبلا ؟

بل أن الشاعر يدرك فنه الشعري والإيقاعي والغزلي  وثقته العالية بكونه استاذا فيها فيعلّم الآخرين ما الفن وأولهم صبايا النخل حد أنه يقول :

حتى تربت صبايا النخل في مقلي 
علمتها الشعر والألحان والغزلا

▪︎
يتبع

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي