loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

حقوق الإنسان ولكن، أي إنسان بالضبط؟

breakLine
2021-09-18

 

صبحي شحاته/ كاتب مصري


ربما نحن بحاجة قبل أن نسأل عن حقوق الإنسان، أن نسأل ما هو الإنسان بالنسبة إلينا، كيف نعرفه، هل الإنسان لدينا هو الإنسان الأبدي، أم النسبي، أننا نعرف جيدا الإنسان الأبدي، وذلك لهيمنة المنظور الديني الاسطوري علي ثقافتنا، أنه بني آدم الذي هبط الأرض لخطأ ارتكبه وأورثه لإبنائه الذين يجاهدون للعودة إلي بيت أبيهم وبيتهم، حيث يرتعون في الحديقة الأبدية  الغناء وسط بحور اللبن والعسل ويلعبون مع الحور العين في معية الأب الإله الراعي إلي الأبد. إن إنسان كهذه لا تهمة الدنيا من قريب أو بعيد، خطيئة وذنب ومحنة واختبار وندم وشقاء وصراع مع الشيطان والنفس والأهواء.. يريد الخلاص منها والعودة إلي السماء فبجوار الله هذا أفضل جدا.

أما الإنسان النسبي فذلك هو ابن القردة العليا، ابن الطبيعة العشوائية، ابن الصدفة والعبث والغرائز، ابن الكون الغامض الذي انفجر منذ كم مليار سنة وتمدد ومازال يتمدد.. أنه الإنسان التاريخي الذي  نشأ في التاريخ ويتطور معه، أبن العقل النقدي والفلسفة والعلم والفن، يريد التمتع بالحياة القصيرة الفانية الغامضة، ويريد السلام والأمان والتنافس ليس في الغلبة والتحارب، وإنما في الجمال والمعرفة، ويترك حال موته ذكري جيدة للآخرين، لذا تهمه الدنيا بكل تفصيلة فيها، ويريد أن يجعلها جنة، بجهده وعرقه ومعرفته العقلانية، لا يعترف بالسماء ولا بما  قبل وبعد الموت، فلا يعرف  إلا إلهنا والآن فحسب.. هذا الإنسان يتمسك بحقوقه الإنسان في الحرية بكل أشكالها دون الجور علي الآخر فلا يتعارك ولا يتحارب، وإنما يريد جعل الحياة كعمل فني جميل  له وللآخرين ..

بينما الانسان الأبدي علي عكسه يتمسك بدينه ويلتزم بتعليمات رجال دينه ومستعد للموت في سبيل طاعة رجال دينه، ومن ثم هو في حرب مع أعداء دينه، وكل إنسان ليس من دينه فهو عدو مباشر وغير مباشر، فهو لديه حقوقه كلها ينعم بها، ولا يعرف الحرية العقلانية ولا النقد ولا العقل المبدع الهادم الباني. ولا يمكنه فهم معني للنسبية والجزئية والاحتمال واللا يقين.  ولا حرية الاعتقاد، فالاعتقاد لديه ليس فكرة، وإنما حقيقة مطلقة يخضع لها دون قيد أو شرط ودون تفكير، يري أن الدين هو الأساس، والإنسان تابع له، وهو دون الدين بلا قيمة وكذلك الحياة دون الدين مهزلة،  فهو يمارس طقوسه كاملة بحرية كاملة فيتكلم دينا ويعيش علي طريقة الدين ويتزوج بالدين  ويتنفس دين  ولا يعرف التحرر من الدين أبدا.

بينما الانسان النسبي يفكر بنفسه وفي نفسه والآخرين كونهم متساويين في الحقوق والواجبات،  ويرفض أي سلطة علي عقله، ويحترم القانون الوضعي والديمقراطية وحرية التعبير والاعتقاد وتداول السلطة والمجتمع المدني.
    
إن الإنسان الأبدي الديني هو إنسان بدائي، لا يفكر بنفسه ويعيش في ايديولوجيا الدين الثابتة حيث كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، يسيطر عليه رجال الدين، وهو قدري تماما، فكل خير يأتيه هو رزق من السماء، وكل شر يمر به هو غضب الإله،  كل شيء لديه مبرر ومعقول ومفهوم، فلا يحتاج إلي الفكر والعقل وكفاح الفهم المتجدد، ولا بحاجة إلي تطور وتغيير وكفاح مع الطبيعة، والكفاح من أجل المعرفة العقلانية التي تتطلب الحرية والنقد الدائم والمجتمع المتطور الديموقراطي الحر وخبرة الحياة الحية، والعيش العصري المتقدم.. إن كل هذه الأمور لا تعنيه في شيء لا يفهمها ولا يريد،  فهو يعيش زمن الدين الأبدي المتكرر ويمارس الطقوس المقررة  المتواترة بانتظام، وينتظر الرحيل والخلاص من الدنيا برمتها.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي