loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

حمد الطوبي بلاغة الحدس الشعري

breakLine

 

صالح لبريني || كاتب مغربي


الشعر، في جوهره، مكابدة ذاتية ووجودية يخوضها الشاعر حتى يعبّر عن عبوره وموقفه من العالم، بل يمكن اعتباره" فعالية إنسانية، له طبيعة حركية تتسم بالتجديد، ذلك أنه إضافة لكونه انعكاسا إيجابيا للواقع، فهو ألصق بذات الإنسان وقواه الشعورية والكامنة من أية فعالية أخرى" ومن تم فهو يتأسس على الوجد والعشق في أسمى التجليات، ولعل هذا - فيما أعتقد- يسري على الشاعر المغربي محمد الطوبي؛ الذي لم ينتبه إليه الدرس النقدي ولم يزح عنه الغبار ، مما يطرح ألف استفهام وتساؤل. نظرا لكون تجربته ثرية وأسهمت في تشكيل الشعر المغربي بسمات التجديد في بنية النص التقليدي، حيث له إضافات نوعية على هذا المستوى ، فقد جدد القصيدة المغربية ومنحها وأعطاها حياة جديدة أساسها الحب كتيمة تصطبغ بها تجربته. ومساره الشعري طافح بهذه الأبعاد التي نذر حياته من أجل شعر نابع من عمق الحياة والحس الجمالي . 


فالمرأة في هذه التجربة الشعرية هي القصيدة المجهولة الملامح والصفات، قصيدة الظن والاحتمال، بل يعتبرها محمد الطوبي أسطورة تثير الدهشة وتطرح سؤال الإبداع المحيّر والمقلق والملتبس، لأن " النص الشعري نصا لا يهدف إلى تقديم معنى محددا، وإنما يسعى إلى تقديم حالة متكاملة ذات أبعاد تصويرية نفسية جمالية، مما يجعل الجزم بالمعنى الواحد أمرا صعبا لا تطمئن إليه أذهان المتلقين. فيصبح التأويل ضرورة لا مفر منها" وبالتالي فديوان "أنت الرسولة أيقوناتك اندلعت" يمثل خطابا شعريا موسوما بهذا الانفتاح التأويلي نظرا للدلالات التي تحبل بها تيمة المرأة في نسيج النص الشعري. 
فالمرأة في تجربته تتخذ صورا عديدة ودلالات مختلفة تشحن القصيدة بجماليات فنية تتسم بخرق اللغة المألوفة، إلى لغة أساسها العدول والخرق، وفي هذا ما يثبت أن الشاعر يمتلك وعيا شعريا ورؤية تزيغ عن حدود التنميط الشعري السائد، إلى قصيدة تنتصر لأساليب تعبيرية ذات مسحة غنائية، وهذا ما يتجلى في كون المرأة الرحم الأول والتعبير عن بداية الوجود في حياة مليئة بالمكابدات والمحن، بل أكثر من ذلك تحمل دلالة الكلام أي الإفصاح عما يعتور الباطن من ارتجاجات نفسية وعاطفية يقول الشاعر:    (دمعة الأربعاء/ بدأت من صباح الشجا/ خطوة في اشتعال البكاء/ مات ورد الكلام/ جفّ في نبعه الضوء جفت/ صفات النداء، تلك أمي) فإذا كانت الأم حياة فإن رحيلها دليل على الحزن والبكاء وسيادة الظلام وغياب المحبة، وجعل الذات الشاعرة تغرق في بحر من الاغتراب الروحي والوجودي، لأنها سمية الله مترعة بالإيمان والعطاء والبذل، هي الصبور ذات العزة والنخوة)أنت عائشة القلب/ عائشة الصبر والكبرياء(فإبداعية القصيدة لدى الشاعر نابعة من هذا الشعور الباطني لمفاصل العلاقة الوطيدة بدلالاتها الإنسانية والوجودية، المتجلي في التواشج الروحي ، هي دمعة الأربعاء كبيان على الأثر الذي خلّفه رحيلها ، أثر الخسارة كصورة تعبيرية عن المنحى الذي اتخذته الذات في مجابهة الموت، فكان الانتماء إلى الأم انتماء للوطن وللطفولة يقول :   (من يعمّدني مغربيا صفيّا سواك/ لأخرج من غسقي من نزيف ضياعي)

بل إن الشاعر يستفهم بغية القيام بعملية التطهير من الضياع و الخيبات ، من خلال، الإقامة في مملكة الأم لأنها المنقذة له من ضلال النسيان والبأس واليأس حتى يولد من اللغة جليا كمرآة الروح المجلوة بانكسارات الذات أمام سطوة الموت، الذي حوّل الأرض ضيّقة تخنق رغبة البوح الذي في جوهره نوح ، ليظل أرق الشعر احتراقا ورحيلا مقتفيا أثر عائشة الرمز والعز والقلب.
والناظر المتأمل في التجربة يقف على خطاب شعري يبدو فيه الشاعر مطوقا بحزن أبدي شفيف يكشف حقيقة الذات الهشة في مواجهة الوجود ومن تمّ يغدو الشعر" السجل الممكن لكل التجارب الإنسانية والأحلام والعواطف والمشاعر في لحظاتها الزمانية الهاربة، وفي كينونتها الماضوية المبتعدة" إن محمد الطوبي يعرج بنا من مقام الرحم الأولى إلى سماوات الحب بتجلياته العاطفية والوجودية والتاريخية، حيث تكشف تجربته عن هذا المنحى الذي يروم إلى التماهي مع المرأة الحبيبة التي تظل هوية الشاعر القلبية الكاشفة عن الوجد والمكابدة، فالقلق والأرق والاحتراق والألق تجلٍّ من تجليات أسئلة الشعر الحارقة، التي تعرّي الذات الملتاعة بمعانقة كينونتها، من خلال، الانغراس في التجربة الإنسانية، فالشاعر يفصح عن كون الكينونة مرتبطة بهذه النعمى المتجسدة لغة وصورا شعرية ورؤى باذخة في الإدهاش، فالنعمى متجلية في مملكة الشاعر ملكة متوجة شمسا ووجودا وقدرا وحياة، فبدونها لا وجود للذات يقول :(أنا أحبك والأشواق مترعة/ على شواطئ أغواني بها الغرق/ أنا أحبك كيف اسمي يعاتبني، واسمي إليك صلاة صدرها أفق) 
تلك سيرة شاعر أفقه الشعري تنسك وعبادة كدال معبّر عن هذا التلاحم الروحي والوجودي بين الشاعر والمرأة الحبيبة. والأكثر من هذا فإن المرأة تحمل دلالة تاريخية ، من خلال، تشبيهها بالأندلس كفترة زاهية من تاريخ العرب والمسلمين يقول:( أنت أندلسي باسمكِ ابتدأ الشوق/ في دوحة الكروان/ تتألق بي شمس أسمائك المغربية، كوني التي شئتِ وحدك، من أول الاسم) فالمرأة الأندلس تعبير عن مكانة الحبيبة التي تمثل إليه المنقذ من ضلال الجرح لتدخله إلى دهشة الشعر حيث البديع والبيان صنوان لبلاغة القصيدة جمالا وإبداعا, إن شمس النّعيمة (اسم الحبيبة الذي يتكرر على مدار التجربة) هي التي تعطي للحياة قيمتها، وهي الأسطورة العشق الذي نسجته أنامل القلب مفعمة بعبير المحبة، وهنا يكشف الشاعر عن حالة الانخطاف التي تحياها الذات المغتربة في اليتم وتغريبة الغرباء وضراعة الصلبان حتى يمنح لها الأغاريد ( صباح اليتم لي/ تغريبة الغرباء لي/ ولك الأغاريد/ ومجد الحزن لي، وضراعة الصلبان)

والشاعر يقدم عالما شعريا طافحا بالحب والعشق، الكلف والولع ،الوله والهيام والجنون، كأقصى الحالات التي يصلها المحب،لتبقى الذات الشاعرة منذورة للمنفى الذي كان مصير المحبين السالفين يقول مخاطبا نفسه : ( لستَ الأول في المنفى/ ملوك قبلك هجروا عروشا/تيجانا وممالك تركوها/ لدهاقنة اليأس/ أنبياء قبلك أتوا بكتب الجمر/الوقت الجامح لم يكفهم/لتأسيس مدائن الورد)، تلك سيرة الشاعر البليغة بمكابداتها وعذاباته التي نسجت تجربة الشعر في مساره الإبداعي.والكاشفة عن تجذر التجربة في تربة الشعرية العربية.

ولاغرو من الاعتراف بأن محمد الطوبي شاعر مميّز ومتميّز لا لشيء إلا لكونه مبدعا أصيلا جدّد في القصيدة محافظا على وهج الإيقاع، مفصحا عن موسيقى الروح وهي تعزف بأنامل الصور الشعرية الخارقة والمدهشة ، وبلغة القلب والباطن بعيدا عن لغة الصوت،كورالا شعريا نابضا بالحياة والإبداع، كورالا متوهجا بالخفق الجواني لذات ملتاعة بنيران الصبابة ومحبة الجمال وفتنته.

محمد الطوبي بحدسه الشعري خلق تجربة شعرية موسومة بالكتمان الذي يزيد القصيدة إشراقا ويحفز المتلقي على ارتياد عوالم شعرية تنبئ ب"ممارسة جمالية تفرضها طبيعة النفس البشرية بحكم كونه محققا للانسجام والتوافق عبر الإيقاع، فكأن معايير الجمال في الفن هي نفسها قوانين كامنة في عمق النفس"، وعليه فهذه الجمالية قد تحققت في هذه التجربة متفاعلة مع الخلفية الشعرية والمعرفية للشاعر. ومنسجمة مع الذات التواقة إلى معانقة البهي والجليل في الحياة بعيدة عن تجربة الانفعال التي تفتقد النص الشعري حرارة التجربة.

 

والوجود، بعيدة عن تجربة الانفعال التي تفتقد النص الشعري حرارة التجربة.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي