loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

"دلشاد" روايةٌ بعشرِ أرواح بل أكثر!

breakLine

 


مونيا فرجاني/ كاتبة تونسية


دلشاد 
"كنت يتيمًا، ووحدهم اليتامى يعرفون معنى العري، وكيف يكون البرد في عظامك من لحظة الميلاد حتى الموت"

مريم
"لم أكن أعرف أن العالم خلق محمولًا على أكتاف الآباء، وأن السماء تسقط متى ما رحلوا، وأن الحياة، كل الحياة تصبح خالية إن خلا منهم المكان، وأن نظرة العتاب في عيونهم، ما هي إلا دروس قصيرة، تمرر بين القلب والعين ولم أكن أعرف أن الساعة التي فصلت بين تقبيلي كف أبي ذلك الصباح وغرق السفينة، هي آخر ساعات الهناء، وأن ما بعدها من عمر سيكون شقاء. كله شقاء ‫ والآن صرت أعرف، وصرت أجرجر قدمين ثقيلتين في هذا العالم" ‬‬‬

جميل أن يُسردَ التّاريخ بهذه الطّريقة، الطّريقة التّي اعتمدتها بشرى خلفان في روايتها الضخمة" 500" صفحة، ليتهم كانوا يدرّسوننا التاريخ على شكل حكايات ترويها لنا شخصيّات كما حدث هنا. لكنّا فعلا أسياد حكايا ولكان التّاريخ قصّة جميلة نحملها في صدورنا عن اوطاننا و العالم.

دلشاد، اسم فارسيّ معناه صاحب القلب السعيد
وهو إسم أحد أبطال الرواية الذي لم ير يوما سعيدا في حياته كلها! وانتهى به المطاف باحثا عن نهايةٍ أقل قسوة.
بداية من يوم ولادته إلى اليوم الذّي ترك فيه ابنته الوحيدة مريم عند عائلة من الأسياد بعد ان فقد بصره وصار من المستحيل عليه توفير الاكل والامان لابنته.

إنها رواية ما إن تبدأ بقراءتها، حتى تستقر رائحة الفقر والبحر والملوحة و الرطوبة في أنفك، تشدّك  روحها السرديّة حتى آخر صوت من أصوات أبطالها، وتتركك في نهايةٍ مفتوحة تبحث طريقك وسط مسقط والحرب والفقر والويلات والفقد والموت والوحدة والحبّ.

تجري أحداث الرواية في مسقط وبومباي والبحر بينهما، أيام الحرب العالمية الثانية حيث سيطر الجوع والفقر على العالم، وترك ما تركه من أثارٍ وحزنٍ وفقدٍ في مسقط.
رواية تدور في فلكين، الطبقة الغنية وصاحبة الأموال، والطبقة المسحوقة الّتي تصارع الجوع والمرض...الجوع الذّي كان يؤلم القارئ أيضا وليس ابطاله الذّين يتقلّصون ألما  وخواء عبر الصّفحات.

الممتع في هذا الاُثر، تعدّد الاصوات السّاردة التّي فاقت العشرة، مع كلّ فصل تنطق روح، تسحبك من روحك نحو المشهد الذّي توقّفت أنت فيه هناك في الصّفحات القديمة لتتجدد الرؤية مع سارد جديد ينقل لك الأخبار من زاويته.

ماذا أعني؟؟

مشهد تظهر فيه مريم مع زوجها في حضرة مشاعر متناقضة ومعهما فردوس الشخصيّة الثالثة في المشهد...مع تقدّم السّرد يصلنا ذلك المشهد بثلاثة أصوات ساردة، مريم تحكي لنا ما حدث..ثم يأتي زوجها ليحكي نفس المشهد، ثمّ فردوس..

لا ملل ولا مماطلة ولا ثرثرة..
متعة التنقل بين الشّخوص كما لو أنّنا نتابع الحدث بكاميراوات متحرّكة ميزتها الأساسيّة لا فقط نقل الصّورة..بل نقل حديث الرّوح أيضا.

تلك الأصوات التّي تعدّدت نبراتها تؤكد إيصال فكرة التحولات بنحو مقنع لا يعتني بالألاعيب الشكلانية بقدر ما يحرص زخرفة العمل و اكتماله و إيصال كل شخصية لمرحلة الإشباع  السّرديّ.  لم يكن عبثا ولا إقحاما تضمين شخصيات بدت هامشية في مسار الحكاية لكونها تقدم جديدا للصورة الكلية للرواية ولقيمتها المعرفية التي تغوص في تاريخ عمان و العالم العربي آنذاك، هذه الشّخصيّات الهامشيّة هي التّي دفعت بقطار السّرد نحو محطاته القادمة..

استمتعت كثيرا بهذا العمل المتفرّد والاستثنائي رغم وجود العديد
من الكلمات غير المفهومة بالنسبة إليّ كُتبت باللّهجة العُمانيّة، لكني كنت أحاول فهمها من السياق.

أخيرا..
الرّواية العربيّة بخير، إنّها تتنفس وتشعّ في مكانها في انتظار أن يأتي المترجم البارع الذّي بإمكانه أن ينثر سحرنا على الغرب تماما كما سحرونا هم بأقلامهم..
أقلامنا جميلة وممتلئة بالإبهار..نحتاج فقط إلى دور نشر تبعثرنا على الخارطة وتبذرنا على كلّ العالم كما يبذر فلاح مسنّ حقل الذّرة الفسيح.

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي