loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

رجل يدعى "أوڤ"، وليس "أوتو"..

breakLine

 

حوراء النداوي || كاتبة عراقية


قصة الفلم الذي يبدو أنه قد نال استحساناً كبيراً مؤخراً، بعد أن قام بتمثيله توم هانكس، هي في الحقيقية قصة لفلم سويدي صُنع استناداً لرواية كتبها "فريدريك باكمان"، ونُشرت لأول مرة في عام 2012. يتبع الكتاب قصة أوڤ، 
وهو رجل غريب الأطوار وحيد ومنعزل في الستينيات من عمره، تتغير حياته بسبب جيرانه الجدد؛ امرأة إيرانية الأصل وزوجها السويدي، مع طفلتيهما، والذين يقتحمون عزلته، ويتعاملون مع غرابة أطواره باستخفاف وعدم جدية، ويصرون على تواجدهم غير المرغوب فيه بادئاً، وذلك ما سيدفع بأوڤ الذي يعيش حياة كهولة رتيبة بعد وفاة زوجته، لتغيير خططه الأخيرة، وبالتالي مسار حياته.
لا يختلق باكمان في هذا الكتاب قصصاً ملحمية ولا أبطالاً خارقين للعادة، بل يتمسك بكل التفاصيل الاجتماعية والحياتية الصغيرة لينسج منها قصة إنسانية صادقة، في مزيج يتنقل ما بين روح الدعابة والشجن ولوعة الفقد. 
"المينيمالية"، أو أسلوب "التقليلية"، هو واحد من أهم الميزات الاسكندنافية ويعد أسلوب حياة، وبالتالي ينعكس بشكل واضح في الأدب الاسكندنافي، وذلك حتى في جانرا "النوردك نوار"، التي اشتهرت بكونها نوع من أنواع أدب الجريمة والإثارة السوداوي، الذي يركز بشكل أساسي على الشخصيات ومحيطها القاتم؛ إذ مهما عُدَّت الجريمة بشعة إلا أن البشاعة الحقيقية التي تركز عليها هذه الجانرا هي البشاعة الآتية من الذات المضطربة، التي تعيش توتراً نفسياً، فتكون الإثارة مستحضَرة من هذه الأدوات بدل الإثارة التي تركز على وصف الحركة والعنف. 
أما بالنسبة لباكمان فقد ركز هو أيضاً على رسم شخصيات غنية وواقعية، بأسلوب سهل خال من المحسنات اللغوية والبلاغية الفائضة، محاولاً نقل المشاعر والأحاسيس الإنسانية بكل تقلباتها وانعطافاتها، التي يبدو من خلالها باكمان أشبه بعدسة كاميرا جامدة، وحيادية كلياً، لأنها لا تنقل مشاعرها وانطباعاتها الذاتية. وذلك بالأخص إذا ما عرفنا أن شخصية باكمان الحقيقية حاضرة في الكتاب، فالقصة يبدو أنها مستلهمة من الواقع، وباكمان شخصياً هو زوج المرأة الإيرانية الظريفة التي تقتحم حياة أوڤ، لكنه وبعقلية الكاتب الراصد يختار أن يبقى في الظل كأنه شخصية أقل من ثانوية وغير محسوسة، وغير محركّة واقعياً للأحداث، ليراقب تكشُف القصة عن كثب وينقلها استناداً لما رصده وعايشه، عن علاقة زوجته وابنتيه وسكان الحي الصغير بأوڤ. 
ما هي التفاصيل الصغيرة جداً التي تصنع من رجل في شيخوخته، قصة مثيرة للاهتمام؟! نوع السيارة التي يقودها، وقطة كسولة تتمشى في الحي، وعلاقة إنسانية تبادر لإنشائها الجارة الشابة غريبة الأصل، التي تدفع في وجهه وعاءً بلاستيكياً بداخله رز بالزعفران. شكل غريب ومذاق جديد لم يتعرف اليهما أوڤ من قبل! أشبه بشكل ومذاق حياته التي على وشك أن يتعرف إليها قريباً. ومهما بدا كل ذلك غريباً بالنسبة له، فهو في النهاية شهي ومشبع، تماماً كما كان مذاق حياته سابقاً؛ والتي سيسردها باكمان ببراعة، وهو يُعرّف عن شخصية أوڤ، الرجل الذي عاش سنوات طويلة في ذات البيت والحي ويقود سيارة "ساب" يعتبر مسألة تغييرها أشبه بالتخلي عن ذاته وكيانه، وإنكاراً لروحه ومعنى حياته، لكونه رجل ملتزم بما يؤمن به حتى آخر لحظة من حياته. 
إنها المينيمالية في أدق وأجمل تشكيل وتناول. في ظاهرها تبدو وكأنها تدعو للتمسك بأقل ما يمكن، لكن في جوهرها فهي فن التخلي. التخلي عن كل المحسنات الظاهرية، والبهرجة الحسية، في محاولة للوصل الى الأعماق والجذور. التفاصيل تبدو كامنة في التفاصيل، والإنسانية تتجلى في العلاقات التي تنساب على نحو فطري وتلقائي، مهما تأزمت واشتد تعقيدها؛ والصراع مع الذات يبقى هو المحرّك للسؤال الأبدي، من أنا كفرد؟ من نحن كجماعة؟

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي