loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

زيارة مكتبة

breakLine

زيارة مكتبة

أمبرتو إيكو/ كاتب ايطالي

 

هكذا إذن، لقد لاحظت خبرا في الجريدة يعلن صدور: "إذا حدث، ذات ليلة شتوية، أن مسافرا…)، وهو كتاب من تأليف كالفينو، الذي لم ينشر كتابا منذ سنين عديدة، وقد ذهبت إلى المكتبة واشتريت الكتاب، فحسنا فعلت.

وإنك تنظر إلى واجهة العرض في المكتبة، فلا تلبث أن تتعرف على الغلاف الذي يحمل عنوان الكتاب. وإذ تنساق وراء هذه القافلة البصريَّة، فإنك تسلك طريقت، مضطرا، عبر المكتبة، مجتازا متراس الكتب التي لم تقرأها. وهي تنظر إليك شزرا من وراء المناضد والرفوف، محاولةً ترويعك، لكنك تعي أنه ينبغي عليك ألا تجعل الفزع يتسلل إلى نفسك، فهناك أفدنة وأفدنة من الكتب التي لا تحتاج إلى قراءتها؛ الكتب التي وُضعت لأغراض لا تتصل بالقراءة؛ الكتب التي تُقرأ حتى قبل أن تفتحها، فهي تنتمي إلى فئة الكتب التي تُقرأ قبل أن تُكتب. وهكذا، تجتاز الحزام الخارجي للمتاريس، لكنك تُهاجم، حينها، بكتيبة مشاة الكتب التي ستقرأها، حتما، لو امتلكت أكثر من حياة واحدة. لكن أيامك، لشديد الأسف، معدودة، فتتجاهلها، عبر مناورة خاطفة، وتتحرك نحو الكتب التي تتوجب عليك قراءتها أولا؛ الكتب باهضة الثمن، التي يتوجب عليك الانتظار حتى تكسد، والكتب نفسها حين تصدر بغلاف ورقي، والكتب التي يمكن أن تستعيرها من شخص ما، والكتب التي يقرأها الجميع فكأنك قرأتها. وإذ تتحاشى هذه المجموعات، فإنك تخرج من تحت أبراج القلعة حيث تتربص بك مجموعات أُخرى؛ الكتب التي نويت قراءتها منذ سنين طويلة، والكتب التي حاولت اصطيادها منذ سنين، ولم تفلح في العثور عليها، والكتب التي تتناول موضوعا تعمل أنت عليه في الوقت الحاضر، والكتب التي تريد اقتناءها كي تكون في متناول يدك إذا احتجت إليها، والكتب التي تركتها جانبا كي تقرأها، ربما، في الصيف القادم، والكتب التي تحتاج أن تلحقها بالكتب المعتلية فوق رفوف مكتبتك، والكتب التي تملؤك بالفضول المدهش وغير المعلّل والعصيّ على التسويغ.

والآن، لقد كنت قادرا على تقليص ما لا يحصى من القوات المقاتلة إلى جماعة كبيرة من الجند، لا ريب، لكنها ذات عدد محدود ومحصى. لكن هذا الارتياح النسبي لا يلبث أن يزول بسبب الكمين الذي تنصبه الكتب التي قرأتها منذ زمن بعيد، وحان الوقت لتقرأها من جديد، والكتب التي ادّعيت، دائما، أنك قرأتها، وقد جاءت الساعة التي تجلس فيها لتقرأها حقا.

ثم تندفع، بصورة متعرجة فتتخلص منها، وتثب رأسا إلى قلعة الكتب الحديثة، التي تروق لك موضوعاتها وكتابها. وبمقدورك أن تُحدث، حتى داخل هذا الحصن الحصين، بعض التصدعات في صفوف المدافعين، وذلك بتقسيمها إلى كتب جديدة للمؤلف أو كتب جديدة على مستوى الموضوع، وإلى كتب غير جديدة (بالنسبة إليك أو بصورة عامة) وكتب جديدة للمؤلف أو مجهولة تماما على مستوى الموضوع (بالنسبة إليك على الأقل). وأنت تقسمها، كذلك، عبر تحديد ما تنطوي عليه من الجاذبية المبنية على رغباتك وحاجاتك المتعلقة بما هو جديد وغير جديد (فأنت تبحث عما هو غير جديد في الجديد، وعن الجديد فيما هو غير جديد). 
ويعني كل ذلك، ببساطة، أنه بعد أن ألقيت نظرة عجلى على عناوين المجلدات المعروضة في المكتبة، انعطفتَ نحو أكداس من نسخ: "إذا حدث، ذات ليلة شتوية، أن مسافرا…" الخارجة لتوها من المطبعة. وقد تناولت نسخة منها وحملتها إلى الكاشير كي يتحقق من حقك في امتلاكها.

 

 

*كتب إيكو هذا المقال عن الفصل الأول من رواية (لو أن مسافرا في ليلة شتاء) لإيتالو كالفينو.
* هذا المقال من كتاب أومبرتو إيكو (لا نهائية القوائم)

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي