loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

عاشقٌ بابليٌّ لامرأة فرعونية

breakLine

 

 

عادل حمدي الشرقي || كاتب عراقي

 

أولى ترانيم الكاتبة المبدعة د.  إيمان مهران في كتابها الموسوم ( ترانيم في الحب من النيل للفرات ) الصادر عن مكتبة الأنجلو المصرية في مصر ، كانت بعنوان ( وردة بابل ) .
والوردة الحمراء هنا رمز ودلالة زمكانية ، تبعث عطراً أخّاذاً يفوح ويعبق من بابل ، وبابل هنا تعني بلاد الرافدين كلها ، بما تحمله من حضارة عريقة قديمة ظل عبقها يملأ أرجاء الأرض عبر العصور والدهور ، ووردة بابل تشير هنا إلى إنسانها الممتدة جذورها فيه ، والمتفرعة غصونها في كل خلية من خلايا جسده ، ولأن الوردة البابلية هذه ، قد ظل أريجها يفوحُ منتشراً من تخوم بابل حتى قمم الأهرامات وسفوحها ، لتنتشي بها الآلهة البابلية والآلهة الفرعونية القديمة في مصر الكنانة في آن واحد ، فقد كان لوقعها عند تلك الحبيبة كبيراً وأثيراً أيضاً ، غير أن تلك الوردة البابلية قد سقطت منها فجأة وهي تطير بجناحيها ضاربة نفحات الريح بحرارة الشوق المتسربل في الجسد الحالم ، أو لعلها قد ضاعت في غياهب الزمن القصير الذي جمعهما ، فالتقطها طفل كان في طريقه لصعود طيارة للسفر مع أمه ، وهكذا يتبدد الحلم الكامن في القلوب ليتناثر  عطر وردته في فضاءات مجهولة المكان والزمان .

وإذا قررنا أن نتأمل سريعاً ما جاء بالترانيم التي سبقت الترنيمة الأخيرة والتي حملت إسم الكتاب ، فإننا سنقف عند انثيالات رومانسية عذبة  ،كانت تمثل رسائل ولقاءات حميمة وأشواق ملتهبة كانت تتبادلها الحبيبة مع حبيبها ، وكانا يفيتنفسان عبير تلك اللقاءات التي كانت تختلط فيها المشاعر بالغزل والتحليق في فضاءات الشعر وعوالم ساحرة فيها شبه كبير من تلك التي تحدثت عنها شهرزاد للأمير شهريار في رواية ألف ليلة وليلة ، إذ  كانت الصور الشعرية تمثل صلة الوصل بين تلك المرأة  الحالمة وذلك الفتى العراقي القادم من تخوم بابل وجنائنها المعلقة .
ولهذا فسأقف عند الترنيمة الأخيرة التي اتسمت بانعطافات كثيرة كانت تشكل ملامح تلك العلاقة القلقة والقابلة للتشكيل الحلمي الساحر ، والانهيار السريع لذلك الحلم  في  آن واحد ، فالعاشقان من بيئتين مختلفتين ، ويحملان مخزونا هائلا من التراث التاريخي والإنساني ، والتقاليد والأعراف والعادات المجتمعية المختلفة ، غير أن نهر الحب الجارف بينهما كان يجري بطريقة تجعل تلك العادات والتقاليد تكاد تتلاشى أمام لحظات الاشتعال في المشاعر ، كما أن تلك العلاقة بين الفتى القادم من بلد صارت تتنازعه الظروف القاسية في بلاد ما بين النهرين ولاسيما بعد الإحتلال قد تركت أثرها عند الحبيبة ، فأثارت فيها عاطفتها ، وحركت وجدانها ، وزادت من تعلقها بهذا الفتى العراقي الذي كانت تراه ضحية لتلك الأحداث الدامية ، فقربته من فضاء قلبها وشاركته تلك المأساة ، كما أن شعورها بالوحدة  قد جعلها تتهادن مع نفسها وتتخلى عن بعض من شروطها في قبول هذا الفتى فهي وريثة تأريخ فرعوني وملحمي عريقين ، ومن سلالة لا تسمح للمرء أن يقبل بالانصياع لرغباته على حساب ألق وبهاء تلك المعالم والآثار الخالدة ، ثم أن الرجل الشرقي يمتلك القدرة على الدخول إلى قلب المرأة في شتى الأساليب ، ومنها الكلمة المعسولة التي أبهر بها الفتى الشاعر حبيبته فجعلها تذوب فيه ليعبر تلك القناطر الريفية إليها ، فتقع في شباك قلبه ، متمثلة بالنصوص الشعرية التي تفيض بالحب العارم ، فقد كانت وراء هيامها فيه ، وزادت من حالة الوجد والوله فيها فصارتا تتلبسان روح الحبيبة ليبدو وكأنه فارس أحلامها الوحيد الذي لا مثيل له في هذه الدنيا ، ثم صارت تلقي عليه من ظلال تلك الأساطير القديمة الشيء الكثير مما جعلها وطنا يسكن فيه ، ويطلق فيه ضحكاته العالية ، ويقيم طقوسه الروحية والعاطفية في أرجائه .
.
إن الترنيمة الأخيرة كشفت لنا كل الأبعاد التي كانت تبني وتؤثث تفاصيل تلك العلاقة التي يشعر القاريء بأن نسغها لن يستمر طويلاً  ، أما إدخال بعض النصوص الشعرية المقتبسة هنا وهناك كي يكونا عونا لبناء صرح تلك العلاقة وتجسيد حالة الحب بينها وبين حبيبها ، فهما من باب محاولة تهويلها كي تكون سببا لرسم صورة العشق الصوفي الذي كان يهيمن على الحبيبة ، ذلك أنها امرأة  عفوية ، سرعان ما تشرع أبواب قلبها للطائر الذي صار يحلق ويغرد ويضرب بجناحيه ، كل ما يهبُّ به من نسائم روحها العطرة التي يعصف فيها الحب العارم .

يا عراقي يا واضع القوانين وقاهر الفرس
يا بن قلعة العروبة ..يا بن العباسيين..يا بن البصرة والكوفة
يا بن الغناء والشعر وخطوط ملأت بها عمائر الأرض
يا بن بابل وحدائق علقت عيون العالمين. 
أنظر إلى حالة الخلط بين التأريخ وإلقاء ملامح الوطن الجميل على ذلك الفتى المعشوق ، وكأنه صانع كل شيء ، وإذا جردناه من صلته بتلك المعالم ، سيصبح إنسانا عاديا قابلاً للكشف ، مهما امتلك من عناصر القوة في شخصيته وكيانه ، ومهما بلغت عبقريته وقدرته الشعرية كي تكونا وسيلتين قادرتين على اختراق قلب حبيبته والاستيطان فيه .
ولا أدري هنا ، هل كان موت الحبيب في حادثة انفجار حصل في العراق ، أم أن الكاتبة  أسقطت عليه فكرة الموت في انفجار سيارة أودت بحياته ، إذ أن القاريء يشعر فجأة أن كل شيء قد انتهى بحدوث هذه المأساة التراجيدية ؟ .
بكيت فيك عمري ومستقبل بلدان سقط أشرافها على أبواب وهمية
بكيت فيك قدسي وبغدادى ودمشقى وتونسى وطرابلسي وعدني وقاهرتى التى تحمل فى جوفها البطل المنتظر
بكيت فيك حبي وأيامي ومستقبل رجل سأحمل اسمه ما دمت حية

وداعاً يا من كانت أشعاره تكشف خبث الساسة المخادعين
وداعاً يا من كانت أبياته المكتوبة موزونة أكثر من جرائدنا المهزومة

وداعاً قلبي وعيني وفؤادي ..أنت قدرى فى الخلد
سأحيا لنطفتك التى أحملها ليتحقق حلمك من بعدك

عذراً شاعري ، فبعدك لا يحلو لي الليل ولا بعدك قرط
فظلك على وجنتى وشمٌ أتحسسه خليلاً في  ليالي السهر
فى بلاد طافت فيها  ترانيم الأنين تئن شرقاً وغرباً
من ضفتي النيل الحزين لأرض فراتي الأسير
أرسل ترانيمى الحزينة فيك
من النيل للفرات.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي