loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

عفواً، أنا أكذب

breakLine

عفواً، أنا أكذب

لمياء المقدم / شاعرة وصحفية  ومترجمة من تونس

 

كثيرون مازالوا يعتبرون الكذب حلا للمشاكل، رغم التطور الذي شهدته العلاقات الإنسانية والمترتب، بدوره، على تطور المعرفة لدى الضالعين فيها.

ورغم أن الجميع اليوم يعي أن الكذب ليس خيارا مطروحا على الإطلاق، وإصرار البعض على اعتباره واحدا من الخيارات المتاحة للخروج من أزمة أو للتغطية على ثغرات معينة أو لتجنب العقاب أو لتحقيق مكاسب، فإنه في الحقيقة إصرار، مقصود أو غير مقصود، على التعامل وفق منطق بدائي خاطئ، فلا أحد اليوم، وهو على هذه الحال من الوعي والحرية والمسؤولية، بمقدوره أن يتقبل مرضا كالكذب في علاقته بالأطراف الأخرى.

لماذا يجب أن نتوقف عن الكذب الآن وقبل أي وقت مضى؟  لأن علم النفس الحديث يصنف الكذب اليوم على أنه مرض واضطراب في الشخصية. انتهى الوقت الذي يتم التعامل فيه مع الكذب على أنه صفة قبيحة أو سلوك غير مسؤول أو غيرهما من التقييمات الأخلاقية، ليدخل مرحلة التصنيف الإكلينيكي. فهؤلاء الذين يكذبون باستمرار يحتاجون إلى تلقي علاج وتقويم نفسي.

يصنف الكذابون إلى صنفين: صنف يدرك أنه يكذب، وهو في الغالب غير مجبر على الكذب، ولا يوجد سبب قهري مباشر يدفعه إليه ولكنه يكذب لتحقيق مكاسب ما، أو ادعاء ما ليس فيه، وضمن هذا الصنف المصابون بمرض تضخم الشخصية، والنرجسيون، والطامحون إلى مناصب ومكانة اجتماعية عالية يرون أنهم جديرون بها. وهؤلاء، يتعاملون مع الكذب على أنه وسيلة لتحقيق أهداف محددة، وعلاجهم ينبع من حرمانهم من بلوغ هذا الهدف، وإقناعهم بأن الوسيلة التي يستعملونها خطأ، وأن بإمكانهم بلوغ نتائج أفضل إذا توخوا طرقا سليمة. وصنف لا يدرك أنه يكذب، بسبب اختلاط الفانتازيا والخيال لديه بالواقع، بحيث يصعب الفصل بينهما. وكلا الصنفان يعاني من اضطراب وخلل يستدعي العلاج، ويطلق علم النفس على هذين الصنفين تسمية “اضطراب الشخصية اللااجتماعي” أو ما يمكن اختصاره في بسيكوباتي.

يبدأ الكذب الإلزامي (الصنف الثاني) عادة في سن مبكرة لدى الأطفال مع محاولات جلبهم للاهتمام إما عبر اختلاق قصص وأساطير للحصول على التقدير والانبهار، أو للتغطية على الأخطاء والنقائص التي تحول دون تقبلهم من قبل المجموعة، ويكبر مع تقدمهم في العمر، ما يعني أن التدخل المبكر مهم جدا في هذه الحالة، حيث يتوجّب على الأبوين تحمل مسؤولية تصحيح هذا السلوك، وأول خطوة لفعل ذلك هي رفضه بشدة.

غاية هذا النوع من الكذب هو الحصول على السيطرة المطلوبة، فهؤلاء الأشخاص يعتقدون أنهم يسيطرون على الوضع بشكل أفضل عندما يكذبون وتشعرهم أي محاولة لإجبارهم على قول الحقيقة بالقلق والتوتر.  ويتميز هؤلاء الأشخاص بالكذب غير المبرر أو الذي لا يهدف إلى تحقيق مكاسب معينة، كأن تسأل أحدهم: هل تعرف الفيلم الفلاني؟ فيقول نعم!

ويمنح الكذب هؤلاء الأشخاص شعورا بالراحة والأمان، فيحسون أنفسهم داخل جدران صلبة ومتماسكة، فإذا أجبروا على قول الحقيقة -وبالتالي على هدم الجدران التي تحيطهم وتشعرهم بالأمان- تحولوا إلى أفراد عدائيين، قلقين، وسارعوا إلى إعادة بناء الجدران مجددا بأكاذيب جديدة، وقد يصل الأمر بهؤلاء إلى الكذب حول بديهيات لا تستوجب الكذب على الإطلاق كأن يكذب أحدهم بخصوص أكلته المفضلة مثلا.

مؤكد أن كل واحد منا تعرض لموقف استعان فيه بالكذب، فعندما تتأخر عن موعد لأنك لم تستطع النهوض في الصباح، تفضل أن تدعي أن سيارتك تعطبت على أن تقول الحقيقة، غير أن التركيز الذي توليه أساليب التربية الحديثة لمتلازمة الكذب، وتصنيفها تصنيفا إكلينيكيا، والتوعية بمخاطرها على تكوين الشخصية جعل الكثيرين ممن يعانون من هذا المرض يتجهون نحو طلب العلاج بشكل طوعي، وخاصة إثر اقتناعهم بأن الأمر خارج عن سيطرتهم وأنهم مرضى يستحقون العلاج. “عفوا أنا أكذب” عبارة أسمعها كثيرا في محيطي، وهي عملية تقويم آلية للانزلاق نحو الكذب، وقد استغربت كثيرا في بداية الأمر كيف أن أحدهم يقطع كلامه فجأة ليخبرني بأنه يكذب، ثم يعود إلى أول الجملة ليصححها. اليوم أستعمل بدوري هذه الجملة الواعية والمسؤولة كلما ضبطت نفسي أكذب أو أغير حقيقة ما مهما كانت صغيرة وتافهة، فالقصد في النهاية هو تنقية كلامنا وشخصياتنا وسلوكنا من كل ما هو مزيف ووهمي ويسيء إلينا.

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي