loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

فينومينولوجيا الوجوهُ حفرياتٍ في سطوحِ البورتريه

breakLine

 

 


• خليل الطيار – كاتب وفنان عراقي

الجزء الأول 
تأسيساتٍ تعريفيةً

" الوجه هوَ السلطةُ التي تملي ذاتها علينا ولا نستطيعُ قتلهُ " 
إيمانويلْ ليفيناسْ

( البورتريه ) كلمةً فرنسيةً الأصلِ وتلفظِ إنكليزيا ( Portrait ) وتعني فنَ تجسيدِ الأشخاصِ سواءٌ كانَ بالرسمِ أوْ بالنحتِ أوْ بالتصويرِ ، والقصدُ منْ ذلكَ هوَ عرضُ نسخةٍ مطابقةٍ للشخصيةِ ، ولهذا يعرفُ البورتريه ب " الصورةَ الشخصيةَ في وضعٍ ثابتٍ " . وظهرتْ أولُ علاماتهِ في مضمار الرسمْ على أيدي أشهرٍ (المصورينَ) الرسامينَ الأوائلِ منْ مشاهيرِ الفنِ الهللينيِ في القرنِ الثاني الميلاديِ . بكونهِ فنا يرتبطُ بالجذرِ الدينيِ والطقسيِ في تجسيدِ وجوهِ الموتى . ثمَ تجاوزَ حاجزُ المنعةِ الدينيةِ لينشغلَ البورتريه في تصويرِ وجهِ السيدِ المسيحِ والسيدةِ العذراءِ والقديسينَ . لتمثيلِ قصصِ الخلاصِ . 
وأبرزَ ما تركهُ التاريخُ لنا منْ علامةٍ لفنِ البورتريه هيَ إنجازاتٌ غيسيبي أرسيمبولدْ المولودَ في ميلانو الإيطاليةِ العامِ 1527 الذي تعدْ بورتريهاتهْ المسماةَ بالفصولِ الأربعةِ أحدُ أبرزِ علاماتِ وتأسيساتِ فنِ التصويرِ والرسمِ بالبورتريه ما زلتْ شاخصةً في أشهرِ متاحفِ العالمِ .

ذاكرةُ الوجوهِ

عد ( البورتريه ) مجردَ اصطلاحٍ لحجمِ تعارفٍ عليهِ المصورونَ الحرفيونَ والمخصصُ للتوثيقِ ، سواءً لتثبيتِ معالمِ الشخصِ في الوثائقِ الرسميةِ أوْ اختيارهِ كمساحةٍ ( ترفٌ ) يتقصدها الأفرادُ بدوافعِ نرجسيةٍ لتسجيلِ مرحلةٍ عمريةٍ تؤرخُ فيها حالاتُ الزهوِ والإشراقِ قبلَ تراكضِ سنواتِ العمرِ وذوبانِ جاذبيتها . فلا يخلو دار إلا ورفعتْ في صالوناتهِ بورتريهاتٍ استذكارية للآباءِ والأجدادِ والأبناءِ وهيَ صورٌ يجيدُ صناعتها المهرةَ منْ المصورينَ المتخصصينَ بهذا النوعِ منْ التصويرِ لحاجتها إلى زوايا نوعيةٍ وتوزيعٍ ضوئيٍ مدروسٍ ، مرورا بإخضاعٍ الشريحةِ الفيلميةِ لعملياتِ رتوشٍ لإضافةِ نضارةٍ للوجوهِ وتحسينِ جمالها مما ينمي الرغبةَ لتكبيرها وتعليقها والاحتفاظِ بها وسطَ انتعاشٍ نفسيٍ واسترخاءِ حياتيٍ واقتصاديٍ . 
كما ساهمتْ الحروبُ القذرةُ لتضيفَ للبورتريه قيمةً أخرى منحتهُ رخاءً لمنسوبٍ جماليٍ احتضنَ آلافا منْ وجوهِ الجندِ الذينَ غيبتهمْ الحروبُ واستشهدوا في معاركها العبثيةِ وبقيتْ بورتريهاتهمْ دالاتٍ استذكارية ترفعَ على أعمدةِ الشوارعِ أوْ في البيوتِ أوْ على شواهدِ القبورِ . كلُ ذلكَ كانَ يحصرُ تنفيذَ فنِ البورتريه في داخلِ الاستوديو لحاجتهِ إلى متطلباتٍ فنيةٍ خاصةٍ .

منْ التوثيقِ إلى الاستثمارِ

معَ تطورِ مجساتِ الصورةِ وتوسعةِ الثقافةِ البصريةِ وزيادةُ تأثيرِ حجمِ التقنياتِ الحديثةِ التي غنمها فنُ التصويرِ الفوتوغرافيِ مكنَ المصورينَ منْ أنْ ينتقلوا بفنِ البورتريه منْ حالةِ التوثيقِ والترفِ النرجسيِ إلى مجالِ الاستثمارِ الجماليِ ، والاشتغالُ عليهِ كأحدِ أدواتِ السبرِ والتعبيرِ ومحاولةِ الاقترابِ والولوجِ في تفاصيلِ الوجهِ الإنسانيِ واستثمارهِ بكونهِ دالةً سيميائية وقيمةُ جماليةٌ تعبرُ عنْ الإحساسِ بالألمِ والفرحِ والبوحُ عنْ حالاتِ ومشاعرِ الإنسانِ ومعاناتهِ وكشفَ تأثيرُ العوالمِ المحيطةِ بهِ والتي كثيرا ما تعكسها تعابيرُ الوجوهِ ومفرداتِ الجسدِ مكنَ فنُ البورتريه أنْ يستحوذَ على محورٍ مهمٍ منْ محاورِ الاشتغالِ الفنيِ لدى مشاهيرِ المصورينَ العالمينِ كرستْ لهمْ أجنحةٌ خاصةٌ لعرضِ إنجازاتهمْ المؤثرةِ في عالمِ التصويرِ برزتْ تباشيرها في أعمالِ المصورِ العالميِ يوسفْ كرشِ التي أسستْ لمناخٍ جديدٍ للبورتريه وكذلكَ أعمالُ ستيفْ ماكوري المعاصرةَ التي أعادتْ البريقَ للبورتريه بنكهةِ الألوانِ وكذلكَ أعمالُ أريكْ لافورجي ، جوويلْ سانتوسْ ، فيلُ بورجيسْ ، ماني لبيردو ، لي جيفريزْ ، وكذلكَ أعمالُ المصورِ ريهاهنْ وديفيدْ لازارْ وأعمالُ المصورةِ المتميزةِ ليزا كريستينْ وغيرهمْ منْ المصورينَ الذينَ اشتهروا بهذا اللونِ منْ التصويرِ وتركتْ اشتغالاتهمْ على الوجهِ الإنسانيِ علاماتٍ مهمةً في المشهدِ الفوتوغرافيِ العالميِ .

فلسفةُ البورتريه

" كلَ شيءٍ مخفيٍ فينا إلا وجوهنا ، فهيَ مكشوفةٌ "

شكلَ البورتريه أحدَ دعائمِ تأسيسِ فنِ الفوتوغرافيا ، فهوَ أولُ انتباهتهِ وآخرها منذُ أنْ تركَ الإنسانُ الأولُ علامةَ وجوهِ الكائناتِ على جدرانِ الكهوفِ تطهيرا منْ المخاوفِ أوْ منْ خلالِ رسمها على التوابيتِ كما هوَ اعتقادُ الفراعنةِ بانَ رسمها وتجسيدها يساعدُ " لتتعرفَ الروحَ على جسدها " وهوَ آخرٌ انتباهةِ البصرِ عندما يسجلُ الإنسانُ اقتناصتهْ الأخيرةَ لوجهِ الحياةِ . واعد البورتريه معيارَ الفوتوغرافيا الفلسفيِ لفهمِ الذاتِ الإنسانيةِ ، فكلُ شيءٍ مخفيٍ فينا إلا وجوهنا فهيَ مكشوفةٌ تكتبُ على صفائحها المواقفَ والمشاعرَ والمداركَ ، أنها مرايا أرواحنا تنعكسُ فيها مخلفاتُ جدليةُ الحياةِ وقيمتها وثمرتها على الإنسانِ . هذا الانحيازِ الفنيِ للوجوهِ تخطتهُ الفلسفةُ عندما أخضعتْ " الوجهَ " إلى قراءاتٍ معمقةٍ استبينتْ ماهيتهُ وعمقتْ مفهومهُ بكونهِ " السلطةَ التي تملي ذاتها علينا " ، كما تركتهُ لنا مرجعيةُ تنظيراتِ فلسفةٍ الفينومينولوجا أوما يعرفَ بالظاهراتية والتي نظر من خلالها العديدَ منْ المفكرينَ أبرزهمْ الفيلسوفُ هوسرلْ الذي عدَ الوجهُ " الطريقُ الموصلَ إلى فهمِ الحقائقِ الاجتماعيةِ ، كونَ الوجهُ في الفلسفةِ الأخلاقيةِ (الأتيقيا) تفرقَ بينَ تعابيرِ السلوكِ الصحيحةِ والخاطئةِ في الوجهِ الإنسانيِ وهوَ ما يذهبُ إليهِ العالمُ الفينومينولوجي إيمانويلْ ليفيناسْ بقولهِ " الوجهِ الذي أراهُ كلَ يومٍ هوَ كلُ شيءِ ما عدايَ ، لكنني جزءُ منهُ لأنني اعرفني فيهِ " . 
يؤسسَ لفيناسْ لمفهومِ " الكائنِ بكونهِ كائنا في علاقةٍ دائمةٍ معَ الغيرِ " وهذا الغيرُ يكونُ وجههُ أولَ نقاطِ عمليةِ اختراقهِ ، فهوَ يعدْ " مفهومُ الوجهِ بوصفهِ انعطاءْ مباشرا كسلطةٍ حاضرةٍ ودعوةٍ لشيءِ ما في نفسِ الوقتِ ، بكونِ أنَ الوجهَ الذي يحملُ وظيفةً مزدوجةً هوَ ما لا يمكنُ تجاهلهُ ، فعندما نلاقي الآخرُ كوجه هناكَ نوعٌ منْ الاغترابِ يحصلُ وحينُ نبتعدُ عنْ أنفسنا لكيْ ندخلَ في اتصالٍ مباشرٍ معَ السلطةِ التي اخترقتْ سكينتنا "

الوجهَ الغيريَ

تشكلُ الوجوهُ أولَ بواباتِ العلاقةِ معَ الآخرِ " الغيريِ " المغتربِ هذا الآخرَ مجهولَ البواطنِ والأسرارِ هوَ كتلةٌ غامضةٌ أمامنا وسنعثرُ على أولِ مفاتيحِ مغاليقها منْ بواباتِ الوجوهِ تبدأُ ملامحها وتعابيرها تبيحُ لنا الولوجُ إلى أولِ شفراتِ المعرفةِ والاقترابِ فيها وإنْ كانتْ كاذبةً ومصطنعةً ومخادعةً لكنها أفعالُ تحركِ الراكدِ منْ تواصليةٍ هذا الآخرَ . منْ هذهِ الزاويةِ يرى ليفيناسْ أنَ الفلسفةَ لا تبدأُ بعلمِ الوجودِ (الأنطولوجيا) ، بلْ بعلمِ الأخلاقِ (الأتيقيا) بكونِ أنَ المؤسسَ للأخلاقِ هوَ ما يحددُ طبيعةَ الوجودِ البشريِ برمتهِ ، بالتحديدِ في ترسيمِ علاقاتنا التي نمررها بوجوهنا لتستقبل وتستشعرَ وتتفاعلُ معَ وجهِ الآخرِ " بذلكَ يمكننا أنْ نحددَ وظيفةُ الوجهِ " بوصفهِ سلطةً وتوسل ونافذةُ وعيٍ ، هوَ تجلي الإلهَ بكونهِ سلطةً متعاليةً لا متناهيةً " 
هذا التأسيسِ الفينومينولوجي للوجهِ الإنسانيِ دفعٌ بالبورتريه لأنَ يدخلُ في دائرةِ الأطرِ المفاهيميةِ التي تؤسسُ لاشتغالاتهِ وتركتْ لهُ مكانةٌ متفردةٌ تجاوزَ مساحةَ التوثيقِ نحوَ التركيبِ الجماليِ ليتشكلَ الوجهُ بوصفهِ علامةً قادرةً على تأسيسِ مساحةٍ بصريةٍ ساردةٍ وشكلتْ أحدَ معالمِ جمالياتِ الفوتوغرافيا منذُ نشأتهِ الأولى وظلَ ملاصقا لأزمنتهِ المتعددةٍ الاتجاهاتِ والأساليبِ نحاول تركُ تأسيسٍ معرفيٍ لهُ يساعدنا على تعقبِ ما تركتهُ لنا اشتغالاتُ البورتريه في المشهدِ الفوتوغرافيِ العراقيِ وللموضوعِ صلةً…

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي