loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

قراءة حديثة للمجموعتين الشعريتين "بتوقيت القلب وتسابيح الوجع " للشاعر العراقي حسين السياب

breakLine

 

مفيدة السياري |ناقدة تونسية
                 

شاعر ضجّ قلبه من شروخ الوطن
تتباين الرّؤى من مبدعٍ إلى آخر وتعلو شهقةُ الخلق من شاعر إلى شاعر، لكن بريق النص وسط العتمة وسقياه للنفس الظميئة هو الذي ينادينا، فنلتفت ونراه.... 
والقراءة الحق للشعر ليست شرحا للنصوص وإنما تفجير لدلالاته المخبوءة كي نصل إلى التحفة الفريدة. تلك التحفة التي أنشأها الشاعر ونفخ فيها حروفه من ناره الكامنة فيه  لينضح شيء فريد مخصوص به. ببصمته التي تميّزه وأجراسه اللغوية والأسلوبية التي تشير إليه..
"كأنه علم في  رأسه نار"
الشاعر الذي نتشارك معه  فرحة عناقيد عرائشه  شاعر  لفت الذائقة وحركت قصائده بصدقها كلّ من أدرك رمال شاطئه وتلاوين فِجاجه. لاسيما ونزفه نزفنا وتوقه توقنا والطوق الذي أدماه أدمانا.. شاعر مسكون بالوطن ولا غير الوطن يجعلنا على قيد الحلم نرتشف مرارة، نتلوّى لوعة فنكتب.
هو شاعر يمشي على وجع فأين المفر ولا مفر غيرَ طين الحرف؟ ولامداد غير نهش الجرف، ولامهرب إلا للروح الملتاعة تنزف لنزف الوطن....
شاعرنا العاشق شفيف الروح ترامت أفنان بذاره وأينعت  قصائد حبّ لا يفتر.
هو المتيّم بالأم مدار القصائد في تشظيات مختلفة، يقول في كتابه " تسابيح الوجع" في تصدير هو فاتحة الكتاب
ومفتاحه :
 متيّم بكِ
مُذ ولدتني أمي
إلى يوم يبعثون

-ذاك الملتاع بحب جارف  ببغداد الجريحة 
يقول في بغداد:
كل مانسمعه 
من موسيقى 
هو شجنٌ حزينٌ..

الشعر انعكاس لإعتمالات الذات وموقف من الوجود وخفقة حرى لجناح الخيال تجعله يحمل رؤية وموقفا تجاه الوجود والموجودات ومن خلال مخيال فضائه الذي يتحرك فيه وهو لاحدود القصيد  يتنفس فندرك المسكوت عنه وتنضح الأوجاع الكامنة، نتلمس ذلك مثلا  في القصيدة
ص36 (عند غياب القمر)
فالحب يتلبّس روح الشاعر، يُطوّح به في الجهات.. تدميه النوازل وتتجاذبه النوازع: حب الحبيبة والوطن، وجيعة
جرح لا يندمل:

 أحببتكِ
بقلب أم
وعقل طفل
وروح أب
ودم شهيد..

-في العراق يمشي الشاعر "حسين السياب " يتوكّأ على الأمل يحلم بالحبيبة يذوب في جواها يتوق للظفر بها وقد ذوّبه التنائي وأسكره الشوق للقاء: فينشد تراتيله، يقول الشاعر:

كأنكِ الشمسُّ 
ثابتةٌ
وأنا الأرضُ أدورُ
وأدورُ حولكِ
وفي كلِّ مرةٍ
تتساقطُ مني
الذُّنوبُ..
لترتسمَ
في الفضاءِ
هالةً عظيمةً
تشبهُ عينيكِ
لكنها لا تغتفرُ..
أكلمك ليلتها عن عطرٍ
بلون الندى 
يُصلي على صدركِ
وصيفٍ ازرقَ يوزعُ
القمحَ الكثيرَ على 
مساء يديك
يا كُلي وقطعةَ سكرٍ..
اشتقتُ عينيك…

-يرقب خيبة الوطن ملتاعا من أزيز الواقع يتمرّغ في طين العراق ، يوقظ وجها مزهوّا… فلا تجيبه غير الأشلاء
 في أوراقه.
يلملم نصّه بكدمات الناجين واجتراحات المنكوبين ونكسة الضائعين والماشين وراء شهيد تلو الشهيد. نعم ألم يقل  الشاعر في القصيدة ص27 المعنونة ترانيم بغدادية
(في كتابه تسابيح الوجع)

لا ناي يُغنّي للحياة
 في بغداد 
كلُّ ما نسمعهُ
من موسيقى هو شَجنٌ
حزينٌ
ربابةٌ تتماهى 
مع أرواحٍ تعانقُ السماءَ
لتَلِد سمفونيةَ موتٍ
جنائزَ  تتبعُ  جنائزَ
ومشيعينَ يمارسون
أدوارَهم منذُ سنين..
على أكملِ  وجهٍ
ونساءَ يلطمنَ خدودهنّ وصدورهنّ
نائحات على وطنٍ 
يبكيهُ الله 
وترثيهُ الملائكةُ 
وأولياءٌ صالحونَ ينشدونَ
موشحات في الطريقِ 
الى مقبرة السلام ..
لا وقتَ للفرح
فالحزنُ زائرٌ كريم 
يجب أن نمنحهُ كلَّ الوقتِ
ونكونَ له أوفياءَ
على قدرِ اهتمامه 
بنا  وحبهِ  لنا ،
لا وقتَ للحبٍّ
فالموتُ يُحدقُ 
بِنا   بريبةٍ 
لا وقتَ لنحيا 
خارجَ أسوار هذا الوطن
الذي يُمسك بِنا 
مثلَ خيوطٍ  بيديه 
يشدّنا متى أرادَ
ويقطعُ الخيطَ حين
انفلاتِ القمر
لا وقتَ لي أنا ايضاً
فكلُّ ما يدورَ حولي 
مسكونٌ  بالوجعِ 
والندمِ 
رغم أنَي لا أزالُ 
أدورَ حولي
عكس اتجاهِ  الزمن!

الشعر من الشعور وهو حالة وجدانية وإنسانية بتأثر بالعوامل
المحيطة بالشاعر.. بالوصال والبين بالارتحال والانتظار بالفقد والظلم . هنا ندرك دور الشعر. فالشاعر يختلف عن الانسان العادي في تعبيره عما في ذواتنا وهنا نتذكر قولا مأثورا ليوسف ادريس : (أن تؤلف كتابا أن يقتنيه غريب في مدينة غريبة أن يقرأه ليلا أن يختلج قلبه لسطر يشبه حياته   ذلك هو مجد الكتابة)
-حين تتكئ على بقايانا شروخ الروح وتلفحنا  نداءات القهر وانكسارات الزمن الهارب دوننا نلتفت إلينا، إلى الضياع فينا ونحاول التمسّك بتعاريج  فكرة… كطير يرفرف تجاه مدائننا الحزينة تجاه أحضان الوطن نحييه ويحيينا  وها شاعرنا يحفر في الركام بتوقيت قلبه عنوان المجموعة الشعرية "بتوقيت القلب" المفعم حبا وصدقا، يواعد عشقا كبيرا يدق أجراس الحروف المستكينة ويشعل أقباس الأمل.
فالقلب مهما صَبّت جرار الزمان فيه الوجيعةَ  ومهما تجاذبته السيول لايرتوي إلا بتلك الحبيبة ولا يخطئ  في توقيته الذي قُدّ بنبل وحبّ وسمو ورهافة حسّ.  تدق ساعة المواعيد تذكّر بالفراق... بالشهيد بالزمن التليد.. بضحكة الوليد، بصفاء دجلة وإرث الفرات  سلسبيلا يروي مداد القصيد.. فتعلو فراخ الحروف في سماء لا تُحدّ، سماء الكتابة 
والمجد كل المجد للكتابة في زمن الغربان وضياع الفرسان ..
سار الشاعر في شارع فقد الشعور ففُقِد الإنسان. ليدق على أبواب الدروب وينحت هذا الكيان… كيان العروبة كيان ذاك الإنسان في زمن تشتّتنا داخل الأوطان. رهاننا للنجاة هو الكتابة. الكتابة رصاص يخترق قبّة الطغيان والكتابة  حياة وأفلاك بحر التصحّر وزمن الطوفان.
أستاذ حسين السياب هذا الصديق الصدوق شاعر رفيع العماد 
وإنسان شفيف  كسر حوله الأوتاد بتوقيت قلبه وعلا نشيجه الذي هو نشيجنا في تسابيح قُدّت من الوجع  وللوجع فينا ليقول أنه أكبر من هذا الوجع لكأنه جمع جماجم الأزمات والخيبات جبلا وبنى فوقه صومعته وركبت تسابيحه المدى وانطلق هدهده يركب الصدى.. ليقول أنا الشاعر الإنسان هنا 
من تعبي نسجت سجّادي لصلاة الخلق وأومأت لقلبي ليؤذّن عاليا… نعم نحن قوم  من رمادنا ونكساتنا وانتكاساتنا نرفع الرؤوس عاليا  مهما حاولوا قتل الإباء فينا.
شاعر كخفقة قلب لايقرّ على قرارٍ… تجذبه أحبال الحزن والحرقة حينا وأشرعة الأمل والخيال حينا. شاعر يبحث عن سكينة بين القصائد وعما يشفي جراحه، فلم يجد غير عبق الحرف.. شرّدته الآلام واحتوته سطور القصيدة.
شاعر ضجّ قلبه بتسابيح الوجع وعلى ضفة أخرى علت قعقعات الزيف وطبول الخنوع ونار الانصهار والبيعة لمن يعتلي الرابية..احتمى  واحتمينا معه بآخر الحصون  حين بنى قلاعه الشامخة بتوقيت القلب الذي لايخطئ.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي