loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

كذبة بلزاك قراءة في النسق الثقافي

breakLine
2023-03-16


 

علي سعدون || كاتب وناقد عراقي



لن نأتي بجديد ونحن نقرأ بعناية بالغة واحدة من دراسات مدونتنا النقدية العراقية المعاصرة (كذبة بلزاك للناقد صادق الصكر) ، الدراسة التي تتصدر " كتابه النقدي " الموسوم بذات العنوان . أقول لن نأتي بجديد عندما نقول أنها دراسة مهمة و رصينة ، تتوفر على رؤية واقعية لمجمل الإجراءات الأدبية في ثقافتنا .. هذه العتبة نستخدمها في كل دراسة تلفت انتباهنا وتقدم إشارة ما تفيد توجهاتنا ، تلك الفائدة ، على شحتها هي بالضبط ما نحتاجه ..
والسؤال الذي ينبثق هنا يمكننا اختزاله بالصياغة التالية : هل نحتاج إلى دراسات من قبيل كذبة بلزاك بالفعل ؟ منتجو النصوص العراقية على اختلاف مشاربهم  منافقون حد العظم إذا ما أفادوا بـ : نعم .. !! ، فأذا ما كانت كذبة بلزاك " كذلك "  فلماذا لم نر تصويبا لمسارات ثقافتنا .. تلك الثقافة المنمطة والأفقية والتي يتجذر فيها الوهم بمساحاته الشاسعة المعروفة .. لماذا لم يكتب أو يحاجج المعنيون من مساهمي إنتاج كذبة بلزاك أو متلقيها ..

الدراسة التي نحن بصددها الآن،  معنية إلى حد كبير بخلخلة الأنساق الثقافية للمنتج والمتلقي على حد سواء ، وقد مرت مرورا عابرا أسوة بالوهم .. لقد تطرقت الدراسة إلى أسماء بعينها على سبيل المثال لا الحصر ، والتعميم كان علامتها الفارقة .، أفهل يعقل أن نقوم بهجاء مجمل الثقافة العراقية وبالذات شقـّها الأدبي " الأكثر حراكا "  دون أن يجيبنا احد ؟؟ ، الأسئلة الأشد خطورة في كذبة بلزاك كانت تقوم على جمع المجمل من التجربة والقذف بها في أتون سلة مهملات ثقافية كبيرة كفائض قيمة ثقافي .. وهي الخطوة الأكثر جرأة في مدونتنا النقدية ، شاء من شاء وأبى مَن أبى ، طالما لم يدافع احد منا عن منجزات ثقافتنا الخربة !
أمام هجاء صادق الصكر لم أجد عزاء لي سوى عبارة سان جون بيرس : ( ينبغي أن يعاد كل شيء من جديد ، وان يمر منجل الحصاد على المحصول كله بلا استثناء).. الدراسة إذا مراجعة لنشوء الوهم وتجذره مثلما هي برؤية أخرى مراجعة لمؤثرات ذلك الوهم ..، لم تستثن الدراسة منجزا ثقافيا واحدا في تجربتنا ، الأمر الذي يمكـّننا من اكتشاف أولى عيوبها .. ما يدفعني إلى هذا القول هو الإيمان المطلق بوجود ثقافة عراقية تمتلك شيئا من الهوية ، شيئا من ردود الفعل بمقابل منظومة ضخمة من التخلف في الإيديولوجيات والعقائد  ، اتفق مع الصكر كثيرا فيما يخص ضعفها وتردي مساحات انتاجها للخارق من التدوين ، مثلما اتفق مع الناقد بعدمية تأثيرها في الحياة .. ذلك أن الحياة التي تنطوي على بنى التخلف المتضخمة قادرة على لفظ النتاج الثقافي باعتباره ترفا فكريا زائدا عن الحاجة وغير قابل للاستهلاك بتجسيد للفصام بين الحياة ووسائل التعبير عنها ..

كثيرون منا يرفضون التعمية والتضليل والوهم أسوة بالناقد الصكر  ، لكن كم منا عمل على تغيير بنية اجراءاته الثقافية بمقاييس الذات والحياة وصولا إلى أسئلة الجدوى من كل هذا الخراب .. كم منا من وقف بوجه العصف المهول لتيارات التخلف التي تجوب ذواتنا فتسحقها لتنتج أدبا رديئا يسميه الناقد فائض قيمة ثقافي يتراكم على مر عصور الخسران ، النقد الثقافي الذي يتكيء عليه الصكر في طروحاته يكشف تلك العيوب فيظهرها انساقا أخرى تتحرك بموازة انساق المعرفة والحياة .. في كذبة بلزاك نرى مفهوم النقد الجديد وهو يشرّح بقساوة جسدا يقع في منطقة للمعرفة نسميها الثقافة العراقية - تسمية أو ادعاء - لا فرق بينهما على الإطلاق ، ذلك أن الدراسة المهمة والمعنونة (كذبة بلزاك) تؤكد انزياحا خطيرا في الإجراء النقدي سيقوم باستبدال المنتج ثقافيا على مدى خمسة عقود على الأقل بثقافة مستترة لا احد يشير إليها وهي التخلف الثقافي بالغ الأثر ، بل بالغ الخسارة .. وهي نتيجة إذا ما انتبه إليها النقد العراقي باعتبارها ظاهرة من ظواهر اجراءاته الحرجة سيصل حتما إلى عملية قطع كبيرة في تقاليد الكتابة الأدبية والثقافية في العراق .. ذلك القطع الذي سيتدافع حتما لتصويب مسارات متعددة في حياتنا وثقافتنا ونظرتنا للمستقبل ..
لاشيء يعادل مرارة الاطلاع على المحنة الكبيرة في كذبة بلزاك ، تلك التي يقترفها صادق الصكر بدم بارد وكأنه يتحدث عن خسارة وتلف محصول ما ، لهذا سيقف كثيرون عند عتبة الفضيحة الثقافية التي يشير لها الصكر ، ربما ليس الآن ، سيتحقق ذلك حتما عندما تترسخ تقاليد حقيقية في الكشف عن عيوب ثقافتنا وتصويبها ..

بعد هذا التقديم لا أجد حرجا بأمتداح دراسة نقدية أود مخلصا أن يتنّبه إليها نقدنا المعاصر ، هذه التجربة التي اتفق مع خطورة طرحها ، وحراجة توقيت التفكير فيه . إننا بالفعل بحاجة إلى دراسات من قبيل كذبة بلزاك ، بحاجة إلى هزات عنيفة توقظ ما هدأ من انساق السكون في تجارب أدبنا وثقافتنا ..
اتفق مع الناقد في كل " بلزاكه " الصادق والكاذب ، ولا اختلف معه إلا بنقطتين ألخصهما بما يلي :
أولا / يورد الناقد الصكر أمرا لا يمكننا استساغته بسهولة ويسر استنادا لحقائق تاريخية متنوعة  ومختلفة تفيد بان الواجهة الإسلامية اليقينية في الثقافة العربية والعراقية وان لم يسمها صراحة  تقف بموازاة  خطاب علماني هش وملفق على حد تعبيره ، والحال هذه نعدها قراءة مقلوبة بسبب  إن الهشاشة والوهن الذي يشمل الثقافتين على حد سواء كمرض من أمراض ثقافتنا بتباين واضح يختص بالخطاب الآخر الذي يقف بالضد من التوجه العلماني - المغلوب حتف انفه- ، إذ تتمثل السطحية والضعف غالبا في الخطاب الآخر لنزوحه المزمن نحو التعبئة كشكل منفر يذكرك بالخطابات الداعمة للديكتاتورية .. والتي تشيد برموزها بطريقة تبدو لفاحص تلك الثقافة أنها تعمل على ترسيخ الثيوقراط ..

في حين ينفتح الخطاب العلماني ( حامل المرض ذاته / مرض فائض القيمة الثقافي )  إلى مجالات أوسع واشمل وأهم في تفاصيل الحياة لاسيما في الرواية وفي موضوعة البورنوغرافيا على سبيل المثال والأهمية .. والتي لا ينفك الخطاب الثقافي الإسلامي عن رؤيتها بعين الانحراف والابتذال .. النقد الثقافي بوصفه منهجا يقرأ النتاج الثقافي بمحرضات إيديولوجية وسوسيو ثقافية لن يكون بمقدوره مقياس سمو وانحطاط النص الأدبي إلا بمعونة الانفتاح على العالم ، والانفتاح على العالم جزء من متطلبات الخطاب العلماني وليس من متطلبات الخطاب الديني التقليدي .. بمعنى إن العلمانية انفتاح بالضرورة لا يعترف بمهيمنات ايديولوجية أو عقائدية ، بينما الخطاب الديني ( الأصولي ) بحسب إشارة  الناقد ، محكم ومنضبط ولا ينفتح إلا بتوجيه وتبعات عقائدية .

ثانيا /  يشير الناقد الصكر إلى عدم أهمية انتصار الثقافات أحداها على الأخرى ، فيعين غيابها في المتن وحضورها في الهامش ، والعبارة هنا تحتمل معنيين : الأول يسير وسهل بفهمنا له باعتباره إهمال ثقافي من منتجي الثقافة العراقية / ذلك الإهمال المفرط الذي نتفق مع الناقد في الكثير من حيثياته والتي تصل حد المرض الخبيث ، الأمر الذي دفع بتجربة الثقافة العراقية إلى التناسخ والتكرار العجيب .. والمعنى الأول هنا قد لا يكون في مقصديات الناقد وان كان من محرضات عبارته .. لكن الذي يهمنا بالدرجة الأساس معنى آخر تدفع به العبارة إلى خطورة التقليل من صراع الثقافات ( الحضارات ) بحسب صموئيل هنغتيون متناسيا إن الاحتفاء بالعقائد والايديولوجيات وتغليب بعضها على بعضها الآخر يعزز مفهوم الصدام ويرتفع به من منطقة الهامش إلى منطقة المتن ، وهو ما يحصل اليوم بنفض الغبار عن العقائد والثقافات وزجها في بوتقة احتقان وغليان ثقافي وفكري لم يهدأ ولن يهدأ بحسب مؤشرات واتجاهات ثقافات الشعوب خاصة العربية منها .. فضلا عن مؤثراته النصوصية ..
في كذبة بلزاك وعلى مدى عشر صفحات لا وجود البتة لأنعكاس حقيقي لأيديولوجيا أو لعقيدة على مجمل المنتج من الثقافة العراقية – وهو أمر خطير بتقديري الشخصي - .. فقد نتفق مع الناقد على إن نتاج الثقافة العراقية منذ السبعينيات إلى الآن يخضع لكم كبير من الوهم والتشظي ، لكننا لا نستطيع أن نعدم انعكاس الوقائع المروع لما حفلت به تلك السنوات ، وللتذكير أقول هل نستطيع نسيان الأدب الاشتراكي وجذوره الشيوعية في ستينيات الأدب العراقي مثلا ، هل نستطيع تجاهل أدب الثمانينيات في القصة العراقية " الكوميديا السوداء" مثلا .. قصيدة النثر بتورياتها ومشاكساتها المعروفة في الثمانينيات والتسعينيات ... الخ ، ما أريد أن اخلص إليه هنا ، انه ثمة تواشج ضعيف بين الإيديولوجيات والعقائد وضغط الحياة وبين المنتج من النصوص ، نعم تواشج ضعيف لكنه تواشج من نوع ما ، انعكاس للحياة يتمثل بنماذج قليلة مشرقة في ثقافتنا .. بالرغم من انه تواشج سيء ومكرر ومتناسخ .. لا يمكن تغييب الصراع الذي يشير إليه الناقد كما لا يمكن التقليل من أهميته بجعله هامشا ، انه متن مهم وشاخص شئنا أم أبينا ..

إن ما يجعل الملاحظات أعلاه غير واضحة في الدراسة قدرة الناقد الصكر على المباغتة الحادة في هجاء قل نظيره للثقافة العراقية ، وهو هجاء ينطلق من مسوغات واقعية كان لها من الالتماع الحظ الأوفر مقارنة  بخفوت الاجترارات التي نوهت عنها بالنقطتين المذكورتين .. والتي لن تقلل بأي حال من الأحوال من قيمة بحثه الموسوم كذبة بلزاك لجديته وأهميته في نقدنا المعاصر .. ها انذا أعلن في ختام بحثي البسيط هذا بان بلزاك كاذب .. كاذب .. وهو يدعي الخواتيم الصارمة والمحكمة والمكتملة في الكتب "لا الحياة" .. استنادا لطروحات صديقي الصكر .. لكنه عندي بتأمل بالغ أكثر صدقا وحيوية في خضم منظومة التخلف التي تقبع أرواحنا وأجسادنا في متن مرارتها .. ذلك أن النهايات المكتملة في كتبنا ونصوصنا " الخربة " لن تتجاوز محنة التخلف العظيم ولن تدخل في صراع حقيقي معه بسبب خوفنا من العقائد والايديولوجيات كباعث قوي على إنتاج الاصطلاح المبتكر للناقد الصكر ولافتته العريضة المتمثلة بفائض القيمة الثقافي ..
نعم .. إجراءاتنا النصية بالغة الإشكالات والتعقيد وتحتاج منّا إلى وقفة تأمل تاريخية تبدأ بالأسئلة الكونية ولن تنتهي بأسئلة تقليدية من قبيل : ماذا ولماذا نكتب ؟ وصولا إلى كيف نكتب وكيف نؤثر ولماذا نؤثر ؟ .. الخ .. اتفق
والصكر على فائض القيمة الثقافي واحيي فيه التقاطته الحاذقة ، لكن صديقي نسي أن يشير إلى فائض قيمة في حياتنا أيضا .. يفوق بكثير فائض القيمة الثقافي .

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي