loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

مسرحية || في انتظار كوازيمودو

breakLine

تأليف وإخراج/ حسين نجم
تمثيل/ مهند قاسم، عماد أبو طبيخ، حسن كامل

 

سنان العزاوي || فنان وناقد عراقي

 

النص والفكرة
شخوص تدور في نفس منطقة الغياب وتحاول أن تخرج منها الى منطقة الحضور دون جدوى ولا تقدم، تكرارية بكل شيء، خيال تحت هيمنة الواقع المرير وأحلامٌ مؤجلة أهمها الخوف.
نسخة محدثة لنص (في انتظار غودو) لصموئيل بكيت لكنها بقلم حسين نجم.
وإذا ما دخلنا في مقاربة تناصية ما بين المادتين، فسنجد أن الشخصيات لدى (بكيت) (فلاديمير وبوزو) يعيشنا منطقة (الحضور) صوب أمل قدوم الغائب (دون جدوى) في حين شخصيات (نجم) (الأول – الثاني – الأحدب) يعيشون منطقة (الغياب) صوب أمل الحضور (دون جدوى).
في النص الأصل (بيكت) يؤسس علاقات البنية المشهدية عبر فرضية (الانتظار) في حين (نجم) يؤسس علاقات بناه المشهدية عبر فرضية (التطبيع مع الموت)، وإذا ما أحلنا هذه الفرضية الى التحليل المنهجي، فالتطبيع مع الموت يكون عبر تفكيك الموت وتجريده من رهبتهِ بإعتبارهِ مجرد نتيجة لعجز ما عن مواجهة الخطر، ثم التطبيع معهُ بتمويل كل خبرات الحياة الخبرات قصيرة الأجل قابلة للانتهاء والفناء.
 الأموات لا يكذبون
 ميت بلا كفن
 عدوي قريب وساكن الچول
 أيتها الأرواح خذوا أكفانكم فأنها هنا ولستُ معكم لا ميتاً ولا حي بلا هوية
 فما أعجب المرء أن يعيش في رحم أرض حملته وهن على وهن وفصاله إلى أن يموت.
 كش.
 ربطت.
وهكذا يغدو الموت جزءاً من المشهد اليومي المصغر لدى شخصيات (المؤلف المخرج) (حسين نجم) في عرضه الموسوم (في انتظار كوازيمودو) موت المشاعر  فرضية أولى في النص.
موت العلاقات  فرضية ثانية في النص، موت الحلام = لا انتظار  فرضية ثالثة في النص.
لقد جعل (المؤلف المخرج) شخصياته تواجه الحياة بشكل مرير وقاسي، لذلك نراهم وهم يواجهون هذه الحياة القاسية لابد من شحنةٍ حتمية في مواجهة الحقيقة العارية.
 اليوم تأخر راشد.. انتظرته وما أجه.
 رحت لبيتهم لكَيت قطعة سودة معلكَه عالحايط مكتوب عليها مات بسبب الانفجار.
 عاهرة هي الخطيئة  (شحنة حتمية لمواجهة الحقيقة العارية).
هكذا نجد أن الشخصيات في عرض (في انتظار كوازيمودو) تعيش عالماً مجرداً من الزمان والمكان وتحاول فضح عاهات المجتمع بتراكمية عبر انضغاط زمكاني، معتمدة بقصدية فعل البوح والذي اشتغل عليه (المؤلف – المخرج) عبر تقانة تقويض (ظاهرة الحدث) (حرب – قتل – إقصاء)، وهذا ما أتاح فرصة للشخصيات وخصوصاً (الأول والثاني) من البوح بما تمكنهُ من علل خفية مؤلمة.
الأداء
تشترك شخصيات (بيكت) و(نجم) بالخوف كمفهوم افتراضي أسس سلوك شخصياتهم، لكن الفرق أن (بوزو وكاديمير) كان خوفهما ناجم من (الانتظار)، أما (الاحدب الأول والثاني)، فكان خوفهم (مثقف) والخوف المثقف بحسب تعبير (زيجموند باومان) هو خوف متغلغل اجتماعياً وثقافياً وبالتالي يتحكم في السلوك، وهذا ما لمسناه في أداء الشخصيات الثلاث بعدما أعادوا تشكيل إدراكهم للعالم والتوقعات التي تقود اختبارات سلوكهم.
مفاهيمياً (الخوف المثقف) صار اطار ثابت لعقول الشخصيات الثلاث وهو أقرب الى أثر ناتج عن شعور بفقدان الأمان، شعور بالعجز وليس هناك سوى فرصة ضئيلة إن وجدت أصلاً للهرب أو الدفاع الناجح.
 تخوض حرباً خاسرة كميت لا ينعشه الهواء.
 من أنت كي تحارب رجل اختارته الأقدار كي يكون.

فضلاً عن أن فرضية الخوف رسمت السلوك الأدائي لدى الشخصيات وأوصلتهم الى حالة من الخواء والاستلاب الانساني وتكمن تمثلاتها في الهذيانات الأدائية.
 عد وأنا عد ونشوف ياهو أكثر هموم.
 لزمت الطباشير ارسم وامسح.. ارسم وامسح.. ارسم وامسح لحد ما خلص الطباشير وما عرفت يا صورة اختار.
 الغض يكبر وآني ويا (اسقي الغصن) الغصن يكبر وآني ويا واسقي الغصن.. واسقي.. واسقي.
تقنياً: وعلى صعيد النظم والآليات أعطت الإيماءات والمحاكاة عبر المنطوق اللفظي تارةً والجسد تارةً أخرى دوراً كبيراً في العرض وأعطت تحركات الممثلين بعلاقاتهم ببعضهم وبسهولة علامات دلالية معتبرةً نستخدمها في مجرى حياتنا اليومية، فالإيماءة في لحظات كثر تدل على القول الدال بدون منطوق لفظي تفسيري، كون مرجعيته الدلالية متفق عليها لدى المتلقي.
 عباءة الأم
 ملابس الشخصيات التي قضت قبل تلك الشخصيات والتي تحولت الى رفات.
 خوذة راشد
 لعبة الشطرنج عبر الفوانيس وفعلها الإيمائي الدلالي ومدلولها اللفظي (كش)
 فعل الأحدب الايمائي وهو يلعب الدومينو ومدلولها اللفظي بـ(ربطت).
علامات تدور في المجتمع العراقي وأعيد تفعيلها عبر أداء الشخصيات بإفتراض مسبق ثان أغلب المتلقين يعرفونها.
حاول (المخرج – المؤلف) عبر منظومة الأداء لدى الممثلين والتي اتسمت بالهارموني أن يجد لغة للمسرح أكثر شمولاً لإيصال جملة دوال عنقودية في آن واحد وبسلاسة دون أن يربك عملية تشكيل المعنى، هذا ما نجح به الى حد مقبول.
السينوغرافيا
إذا ما استعرضنا بصرياً سينوغرافيا العرض عبر فرضية الزمان والمكان سنجد أن الأحداث تدور في بناية جامع مهجور ومنبر محطم وفوانيس. قائمة على التكرارية وبالتالي فالصفرية هي الزمن الافتراضي المهيمن، أما المكان فقد أدخله (المخرج – المؤلف) حيز (التعليق) دون عملية (رد) إذا ما استعرضنا إجراءات (هوسرل) الفينومينولوجية.
وبالتالي صار المكان (ظاهرة) لا تتعدى الوصف. كل شيء فيه خاوٍ ومعطل خارج إطار الديالكتيك.
لقد ساهمت فلسفة الخوف التي أسس (المخرج – المؤلف) على وفقها فرضيته العامة للعرض باعتمادها واعز تبريري لتحريك الشخصيات في فضاء العرض وباتجاهات مختلفة.. كون الخوف يأتينا في أفظع صوره عندما يتغلغل متفرقاً، منتشراً، غامضاً، مشتتاً، متقلباً دون عنوان واضح ويستحوذ علينا دون سبب معقول، هذا ما ترجمه (المخرج – المؤلف) من خلال رؤية إخراجية تحررت من قيود الحدث الدائري في تأسيس صورة المشهدية، ففي محاولة البحث عن الحقيقة حيث الظلام ولا ضوء سوى ما تصدره الفوانيس من ظلال يؤكد لنا عبر الحس والحدس الشعوري بأن العالم الموبوء بالخارج خطير، فضلاً عن قصدية المخرج بإبقاء الحدث في جو من العتمة، في اشارة الى أن تلك الشخصيات يتحينون مغادرة هذا المكان بسبب خوفهم وشعورهم بالخطر من المجهول في لخارج لأنهم في غياب الممارسة (ممارسة الخروج) فقدوا الثقة التي تمنحهم القدرة على التعامل مع الآخر.
جمالياً ودلالياً ساهمت قطع الملابس التي تغطي الخشبة وهي ما تبقى من الأسلاف والمنتشرة في مرمى البصر في تضخيم الصورة المشهدية وتغطية الفضاء المسرحي، فهي شاهد عيان على الأحداث المقدمة.
الإخراج
شاهدت شخصياً معالجتين للعرض.
الأولى: عام (2015) وكانت أقرب في الفرضية من اطروحات (بيكت) في (في انتظار غودو)، الحوار مختزل لكن مكرر، الأداء مصطنع، سرعة الكلمة، ايقاع الكلمة سريع، صمت.
حفلت أحداث العرض الأول (في انتظار كوازيمودو) بصمت نسبي في بعض لوحات المشاهد والذي يمثل بؤرة الصراع ويهيكل بنية النص القائمة على التناقض الحاد بين معقولية اللغة الممثلة للواقع، وعلامية الصمت البؤرية الراسمة لمأساة اللامعقول عبر الصمت الذي يمثل المأساة التي تغيرت نظمها المعرفية والتأليفية في هذه النصوص، إذ يملأ الصمت من المتلقي بتأويله لبؤر الصمت التي جسدها النص الماثل.
أما الفضاء فكان بلا تأثيث ذات مرجعيات براغماتية بمدلولاتهِ لدى المتلقي، فكان السلم الألمنيوم والذي تستخدمه الشخصيات في محاولتها للصعود الى الفناء وكان يتكون من ستة مربعات، كل مربع يشكل موقفاً تعيشهُ الشخصية والتي تتحاور وتتجادل مع الآخر، فضلاً عن اعتماد المخرج في معالجته الرؤيوية دمج الأداء السينمائي عبر تقانة (الداتاشو) مع المشهد الحي فشكل لوحة جمالية كانت تؤثث الفضاء طيلة أحداث العرض.
مما مكنت البيئة الافتراضية من الاقتران مع الممثلين على خشبة المسرح، وهذا يحيلنا الى إحدى تقانات مسرح الصورة، إذ كانت المعالجة الإخراجية الأولى تحول الشخصيات من الشاشة الخارجية الى الشاشة الداخلية، أي يستطيع الإنسان أن يرى أفكاره وتصوراته على شاشة يراها هو فقط يعرض من خلالها ما يدور في نفسه من أفكار وأماني وغيرها من خلجات الذات.
الثانية: وأما المعالجة الإخراجية الثانية (2023) فكانت أقرب الى اطروحات المؤلف (حسين نجم) في (في انتظار كوازيمودو) وأبعد عن (في انتظار غودو)، فالحوار لغة محلية، الأداء غير متصنع، بطيء الكلمة، ايقاع الكلمة طبيعي، أول الخيارات هو اختيار لغة الجمهور ودمجها مع لغة العرض، فضلاً عن تأثيث المكان بدلالات مدلولات متفق عليها لدى متلقيها بالذاكرة الجمعية، مما أتاح (للمخرج – المؤلف) أن يعلق عملية الإرسال عبرها في قصدية منه فاستبدل السلم بالمنبر، والغى تقانة الكولاج السينمائي لتحل محلها الفوانيس ولتخلق طقساً أقرب للطقوس المحلية. فضلاً عن تأكد (المخرج – المؤلف) على الدوام لعملية انعكاس الحالة العاطفية لحظة بعد لحظة للشخصية عبر اللغة كونها نظام تتلائم فيه جميع العناصر وفيه تعتمد قيمة أي عنصر على التواجد المتزامن للبقية، وبالتالي عبر اللغة (الحوار) تأسست نظم علاماتية متنوعة العناقيد والدوال المفردة التي انتجت معنى، فقط لأنها تتواجد بتزامن مع أخرى في كل لحظة من خلال الحدث المشهدي، بعكس العرض الأول فقد اعتمد فيه (المخرج – المؤلف) على الصمت والإيحاء التجريدي والحوار والصورة المدمجة في تأسيس المعاني.
وشخصياً كمتلقي مع المعالجة الإخراجية الثانية كون لها هوية، إلا أن (المخرج – المؤلف) قد غفل أو تغافل عن معالجة (شخصية الأحدب) في هذه النسخة، وربما في النسخة الأولى تندمج في سياق المعالجة سواء كان (أحدب نوتردام) أو (حفار قبور في هاملت) فالمعالجة الإخراجية الأولى قريبة من تأسيسها الفرضي من مسرح اللامعول لـ(بيكت)، وأما الثانية فكان الأجدر بالمخرج أن يغير هذا (الكاريكاتير) ويستبدله بأقرب للبيئة المحلية أو ما يراد منها كـ(علي العمية()) أو (ابن أصيبع).

في المجمل شكراً لمبدعي مسرح المثنى فقد قدمتم عرضاً شيقاً راكزاً، أنيقاً، شخصياً أحببته.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي