loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

مع الشكر لموقع نخيل عراقي والصديق العزيز عبد الحسين بريسم حديث الاشباح قراءة في كتاب (أطياف ماركس) لجاك دريدا.

breakLine


علي حسن هذيلي   / كاتب عراقي    


يمكن أن نفهم من مجمل كتاب الأطياف هذا- ونحن دائماً نتحفظ على فهمنا أو فهم الآخرين، لأسباب بَيّنّاها سابقاً- أن المقصود بأطياف ماركس: الأشباح التي بدأت تطوف حول أوربا وتملأ فضاءها بالصخب، يوم كانت الكنيسة، المتحالفة مع نفسها، تملأ الفضاء بصخب من نوع آخر. كم هائل من الأشباح الصغيرة، يمكن أن يتكثف في شبحٍ واحدٍ كبير، عنوانه: الماركسية، لذا كان أصل هذا الكتاب، أو سببه، كما يصرح دريدا "محاضرة ألقيت خلال جلستين، في جامعة كاليفورنيا- 1993، بعنوان إلى أين ستذهب الماركسية؟ بالتأكيد، ولكن كان، في الخفاء أيضاً، هل الماركسية في طريقها إلى الفناء"؟ (ينظر: أطياف ماركس: 11).
 ويبدو أن شكسبير، الرائي الكبير، كان ممهداً لظهور هذا الشبح، أو أن مسرحياته كانت أسبق في التبشير به، ودعم فكرة انتظاره، وكما في هاملت، فكل شيء يبدأ بظهور الطيف، ويمكننا بصورة أكثر تحديداً أن نقول: إن كل شيء يبدأ بانتظار هذا الظهور، لذا فإن دريدا سيتعامل مع هذه الأطياف/ الأشباح بطريقة أولئك المنتظِرين... ويكاد أن يعيد علينا أحاديثهم عينها، قدر تعلق الأمر بماركس والماركسية طبعا، فالموضوعات الأخروية، يقول دريدا: "لنهاية التاريخ، ونهاية الماركسية، ونهاية الفلسفة، ونهاية الإنسان، والإنسان الأخير، كانت في سنوات 1950، تشكل خبزنا اليومي، وخبز القيامة هذا كان في فمنا بشكل طبيعي إلى درجة أني كنيته، بعد فوات الأوان، في عام 1980، نبر القيامة في الفلسفة" (ينظر: أطياف ماركس: 43). 
 وهي قيامة أرضية بالتأكيد تعكس صراع النهايات، أو عدم قدرتها على أن تكون نهايات. نبر القيامة، أو حديث النهايات هذا، سيأخذ جزءاً كبيراً من هذا الكتاب، لا سيما أن الطيف الماركسي، من وجهة نظر دريدا "هو المستقبل، وأنه يعود دائما، وأنه لا يقدم نفسه إلا كذلك الذي يستطيع أن يأتي أو أن يعود" (ينظر: أطياف ماركس: 83). ولأن المُخَلِّصين أطياف أو أشباح، فإن نهاياتهم لا بد أن تشبه "طيف ماركس"، الذي لا يختفي إلا لكي يعود، ولا يعود إلا لكي يختفي، ولكننا بحاجة إلى مقدار من الزمن، سيكون كفيلاً بالإجابة عن سؤال الانتظار هذا. 
وهو، لا شك، زمن اشتراكي في أيامه الأولى، أو هكذا بدت الأمور، وتأكّد له ذلك عندما مَرَّ بمرحلة الشباب، فشمخ بأنفه، ولكنه عندما أصبح كهلاً، أدرك أن الأمور تسير بالاتجاه المعاكس، وبدلا من وعد الانتظار الشيوعي كانت الرأسمالية تدق الأبواب، معلنةً بداية زمنها الليبرالي الذي يعترف بالآلهة، ولكنه يترك الإيمان بها أو عدمه، للكائن البشري، من دون أن يتدخل سلباً أو إيجاباً، وإن كانت نهايات هذا الزمن، لا بد أن  تنحو لأحد الاتجاهين، لأن البقاء في (البين) لا يمكن أن يستمر إلى النهاية، لأسباب تتعلق بحوار الأفكار وصراعها، وهو حوار أو صراع عادة ما ينتهي بفوز أحد الطرفين، بسبب القوة التي يمتلكها، وليس بسبب الفكرة عينها، مهما بدت قوية وجاذبة، ذلك أن "صواب الرأي بالدول يقبل بإقبالها ويذهب بذهابها" نهج البلاغة الحكمة 340). 
 هذا ما قرره الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وأعاده ماركس في واحدة من تناصاته الذكية "الأفكار المهيمنة لعصر من العصور لم تكن قط سوى أفكار الطبقة المهيمنة" (ينظر: أطياف ماركس: 112)، وهكذا سيأخذ الزمن الليبرالي المبادرة، لأن الحرية (المطلقة) التي يتمتع بها الكائن الليبرالي ستقنعه بأن الوجود الحقيقي له وحده، والنتيجة الطبيعية لمثل هذه الحرية هي "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" كما صيغت على يدي فوكاياما، وهي لا شك صياغة رسمية، وليست فردية، أما الله فحديث خرافة، أو على الأقل حديث عاطلين يسبحون بحمدِ إلهٍ لا يحتاج لان يُسبَّح بحمده. 
 لذا فمن حق الآخرين أن يكملوا النقص، فيختصروا الزمن الليبرالي، بعد أن اختصر الزمن الماركسي نفسه، لصالح زمن آخر، سيكثر الحديث عن النهايات، هو الآخر، ولكن من وجهة نظر أخرى، ترى أن النهاية هي الرجوع إلى البداية. البداية التي لا تؤمن بالصدف ولا بالساعات السويسرية، وإذا كان ثمة حديث عن الصدف، أو الساعات، فهو حديث سيكون ضرورياً، لإزالة الالتباس المتأتي، لا من الصدف، فهذا حديث خسران، بل من الساعات التي تُرِكَتْ وحدها، من دون أن تتذكر يوماً أن ثمة (خالقاً) يجب الرجوع إليه، في حالة حدوث عطل ما. عملية الرجوع هذه هي التي ستؤرق دريدا، فيظهر انحيازاً ملتبساً ولا أدرياً، لحديث النهايات الماركسي، في محاولة لاستعادة الزمن، قبل أن تتصاعد أحاديث النهايات ذات المرجعيات الدينية، فتحل الكارثة بنهايات دريدا ذات المرجعيات العدمية... 
وهذا لا يعني أن دريدا منحاز إلى ماركس، فذاك ليس من شيمه، ولأن الاختلاف والتأجيل- وهما بالنسبة لدريدا كلمة واحدة- مفهوم سابق على منطق الاتفاق، مفهوم لا يسمح لدريدا بأن يتفق مع أحد، أو أن يفكر بإمكانية ذلك. وكل الذي جرى أنَّ هوى دريدا هذه المرة، التقى مع هوى ماركس، لأسباب عدمية، تتعلق بالمواقف المشتركة التي تفرضها وحدة الموقف العقائدي والسياسي، لا سيما أن الاثنين ينظران إلى الدين بوصفه إفيوناً، مع اختلاف اسباب ذلك طبعا، فهو، بالنسبة لماركس، افيون، لأنه يخدر الشعوب، ويقول لها أن الحاكم قدر الله وقضاؤه، اما، بالنسبة لدريدا، فلأنه مركز يجب تقويضه، كما هي باقي المراكز. 
هذا الانحياز لا على حساب النهايات الدينية، فقط، بل على حساب النهايات الليبرالية أيضا، لأسباب تتعلق بأنموذج الدولة الذي تطالب به، فهو ليس أنموذجاً للنضال، من أجل النهضة والحداثة، بدأ مع الكنيسة، ويجب أن ينتهي بالقضاء على ما تبقى من آثارها، ولكنه نموذج هيجل الذي يؤكد أن تاريخ العالم نوع من محاكاة رمزية لحركة الشمس، يبدأ من الشرق وينتهي بالغرب على نحو مطلق (ينظر: نقد التمركز وفكر الاختلاف: 56). وإذا كان وجود الدولة يتمثل في مجئ الإله إلى العالم، كما تقول فلسفة الحق التي استدعاها فوكوياما، فإن لهذا المجئ معنى الحدث المسيحي. وبهذا تكون نهاية التاريخ، جوهرياً، عقيدة أخروية مسيحية (ينظر: أطياف ماركس: 121). 
 وإذا كان الانحياز سيضع دريدا في مأزق الايديولوجيا التي حاول أن يتخلص منها بمواقفه البينية، فإننا لا يمكن أن نتخيل إنساناً من دون أيديولوجيا، وإن في حدها الأدنى، أما مع أمثال دريدا، فالحديث كله سيكون ايديولوجياً ميتافيزيقياً، وإن بدى مغلفاً بغطاء سميك من البينيات. والسؤال الأهم من ذلك كله: كيف استطاع دريدا أن يعقد صلحاً بين الايديولوجيا والميتافيزيقا والمواقف البينية التي قد توهم بمرونة يريد التفكيك تعميمها على النصوص؟     
هذا الاختصار الشديد للزمن الماركسي والانتقال إلى الزمن الليبرالي، أو أي زمن آخر، سيكون مخلاً، بل يتنافى وابسط مقومات البحث العلمي الذي لا يكتفي بالحديث عن البدايات والنهايات، بهذا الاقتضاب، بل هو يتوسع فيما بينهما، للإجابة على الأسئلة بطريقة أكثر وثوقية، لا سيما أن منطقة الفراغ الكائنة بين الحديثين كانت قد ملئت بالكثير الذي سيجعل هاملت الأوربي ينظر إلى آلاف من الأطياف، من فوق سطح إلسينور الهائل، الذي يمتد من بال إلى كولون، ويلامس رمال نيوبور، ومستنقعات السوم، وطبشور شامبان، وغرانيت الألزاس. ولكنه هاملت المثقف الذي يتأمل حياة الحقائق وموتها، فالشبح الذي عنده، هو كل مواضيع منازعاتنا، والندم الذي يحسه، هو كل عناوين مجدنا (ينظر: أطياف ماركس: 26).                    
 إن الحديث عن "هاملت" الأوربي، هنا، هو حديث عن الإنسان، لأن النَفَس الذي استعاره دريدا من كلمات بول فاليري السابقة- وهذا ما يفسر جمالها، بين كتل الكلمات الجوفاء- ظهر وكأنه يعني بـ "هاملت" الإنسان الأوربي الذي مُلِئت دنياه أشباحاً، في المرحلة التي سبقت ظهور ذلك الشبح الكبير: ماركس، وكأنه، أي شبح ماركس، ولادة طبيعية لمخاض الإنسان الأوربي الذي كان بحاجة إلى خلاصةٍ تتجاوز الكلمات، وتغير العالم. لذا كان إغراء ماركس كبيراً، لم يستطع دريدا أن يقاومه، من بين كل الاغراءات التي يجب أن يقاومها. مع ذلك، فإن اغراء الذاكرة، يقول دريدا: سيجعلني أروي حكاية التجربة الماركسية، بالنسبة لي وأبناء جيلي، وحكاية الصورة الأبوية لماركس، وتنازعنا فيها مع ابناء آخرين، وإنه لإغراء يدفعني لكي أروي قراءة النصوص وتأويل العالم الذي كان الإرث الماركسي يشكل فيه عنصراً حاسماً، ولا يحتاج المرء أن يكون ماركسياً لكي يستسلم إلى هذه البديهة (ينظر: أطياف ماركس: 41).  
 ومن هنا سيبدأ حديث دريدا عن صورة ماركس الأبوية، ولكنه لن يستعيد التجربة الماركسية أو يقوض مفاهيمها، بطريقة تعليمية، وليس من شأنه أن يفعل ذلك، بل سيركز على الجانب الخلاصي فيها، بعد أن يستعيد الخلاصيات الأخرى بدءاً من الحلم اليوناني، وليس انتهاء بالحلم الأمريكي، لا سيما أن فوكاياما عينه كان قد انقضَّ على نفسه، عندما أدرك، أن حديث النهايات هذا لا علاقة له بصعود الايديولوجيات أو نزولها، بل هو حديث ذو ابعاد ميتافيزيقية لن يستطيع فوكوياما، أو غير فوكاياما، الإحاطة به، أو إمكانية فهمه. وهو، أي فوكاياما، نتاج حضارة مسطحة لا ترى شيئا تحت السطح، وإن فعلت ذلك، فلأسباب أخرى سيطول الحديث عنها الآن، أو يقودنا إلى غير الجهة التي نريد أن ندير الحديث عنها...

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي