loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

مقتربات الدكتورالراحل سليم الوردي للمشروع السياسي العراقي للفترة

breakLine

 

الجزء الاول 

 

 

 ياسر جاسم قاسم || كاتب عراقي 

 

 

 

تعرفت اليه من خلال الاديب الاستاذ باسل عبد الكريم البدري حيث اهداني كتابه (مقتربات الى المشروع السياسي العراقي (1921-2003)) الذي صدر في بغداد 2005 وقد شغلني العنوان شغفا بالاطلاع عليه علني اجد حلولا ناجعة تنقذ المشروع السياسي العراقي الجديد اي في فترة ما بعد التغيير  من اشكاليات عديدة حفت به منذ نشأته وكتاب العلامة سليم ينذر من عدم تكرار الاخطاء الفادحة التي وقع فيها العراق بسبب حكامه للفترة من 1921-وحتى التغيير في 2003 اي منذ بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة ... 

وبالتالي قدم الدكتور سليم الوردي حلولا للازمات الحالية ومنذ بدايات التغيير من خلال تسليطه الضوء على الاخطاء في الفترات السابقة ،لانه وبالتغيير انهار المشروع السياسي السابق الذي عمر 82 عاما وكان العراق في طور الاعداد للمشروع السياسي الجديد الذي نحن في وحله اليوم ، وكان الدكتور سليم يتمنى وضمن مقارباته ان يولد هذا المشروع الجديد سليما غير مشوه ، بالتالي عدم تكرار اخطاء الماضي التي حصلت في الفترات السياسية السابقة ،واعتماد المعالجات الحقيقية ، والخطط السليمة لانجاز مشروع سياسي جديد ، وناجح يصبح مثلا يحتذى في العالم بأجمعه ، وعدم تكرار المشاكل وهذا الامر يتطلب قراءة المشاكل التي وقعت منذ تاسيس الدولة العراقية، وحتى التغيير بغية عدم الوقوع بها مجددا، وهو بالتالي يراعي الجانب النفسي الذي  لم يعلن عنه صراحة ولكن دعوته المتمثلة بعدم الانجرار خلف مشاكل الماضي ودراستها بعمق لضمان عدم الوقوع بها، هي نظرية نفسية بحتة ذات طابع اجتماعي  فالذي يفكر بالامور السلبية ويقع فيها ولا يستفيد من اخطاء الماضي ، مثل هكذا شخصية يطلق عليها علماء النفس (ميلانكوليا) ..ووفق هذه النظرية كم عدد الميلانكوليون الذين يحكمون العراق اليوم ومنذ التغيير ؟  وهنا فلننظر كيف وظف سليم الوردي هذه النظرية النفسية في معالجات سياسية دقيقة اذ يمزج بين العلوم النفسية والاجتماعية والسياسية لانجاز مشروع بناء مجتمعي وسياسي حقيقي.

لقد كان الدكتور سليم يطمح لبناء دولة مؤسسات يشترك المجتمع في تحقيقها بل "تستمد الدولة وجودها واليات عملها من المجتمع ومؤسساته، فان تخلفت الدولة عن المجتمع ودرجة نضجه تمكن الاخير من استبدالها" وهنا يتضح لدينا اهمية المجتمع في انتاج التطور وانتاج البناء الحقيقي التنموي ،فالمجتمع هو اللبنة الاساسية لبناء الدولة وكأني به يناغم قول "باروخ سبينوزا" في "علم الاخلاق" بقوله "كل ما يساعد الناس على الحياة الاجتماعية ،اعني على العيش في رخاء يكون نافعا وكل ما يدخل الشقاق في الدولة يكون سيئا" ( سبينوزا، علم الاخلاق، ت: جلال الدين سعيد، مركز دراسات الوحدة العربية ، المنظمة العربية للترجمة ، بيروت، 2009، ص271) فمفهوم الدولة حسب سبينوزا، انما منشؤه مجتمعي ، فالشقاق يتسبب به المجتمع في تقويض الدولة والوئام يتسبب به المجتمع في جعل الدولة متمدنة وناجزة وواعدة ، فالمجتمع بدرجة تطوره وهذا ما اراده سليم الوردي، يستطيع ان يؤسس لمفهوم دولة حقيقية واعدة قادرة على ادارة البلاد وايصالها لبر الامان، كما يطلب الدكتور سليم ان يتم التعامل مع الدولة ومفهومها على كونها "منظومة" متكاملة غير مجتزئة ولا مجزئة ، فقد حرص كل الحرص على تقييم الفترات السابقة للتغيير الذي وقع سنة 2003 كي لا يقع المشروع الجديد الذي انبثق بعد 2003 باخطاء السابق ، ويقود الى اجهاضه كما اجهض مشروع الدولة الذي اسس في 1921م، بالتالي هو يعمل وفق هذه المنظومة وعملا بالجانب النفسي الذي اشرنا اليه ، الذي كان اساس كتابه المهم (المقتربات) ومن الامور الاساسية التي يقيم عليها معالجاته للاخطاء هو مبدأ (التنوير )فيعتبر دوره في  العلاج "كدور الطبيب الذي يشخص علة المريض ويصارحه ،لا ان يقتصر دوره على وصف دواء لتسكين وتخفيف الامه " اما اذا انحرف الاعلام عن الدور التنويري فسوف يتحول الى "دور تخديري" والرائع في مشروع الدكتور سليم انه يشخص الاخطاء السابقة فمثلا نراه يتحدث عن "المصالحة" فيقول" الدعوة لها يظل هدفا عائما ان لم نقف على مواطن الخصومة في مشروعنا السياسي السابق" فكيف يوصف الدواء قبل ان نشخص العلة فهل يراد للمصالحة المنشودة ان تكون عقاقير مخففة للالام وحسب ام لمعالجة العلة نفسها " وهنا يستعين د سليم بفرويد مما يدلل على استناداته النفسية في قراءة سايكولوجية المجتمع عبر الحاجيات والانساق العابرة وفق منظور علم النفس ، وبعد هذه الاستنادات المعرفية يطالب بنسق براديمي حيث يعتبر ان المدخل العقلاني هو الاساس في المصالحة ، فيتبين لنا ان المصالحة او اي مصطلح يطمح ان يراه في المجتمع يقوم وفق انساق نفسية واجتماعية وان يكون مدخلها عقليا واعدا ، وبالتالي سيكون المنطلق لاي مشروع هو منطلق استراتيجي وليس مرحلي فحسب ،فالاشياء والامور هي سلسلة متتالية وليست مراحل تنتهي فحسب (الاشياء لا تقيم من حيث انتهت وحسب ، بل من حيث بدأت وكيف الت الى نهاياتها" والاروع من ذلك ان الوردي يعتبر ان سلامة البيئة والعمل على خلق بيئة اجتماعية ناجحة هو الاساس لمعالجة مشاكل العراق " بيد ان تصحيح البيئة الاجتماعية التي خلقت منه مجرما يبقى هو الاساس وبخلافه يظل المجتمع يلد مجرمين" كما ان مشروع المصالحة ينطلق لديه من الية شاملة لكل المفاهيم وغير مقتصرة "على مصالحة من جانب واحد" فالمشكلة "اذا تصالحنا في ميادين وجرت خصومات فعلية في ميدان اخر " ان المشروع السياسي الذي يطمح اليه الدكتور سليم انما هو مشروع متكامل يعرض العلل ويشخصها ويضع المعالجات وهو مشروع شامل لا يقتصر على مشكلة دون اخرى، فهو  يفتش عن العلل داخل المجتمع وليس خارجه ويدرس وبعمق اعادة تشكيل الوعي السياسي للمجتمع العراقي ووضعه في المدار الصحيح، وهو يتصدى للمشروع بوصفه مسيرة لاتزال الكل يعيش تداعياتها ويعاني الكل من تناقضاتها  الحادة .

وكأحد اهم مقومات المشروع في نظر الدكتور سليم هو موضوعة "الارادوية" التي تؤمن "ان عماد التحول الثوري انما هو توفر الارادة في التغيير وبصرف النظر عن توفر الامكانات الموضوعية لحدوثه من عدمه "( د سليم الوردي ، مقتربات الى المشروع السياسي العراقي 1921-2003، بغداد ، 2005) وبالتالي فان تقييم الوردي لكل مراحل المشروع السياسي السابق قبل التغيير 2003 انما كان انطلاقة هامة لايجاد حلول لمشاكل السياسة حاليا، ولكن لم تؤخذ كل هذه المقتربات بنظر الاهتمام للاسف الشديد ، كما ان للتاريخ اهميته في مقتربات الدكتور سليم حول مفهوم الوطن ، ولكن يفاجئ بعض الغارقين بفهم التاريخ على انه مضارة يجب ان نقف عليها دوما وابدا بالمفهوم التالي" من حقنا ان نحن الى ماضينا المشرق ونفخر بتاريخنا على النحو الذي نشاء، اما ان نطلب من الاخرين ان يعاملونا على اساسه فهذا محض هراء" فالتاريخ لا يكف لاقامة أود الحاضر والمستقبل " التاريخ لوحده لايبوئ اية امة موقع الصدارة في عالمنا المعاصر فهو لايعد في احسن الاحوال، اكثر من ثروة طبيعية ترقد في اعماق الارض " فهو عبئ على الطالب في المدرسة ، وهو مجرد اطلاق تسميات على شوارع ومدارس ولا يحظى لدينا بالتفاعل وهو يعتبر اننا غريبين عن تاريخنا كما نحن غرباء عن حضارة عالمنا المعاصر ، كما وانه يعتبر ان التفاعل مع التاريخ الحضاري يؤدي الى التفاعل مع الحضارة المعاصرة ، وبالتالي اين يكمن تفاعلنا مع التاريخ ايكمن بنهب مقتنيات المتحف العراقي ام بطمر صدام لبعض اللقى الاثرية في بابل؟ ام بتحوير "خان مرجان" الاثري الذي يعود تاريخه الى العهد الجلائري في القرن الرابع عشر الى مطعم سياسي.

والاشكالية الكبرى التي يشير اليها :ان مفهوم المواطنة في العراق هو مفهوم (هلامي) فمنذ تنصيب الملك فيصل الاول ملكا على العراق في 23/اب/1921 وحتى اليوم تتحكم العصبية في العراقيين وليس المواطنة والعصبية تتمثل بالعشيرة والمشاعر الدينية وكبداية ونشأة للوطنية ومفهومها فيعزوها الى (ثورة العشرين) ويعتبر وانه وعلى الرغم من نشوء الثورة من منطلق (ديني عشائري) الا انها كانت نواة لمفهوم الوطنية وذلك لغياب برنامج ديني لدى الثورة ، وكلام الدكتور سليم باسباغ صفة الوطنية على الثورة كلاما يبدو غير دقيق  ،فالوطنية لم تأت مع ثورة العشرين فهي ثورة ذات منظومة عشائرية دينية بحتة وان لم تحمل برنامجا دينيا، والوطنية حسب هذه الثورة لم تكن موجودة بقدر ما كانت تتحكم فيها مشاعر المرجعيات ودعواتها بمقاومة الاحتلال وهو يعتبر "ان الطبيعة الوطنية التحررية لثورة العشرين "هي المتجسدة فيها وليس العوامل الثلاث "دين،عشيرة ،قومية" ولكن وبنظرة فاحصة نجد ان  الثورة كان اساسها ديني بحت وعشائري بحت وان مفهومها الوطني لم يكن حاضرا فيها ، فالثورة لم تنتج طابعا وطنيا كما ذهب لذلك الدكتور سليم   ، بل انها كرست الدين والعشيرة بتحالفهما الازلي، فالثورة دينية ان كان اساسها ديني وعشائرية ان كانت ذات اساس عشائري ، اما البرنامج فلا يهم فهو تحصيل حاصل لاية ثورة ،فلو قدر لثورة العشرين ان تنجح لحكمت مرجعية النجف الناس مع العشائر المنتفضة ، وبالتالي حتى وان لم تضع برنامجا دينيا فهي ستضعه بعد انتصارها ولكن فشلها جعل المرجعية مع العشائر تتقهقر ، ومن الامور التي اشار اليها الدكتور سليم هي " مشكلة الهروب من الجيش " وعدم وجود جيش عراقي بعقيدة وطنية حيث يشير الى ان الحكومة يجب ان تبين ان مهمة الجيش يجب ان تكون اساسا للدفاع عن الوطن ازاء العدو الخارجي ، لذلك عرف عن فيصل الاول مدخله لتسويغ توسيع الجيش وتمرير مشروع الخدمة العسكرية الاجبارية هو تفوق العشائر بتسليحها على الدولة "ويستشف من ذلك ان الخطر الذي كانت تتوجس منه الدولة هي العشائر العربية والكوردية "مما جعل الكوردي حتى اللحظة يعارض تسليح بقدر كبير للجيش العراقي خوفا من ضربهم كما فعلت الحكومات المتتالية على العراق قبل 2003م، حيث ضربت حلبجة وابيدت قرى كوردية في الانفال وضرب الجنوب والاهوار جففت وما زال الشعب العراقي وبالعديد من اطيافه يرفض الخدمة الالزامية ،لان الجيش في السابق لم يكسب ود وثقة الشعب واستخدم لضرب الداخل بدلا من الخارج واقصد بالخارج(العدو الخارجي) وليس كما فعل صدام بمهاجمته لدولة الكويت الجارة على سبيل المثال وهذا ما فاقم عدم قناعة الناس وثقتهم بالجيش العراقي واستخدامه في ضرب الكورد والشيعة على حد سواء ويشير الدكتور سليم الى امور دقيقة ساهمت في احداث الشرخ الاجتماعي والنفسي وفي اضعاف الوطنية العراقية حيث طبق البدل النقدي ، كبديل للخدمة الالزامية وهذا الامر متعذر على العوائل الفقيرة ومحدودة الدخل ان تدفعه فمن تعسر عليه دفع المال يؤدي ضريبة الدم ، كما يشير الدكتور سليم كيف ان نظام البعث قام (بوضع الاغلبية الساحقة للضباط من الطائفة السنية ،بينما تنتمي الاغلبية الساحقة من الجنود والمراتب الى الطائفة الشيعية) وبالتالي هو يدعو الى عدم تكرار هذه الاشكاليات وخصوصا (الاشكالية الطائفية لجهاز الدولة العراقية) كي لا يحدث الشرخ الوطني وهذا مالم يتجاوزه حكام العراق اليوم، حيث : نجد ان الاغلبية من الضباط الكبار في الجيش هم اليوم من الشيعة و وكانما التاريخ يعيد نفسه ولكن عبر غير طائفة وهكذا نجد ان اهل السنة اليوم ليست لديهم ثقة كبيرة بالجيش العراقي ، لانهم همشوا فيه وهذا ما فعله صدام بالشيعة عندما افقدهم ثقتهم بالجيش بعد ان وضع المراتب العليا كلها من الطائفة السنية ، وهنا نجد ان تركيزات الدكتور سليم على هذه المشاكل الطائفية السابقة هي دعوة ضمنية لعدم تكرارها في الحقبة الحالية ولكن سياسيي اليوم كرروها وبشكل اسوء حيث انهم عينوا في المناصب العليا في الجيش ممن يوالون الحزب الحاكم اكثر من غيرهم وان كانوا من نفس الطائفة .

ويشير الدكتور سليم الى مسالة مهمة وقد سبقت الازمة المالية التي نعيشها اليوم بعشر سنوات حيث يشير الى (الضرائب) وتفعيلها كمبدأ مواطنة اساس يجب ان تعتمده الدولة ، ولكن احدى مصائب الدولة النفطية انها عند ارتفاع مداخيلها من النفط ،لا تحاسب على الضرائب ولا تشعر المواطن المتهرب من الضريبة بانه فاقد لمعيار (المواطنة) ولو طبقت الدولة العراقية بعد 2003 الضرائب بشكل صحيح ووضعت قواعد مهمة ، لتطبيقها لما تأثر العراق بالازمة المالية الحالية بهذا الشكل المريع ولكن" حين ينظر المواطن الى الدولة بوصفها اداة قهر وابتزاز وتبديد الاموال العامة يلتمس لنفسه العذر للتهرب من الضرائب" وهذا ما يحدث اليوم، ومن جملة مشاكلنا (المصطلحات) ومن هو الوطني اليوم لدينا ، فمنذ نشأة الدولة يقول القوميون نحن اهل الوطنية وهكذا الشيوعيون والبعثيون وكل يدعي وصلا بليلى.

ومن الاشكاليات الكبرى التي يثيرها العلامة (سليم) هي قضية (الارادوية) ويضربها مثلا ، النزعات الانقلابية والتآمرية ومؤسسة العنف العراقية ، حيث يعتبر العلامة سليم ان الارادوية وهي (العزيمة والاصرار على التغيير) تقع في مطبات عن الانقلاب والتآمر وسلاحها الاساس في كل ذلك العنف ولكن يسبغ عليها مصطلح الثورة ، فمثلا هو يعتبر ثورة 14/ تموز انقلابا عسكريا وهو لايرى انتقاصا في هذه التسمية على هذا الانقلاب الذي يسميه مناصروه ثورة وكذا الامر مع انقلاب 8/شباط /1963 الاسود، والمسمى ب(ثورة رمضان) او انقلاب 17/ 30-تموز/ 1968م، والذي يسمى بثورة تموز، فالانقلاب هو: التغيير القسري داخل مؤسسة الدولة بواسطة الجيش ، اما الثورة فتمثل انتفاضة جماهيرية على مؤسسة الدولة وهذا ما لم يحدث لدينا في العراق وهذا ما لايأمل ان يكرر في تجربة العراق الحديث. وبسبب العنف في التغيير الذي طال بعض رموز المشروع العراقي السابق لذلك يخرج العلامة الوردي برأي مفاده "ان المزاج السياسي للمجتمع العراقي يتجاوب مع الحركات الثورية الراديكالية للامم الاخرى وتتاثر بها تياراته ، ويسترعي الانتباه بهذا الصدد ان تجربة المهاتما غاندي في النضال السلمي لتحرير الهند، لم تجد لها اصداء تذكر في المشروع السياسي العراقي مع انها كانت تحظى بتعاطف الراي العام، ولكن ان تتعاطف معها شيء، وان تتاثر بمنهجها شيء اخر ، ولا تشير الادبيات السياسية الى تيار تبنى بوضوح فلسفة المهاتما غاندي في المقاومة السلبية ، اللهم الا ما نقله بعض شيوخنا الذين عاصروا احداث اوائل العشرينات من القرن الماضي حين شبه الشيخ الخالصي بالمهاتما غاندي لتمرده على مخططات الانتداب سنة 1922م"وبسبب العسكرة والعنف وجهل بعض القيادات السياسية كصدام بالفنون العسكرية ووضع أناس ليس لهم علاقة بالجيش على راس الهرم كحسين كامل وعلي حسن المجيد ، كل هذه الامور جعلت من الجيش خرقة بالية سرعان ما تهاوت في صبيحة 9/4/2003م.

والارادوية لدى الطغاة تتمثل بان"المجتمع بجميع موارده :البشرية والمادية رهن اشارتهم" فالمغامرات العسكرية العبثية ينبغي الا تكرر في العراق الحاضر لان صدام كان قد فعلها واهلك الحرث والنسل (يكاد المرء لا يصدق وهو يسمع صدام يوم 2/7/2004 في جلسة توجيه الاتهامات اليه ان سبب احتلال الكويت سنة 1990 كان توجيه بعض الكويتيين اهانة الى المراة العراقية ويتساءل المرء ماذا كان سيحل بالامم ، لو ان توجيه الشتائم يسوغ شن الحروب، في الغالب ان البشرية كانت ستنقرض منذ عشرات القرون ان مثل هذه الذريعة المتهافتة لا تسوغ الاقتتال بين الافراد ، فما بالك بين الدول والامم) حتى ان شعار (تبا للمستحيل) الذي رفعه صدام والذي هو فرنسي بونابرتي تحول الى سيف مسلط على رقاب العلماء والمهندسين في الصناعة العراقية ، ويذكر المصائب التي فعلها نظام صدام وبذكره لها يحذر من عدم العودة اليها من الحاكمين الجدد الذين لم يكتفوا بالتلاعب بالاسواق والاسعار والدولار بل سرقوا البلد جهارا نهارا ، ويحذر من الرؤية التآمرية وان يقع فيها السياسيون الجدد (ان الوصول الى السلطة باسلوب تآمري يحفز لدى السلطوي الجديد الاحساس بتآمر الاخرين عليه) وان كان قد جاء بطريقة ديموقراطية لكن احساسه بتآمر الاخرين عليه يصنع منه دكتاتورا سيئا اخر ، وهذا ما رايناه متجسدا بشخص احد رؤساء الوزراء الذين حكموا العراق بالفترة الحالية حيث كان يظن الجميع متآمر عليه. وبالتالي اضطر هذا الرجل الى استخدام طريقة التنكيل بالخصوم والتخوين لهم ، ويجد الدكتور سليم ان للعنف جذوره التاريخية المستشرية في البلد منذ فجر السلالات وحتى التغيير في 2003م .

اما مؤسسة العنف في العراق الحديث ف(نستخلص ان الاحزاب والتيارات السياسية الراديكالية كانت الاوفر حظا في تعبئة الجماهير وتحريك الشارع السياسي ) ويشير سليم الوردي وفي اشارته هذه اهمية بالغة الى نقد ضمني الى الاحزاب الليبرالية وضعفها واستمراره في عراق ما بعد التغيير ، "اليوم وعلى الرغم من تغير مكونات وسياقات المشهد السياسي ، نجد ان الاحزاب والتيارات التي تتبنى النهج الليبرالي في سلوكها السياسي ما زالت ضعيفة التاثير في تحريك الشارع، مقارنة بالتيارات ذات السلوك الراديكالي اما الاحزاب السياسية العريقة بكفاحها  الراديكالي فتعول الى حد بعيد على رصيدها الثوري التاريخي وهكذا نجدها تتمسك بتاريخها النضالي الثوري واجهة تسويقية لترويج منتوجها الليبرالي الجديد" وفي ذلك نرى المظاهرات الاخيرة التي عمت المدن العراقية جند المدنيون انفسهم فخرجت مظاهرات بسيطة مقارنة بحجم اتباع الاحزاب الراديكالية التي خرجت جماهيرها مدافعة عن سلب حقوقهم من قبل الاحزاب المتنفذة!!!!

وهذا العنف في العراق والذي لم تستطع الاحزاب الليبرالية ان تعالجه وصل الى ان يجد له بيئة تستقبل القادم منه من خارج الحدود "هل من المقبول ان تفسر احداث العنف بتسلل فلول ارهابية الى داخل العراق وحسب ، وهل بمستطاع هذه الفلول ان تنشط على النحو الذي نشهده ان لم تجد لها حاضنة مؤاتية في البيئة العراقية التي يمتد تاريخها لالاف السنين" ومن كل ما ورد يتضح ان العنف في العراق ما كان وليد اللحظة ما بعد 2003 وانما كان نتاج تاريخي امتد لالاف السنين ووصل الى الدولة العراقية الحديثة 1921 واستكملت فصوله بانقلابات دموية موجعة ومغامرات عبثية صاخبة .

كما ويشير سليم الوردي الى اشكالية " لماذا نلصق صفة العنف بالعراقيين دون غيرهم وتاريخ البشرية وحاضرها حافلان باشكال العنف المختلفة؟"

ويجيب بان اشكالية العنف تجلت في العراق حين نكصت المسيرة الحضارية للبلاد ، وفقد العنف وظيفته الحضارية فتحول الى عنف مجرد وظيفته التدمير اي يقصد ما كان العنف الذي يدور في البلاد تقاتل لمصالح بل كان عنفا اساسه الغاء الاخر وتدمير اصبح ذي نزعة تدميرية وهذه هي المصيبة . ولهذا " لم يرث المجتمع العراقي المعاصر الوظائف الحضارية للعنف بل عنفا تدميريا عبثيا في حصيلته النهائية ، ودخل مشروعه السياسي وهو يحمل رؤية مشبعة بهذا الارث ولم تتمكن المذاهب الاجتماعية والسياسية الحديثة التي تاثرت بها طلائعه المنورة من تنقية رؤيته السياسية من اوضار هذا العنف المدمر ووجدت نفسها منجرفة في تياره" حتى ان العنف اخذ شكلا اكثر دموية وتدميرية في العراق. وكل هذه المعطيات التي اشار اليها الدكتور سليم سنة 2005 وما قبلها هي استقراءات لما ستؤول اليه الاوضاع حتى وصلنا اليوم الى عنف مركب متمثل بداعش الارهابية وميليشيات همها القتل والاستشفاء من الاخر المختلف عنها" 

كما يبتدأ الوعي السياسي من اشارة الدكتور سليم الى مصادره وابتداء بما حدث من انفتاح حضاري ما بعد ثورة العشرين حين اطلعت النخب على الليبرالية والاشتراكية والقومانية ولم تكتف بالاعجاب بل "طمحت للحاق بها ولو عن طريق حرق المراحل" وهنا "يكمن سر الكبوات اللاحقة للمشروع السياسي العراقي" فهنا يدعو الدكتور سليم الى التدرج بتلقف المفاهيم وليس من المعقول ان تصبح في يوم وليلة بلدا ديموقراطيا بعد ان كنت تحكم على اساس دكتاتوري ، وهنا مشكلة العراق اليوم فقد اصبحنا في يوم ولية بلدا ديمقراطيا وتم حرق المراحل مما سبب نكوص الديموقراطية اليوم في البلاد على المستوى التطبيقي . و في عموم التيارات السياسية فالقوميون سابقا تاثروا بالاوربيين وخاصة "النازية والفاشية" وفاتهم ان المجتمع العراقي لم يكن قد خطى بعد الا خطوات في طريق الوطنية على المستوى الاقليمي تكبحه العلاقات والذهنية العشائرية وتبني التيار القوماني ، النزعة الانقلابية قولا وعملا برنامجا له وظل متمسكا بها الى النهاية .اما التيار الليبرالي في العراق فمعاناته تكمن في عدم وجود رصيد تاريخي له في حكم العراق ، ولم تجد بعض رموزه مفرا من التحالف مع قطاعات غير سياسية مثل العشائر والجيش الامر الذي افرغه من الخميرة الليبرالية الطارئة التي كان يتوفر عليها ، وهو بذلك قد سبق ما فعله بعض المحسوبين على التيار الليبرالي اليوم، بتعاضد ولقاءات لاتسمن ولا تغني من جوع مع اركان المؤسسة الدينية مبررين هذه اللقاءات بمفاهيم مجتزئة لفلسفات كمفهوم"الكتلة التاريخية" ، وهم بذلك يسوغون لاعمالهم البعيدة عن الخط الليبرالي بلقاءات مع شخصيات بالضد من هذا الخط تحت عناوين مجتزئة حيث ياخذون جزءا من الفلسفة ، محاولين تطبيقها وتاركين الجزء الاهم منها غير مفعل والاهم من ذلك هو ايجاد البيئة الصحية والحقيقية للمفاهيم الليبرالية لطرحها والتعاون بها اما لقاءات مع اشخاص رافضين بالاساس للمفهوم الليبرالي . وانا اجد هذا العمل محض هباء واجد ان هؤلاء لم يقوموا بالخطوة الصحيحة في طريق الليبرالية وكأنما قرأ الدكتور سليم هذه التحالفات بين البعض ممن يحسبون على الخط الليبرالي قراءة دقيقة باعتبار ان مثل هذه التحالفات تفرغ الليبرالية كتيار من خميرتها ،فالليبرالية ترسخ عبر مسيرة طويلة وعبر مؤسسات وآليات دستورية رصينة ومرنة تستوعب الحراك المجتمعي. ومن دلائل ضعف التجربة الليبرالية في العراق والتي ما زالت حتى اللحظة ومنذ العهد الملكي "ان الاحزاب والتيارات السياسية لم تضع الديموقراطية كمنظومة سياسية مستهدفة ضمن اولوياتها بل كانت الديموقراطية تقف عند حدود هامش الحرية الذي يتاح لتحرك كل منها، او الحصول على بعض المكاسب السلطوية المتواضعة ولم يلاحظ في برامجها وسياساتها تحرك صميمي يثقف الجماهير بأهمية الديموقراطية وعندما كانت الاحزاب السياسية تأتلف في جبهات سياسية مناوئة للسلطة كانت الديموقراطية شعارا ترفعه وسرعان ما ينحسر عند تحقيق هدفها الذي ائتلفت من اجله" وهذا الحديث الذي ينقد فيه الدكتور سليم الاحزاب ابان الفترة الملكية يدعو الى عدم العودة اليه ولكنه مطبق اليوم وبحذافيره فكل احزاب السلطة الحاكمة في العراق ليس لديها ديموقراطية داخل احزابها فكيف تستطيع تجسيدها واقعا فرئيس الحزب نفسه يبقى رئيسا للحزب لسنين طوال حتى موته فكيف سيكون ديموقراطيا وينحو حملة النزعة الليبرالية  في فشلها باللائمة على الراديكاليين من الاحزاب التي حكمت العراق ؟ ولكن يعيد القضية بطرح اخر ، الدكتور سليم" هل يقف استفحال التيارات الراديكالية وراء اخفاق المشروع الليبرالي ام ان اخفاق المشروع الليبرالي حفز استفحال التيارات الراديكالية ؟" وانا اجد ان العاملين قد تسببا في اخفاق المشروع الليبرالي في العراق ففي ما بعد التغيير لم يضع الليبراليون مشاريع حقيقية للنهوض بواقع المجتمعات وعند فشل الاحزاب الاسلامية الراديكالية ، لم يستغل الليبراليون الفرصة لان يكونوا بديلا عنهم بالساحة ، بالتالي فشل الليبراليون في هذا المجال ومن جانب اخر ساهمت احزاب الاسلام السياسي الحاكمة في العراق بمحاربة اي صوت يخرج مطالبا بحيرة حقيقية وبالغائه. ان الدكتور سليم يعتبر الليبرالية ليست قوانين نحاول سنها وتطبيقها بل هي معيار حياتي مستمر ، فالتطور حسب وجهة نظره هو نسق معرفي يتحول وعبر تراكمية الى رافد لتطوير المجتمعات " ان الدساتير والقوانين لا تخلق العلاقات الاجتماعية قسرا ،فما هي الا قواعد واليات عقلانية لتنظيمها وتطويرها واذا ما افتقر المجتمع الى احتياطي كاف للتطور في اتجاه معين فان القوانين لوحدها تعجز عن رفده بهذا الاحتياطي" كما ان المشروع الليبرالي وعلى الرغم من اخفاقاته لم يستطع ان يجد له مكانا بعد ثورة 1958م فقد سيطر عليه" التياران الراديكاليان المتصارعان :الشيوعي والقومي" "واخفقت التيارات الليبرالية انذاك في استثمار الصراع بين التيارين الراديكاليين لصالحها" وكلام الدكتور سليم هو دعوة لاصحاب التيار المدني لعدم تكرار هذه المشاكل ولكنهم كرروها ، فالاسلاميون في العراق وبعد سرقاتهم فقدوا شعبيتهم كثيرا قبل مجيء داعش واصبح الناس يسبونهم ليلا ونهارا ولكن لم تستطع الحركات الليبرالية والاحزاب المدنية ان تستغل الفرصة لصالحها بطرح مشروع وطني رائد وكسب الجماهير وانما ظلت معزولة في برجها العاجي فجاءت داعش وقامت الاحزاب الحاكمة بقتالها فاستعادت جزءا من مقبوليتها لدى عامة الناس والسذج منهم هذا في حينها ، وقد جاءت ثورة تشرين واعادت للناس وعيها بماهية الاحزاب الاسلامية الحاكمة ،  فالاحزاب الحاكمة لم تكن لتقاتل داعش لولا انها شعرت بخطر محدق يهدد مصالحها المادية والدينية على حد سواء والا فالعراق في اخر سلم اولوياتها.

ومن الملاحظ ان الدكتور سليم اكد في رؤاه فقط على الشيوعيين والقوميين والليبراليين ولم يذكر الاسلاميين بالشكل الواضح والصريح ولكنه يقصدهم تماما فهم الحاكمون الجدد ، طبعا ذكره لاولئك لانه لم يقيض للاسلام السياسي القفز للحكم طوال تاسيس الدولة العراقية ولا حتى الدنو منها الى ما بعد التغيير في 2003 وبدلا من ان يستفيد الاسلاميون من اخطاء البعثيين والشيوعيين والقوميين نراهم ارتكبوا اخطاء السابقين لهم وزادوا عليها. 

اما اعادة انتاج الوعي وبشكل دقيق يؤكد على ضرورته فلديه ان الوعي الاجتماعي "لا يقاس بالارقام بل من خلال درجة استجابته للاحداث والتحولات على مستوى المجتمع المعني والاتجاهات العامة في تطور الانسانية " حيث يمثل المشروع السياسي العراقي (1921-2003) معينا لا ينضب من الدروس والعبر" فماذا يعني اغفال تلك الدروس ليواصل وعينا النظر الى الاحداث والمستجدات بالنظارات نفسها؟ " وهذه دعوة الى عدم تكرار تجارب الماضي المريرة لا من قبل المجتمع ولا من قبل النخب السياسية الحاكمة ولكن كلا المجتمع والسياسيين قد كرروا نفس الاخطاء ووقعوا فيها كأن شيئا لم يكن.

والارادوية التي حذر منها الدكتور سليم قد ارتدت ازياء مختلفة فلدى عبد الكريم قاسم هي "فوق الميول والاتجاهات" مما جعل المتربصون يطبقون على حكمه سريعا ، وفي ظل الحكم العارفي كانت" عديمة اللون والطعم والرائحة، ومنعزلة اجتماعيا" وفي ظل البعث اشرك الجماهير في نشاط سياسي واسع من حيث الظاهر طبعا حيث تمثلت بالزج القسري الاوسع   ولكن في اطار اليات حزب البعث لاغير ، اما الانتهازية واغتنام الفرص التي وجدناها في حكام اليوم حاضرة ومن خلالها سرق العراق وميزانياته الانفجارية . والسلوك الانتهازي لايمثل "المعضلة الاساس التي يواجهها المجتمع ،فمتى استقامت اليات الحياة السياسية زالت بالتدريج، الظروف التي تغذيها " وفي المقترب الخامس يتناول الدكتور سليم "تقييم لاداء المشروع السياسي العراقي" والتقييم مهم من وجهة نظره حيث" يختزن الفرد العراقي في اللاشعور بواعث على النفور من التقييم اسستها القيم الاجتماعية التي تدعو الى التستر على العيوب " والتقييم للمشروع السياسي السابق لا يقف عند حد الخسائر المادية والمالية الهائلة والمعنوية التي تكبدها العراقيون جراء مشروعه السياسي  ، اما الخسائر البشرية ومعاناة المجتمع فحدث بلا حرج والسؤال ماذا استفاد حكام اليوم من السياسات الرعناء لحكام الامس وهاهو العراق قد استنزف ماديا ومعنويا الى درجة لا توصف حتى فقد العراقيون الكثير من اموالهم وابنائهم تحت عناوين واهية( عشائر ، مؤسسات دينية ، فتاوى... الخ) ويخرج الدكتور سليم بان الحصيلة النهائية للمشروع السياسي العراقي هو " عودة البندول سنة 2003 الى المشهد السياسي لسنة 1921م، حين طرحت اهداف الاستقلال ونيل السيادة الوطنية والتطلع نحو تاسيس مؤسسات الدولة والمجتمع المدني" وبالنتيجة " لم يؤسس المشروع السياسي لوعي وثقافة ليبراليتين في اوساط المجتمع العراقي ولم تتحول الديموقراطية الى هدف محوري لتعبئة الجماهير  بل مجرد هدف يدرج في برامج القوى السياسية المعارضة" وان ثقافة العنف التي تسايرنا اليوم هي التي طبعت المشروع السياسي العراقي .

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي