منسوب التاريخ وفائض المعنى رواية صورة جانبية للخريف لحسين محمد شريف

محمد يونس - كاتب عراقي

تعبير اللغة واشتقاق المتصور-  في سعي لسانيات النص ادبيا، يكون التعبير اللغوي هو المنشود، ولا يكون للغة الابية هدف اول قبل التعبير، فهي ليست مجال لغوي – لغوي بذاته، بل هي مجال لغوي – ادبي، والثاني هو المهيمن على الاول، والرواية كنص وحدات لسانية في الصيغة الخطابية الثابتة خارجيا والمتغيرة داخليا، فلرؤيا تخص المؤلف وهي زاوية نظره لوحده، اما المضامين المتعاقبة والمتوازية والمتقابلة، فتلك تخص لسانيات النص الروائي، ورواية حسين محمد شريف – صورة جانبية للخريف, هي تبدأ معلنة صفة تعبيرية من وحدة الاولى الاشهارية، حيث مضمون العنونة، هو تعبير ادبي واضح، وتتجلى في جملته الصياغة الادبية، فالعنونة هنا تدخل في مجال لسانيات النص، عبر البلاغة الخطابية التي تمثلت بها، وهي استوجب ان تكون كاشتقاق متصور عن رؤيا المؤلف للمتن النصي، وبعد العنونة نواجه ايضا اشتقاقات متعددة، ولكل اشتقاق صيغته الادبية، فان ما بعد الاهداء الرأسي الصفة, والذي تتدرج فيه سنوات من بداية القرن العشرين حتى عام 1980, وطبعا في لسانيات النص ذلك لابد أن يقابل ما بعده, كوحدات نصية اولية لا تدخل في باب الاجراء الرسمي للنص, وهذا الاشتقاق الذي هو مضمون اولي يمثل نسبية في تعبيره غير المباشر, رغم أن – المدخل الاولي – هو صفة جد طبيعية في الكتابة الروائية, لكن هنا نسأل ما هي ميزته في رواية اتسقت مع التاريخ بشكل كبير؟, فلابد أن نحلل بنية ذلك المدخل وبيان وظيفته اولا, وأن كانت تلك الوظيفة هامشية في حقل الكتابة الساعية الى نتيجة, وهناك مهمات لدى المؤلف اكثر قصدا، لكنها مادامت في موقع متقدم على المتن النصي للرواية، فلابد لها أن تكون بأهمية لم يقصد لها أن تكون بشكل اوضح مما يستوجب النص الروائي، وهي في تفسيرنا لمضمونها، ونجد أنه بشكل اساس اهتم بالتعبير عن فلسفة الموت بالحياة, وبما هو فيه المؤلف قد استعار من ماضيه صورة جانبية, واراد أن يرى نفسه كيف تعامل مع تلك الفلسفة بشكل واقعي, او يكون فكرة عن المضمون الفلسفي, وقد تمكن  حسين محمد شريف من صهر( الخصوصية , النسبية دائما, القاسية جدا, وصهر الوقائع المتصلة بالعنف اللغوي او الاستهلاك الكولونيالي)1، وفعلا بعد نسبة من وقائع انحرفت الصياغة اللغوية نحو المعنى الفائض من تلك الوقائع، واعتمدت على ضخ التعابير الطرية فيه، فكان ذلك المدخل نصا تبريريا لنفسه، لكنه يملك مقومات نصية للانفصال او الاتصال مع المتني النصي .
نسبية التاريخ وفائض المعنى – بدت الوقائع اللغوية تستهل مادته, ومن ثم اتجهت الى المتن التاريخي لتحاكيه في بعض التفاصيل, والتي تنتمي للرواية كجزء من المادة اللغوية للرواية, وهي تنتمي للمتن التاريخي, على اعتبار أنها تتنفس داخل ذلك المتن التاريخي, وقد قدم لنا الروائي مادته التاريخية مؤشرة على عكس التفاصيل التي تخص واقع شخوصه، ومن ثم سرعان ما تخلى عن تلك الخطوط التحديدية, وصارت كنوع من المناورة الفنية, لكن بقي النفس التاريخي ملازما للرواية ولم يغادرها، وما من تفاصيل حدثية متحركة الى الامام نحو نتيجتها، الا كانت تبث لنا عبق التاريخ، ونوع ذلك التاريخ هو فعلا عبق، حيث يرتبط بمشاعرنا، ووجداننا العام.
أن شكل اللغة في رواية – صورة جانبية للخريف - هو معيارها الخارجي، والذي ترتكز عليه في الصفة الاخبارية، وهنا تمثل به سمتها الوجودية التي اختارها الروائي من مقومات عدة اشتركت في صيغ متعددة من العمل لإنتاج الاثر الادبي، واللغة شكلا يتفق الكل عليها، المؤلف والشخوص والتلقي حتى، ولا يختلف أي منهم على أنها وسيلة تامة للتفاهم، بمظهرها الادبي والاجتماعي،  وعلى وجه الخصوص ان ذلك الشكل نلمس منه النفس التاريخي بوضوح، على عكس المعنى الروائي الذي اخذ غرضا اخر، ووحدة الدلالة هنا لا يمكن أن تخرج من مدار العمومية، وهي هنا ما يسمى – الدلالة المباشرة – والتي هي مؤشر الأقناع العام الحاصل بين الروائي والقارىء عبر الصفة العقدية، والوسيلة المعنوية في تفسير صحة الكلام الحواري او التفسير الشخصي للشخوص، سيان كانت صفات خطابية، في ينعكس بالمقومات الشخصية والمنسوب التاريخي المرتبط بها، او دلالية بالصفة الرمزية، والتي هي تمثل الوجه التعبير المقابل للغة السرد المتعددة السياقات التاريخية والواقعية .
التعبير لغة وتبرير المؤلف للمعنى – استفاد حسين محمد شريف من بنية التداول، حيث تمكن من تمرير غاياته الداخلية، رغم أن مكون نصه الروائي كان احوج الى أن تقوم الشخصيات بذلك، لكن الشخصيات جميعا كانت تتحرك داخل كيان التاريخ، وهذا ما يجعل مواقفها اشارية وليس علاماتية على الغالب، وحسنا فعل حسين محمد شريف فالمعنى الروائي لابد له مهما اتسق بالمشاعر والاحاسيس من ضفة واقعية، وضفة التاريخ مثيرة، وقد تجعل وحدة النص الروائي  ببلاغة نوعية, وأن كانت تلك البلاغة توضيحية، لكنها خارج الطابع المألوف للوضوح، وكان من جعل التاريخ هنا تبريريا لصالح ثيمة النص اجدى من وضوحه التقريري .
لقد قدمت تجربة رواية – صورة جانبية للخريف امثلة نوعية في التبرير النوعي, حيث حتى صلابة التاريخ هنا لانت, ففي لسانيات النص الروائي هناك تطور غير افقي, وبعض تسميات الامكنة دخلت في ما استوجبه هذا التطور من تأويلات داخلية وخارجية, فمثلا أن تسمية خان باسم – خان وردة – يحرك الشخصيات نحو التأويل كما يحرك منظومة التلقي نحو التأويل ايضا, فيكون هناك تكافؤ بين منظومتي التأويل الداخلية والخارجية، وطبعا سينمو ذلك التأويل بين امتداد الجمل السردية والوصفية، وستكون هناك تفسيرات لاحقة لدينا ازاء لسانيات النص المتطورة، وسنحيل تبريرات المؤلف في اختيار اسماء شاقولية للامكنة والشخوص، هي تتصل بالمعنى اكثر مما تتصل بالواقع الاجتماعي للنص الروائي، رغم أن الوحدات المكانية وجود حي يوازي وجود الشخوص، الى ما نسميه في اللسانيات الى التزامن، حيث تزامنت اسماء الشخوص واسماء الامكنة، وذلك لكي تكون الوحدة النصية الداخلية اكثر تماسكا، وأن تنوع تبريرات المؤلف في جذبه لنواحي التاريخ المختلفة عقائديا في المكان الذي افترضه لهاو هو يحسب لنشاط الوعي لديه, في تحقيق مهارة ميثولوجية داخل متن نصه الروائي, حت كان المكان المفترض يلامس الحقيقة التاريخية له تماما, فروبين الحلاق اليهودي, والاسم المختصر – اق – وكذلك محور الرواية – شيرو -, والباكباشي قلاووز, وسعيدة سنكين, هي مقومات تاريخية في التعبيرات التي تتمثل بالأسماء تلك, لكن هي شخوص واقع النص الروائي وامثلته, بيد أن ذلك الواقع يجذبنا نحوه لنعرف في حد تاريخي هو موجود، وكما إننا نقر لسانيا بأن ادبيا يمكن للغة أن ترسم صورة نعجز عن التفكير بها في واقعنا العام، وتلك اضاف لها حسين محمد شريف بروايته – صورة جانبية للخريف – نكهة اخرى، حيث ناور بالنقاط السطرية، والتي قصد بها الانابة عن ما لا يمكن تفسيره، او هو ليس من وثائق الرواية الادبية .

1- احادية لغة الاخر – جاك دريدا – ترجمة عزيز توما – ابراهيم محمود – دار الحوار – ص 37