loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

يا فيض قحطان فيضُك يذكّرني بجدبي

breakLine
2022-11-07

 

سلمان كيوش || كاتب عراقي

 

 

منذ متى وأنا أسمعك؟ لا أدري بالضبط. كلُّ ما أدريه وغيّبَه حسنُ ظنّي أن "قلبها"، الذي استغنى عنّي فجأة، يشبه فصّ ثلج تحت الشمس. أشعرني ذوبانُه حينها أن جدبي بعدها أكبر من أن ترويه سيولٌ غير تلك التي تنبع من عينيها. رأيتُ أن "يا فيض" لي وتخصّني فردّدتُها بعدك، فأنا مناسبتُها وسببُها، وأنا مَن يعنيه أمرُها لأنّي، ببساطة، غدوتُ قاحلًا بفراقها، فأحببتُ الأغنية وأحببتكَ معها. وكنتُ قد اكتشفتُ أن لـ"عينيها" أكثر من لون؛ فهما في الشمس غيرهما في الظلّ، وهما بلون راسخ حين تغضبان وتناوئان وجعي وهيامي بهما، وتسطوان على ألوان القزح وقوسه حين تبتسمان. 
كان كاظم الرويعي موفور الألم، وأنا مثله، حين كتب "أنا بهجرك شحيح الماي يا فيض"، يعرف عن روحي ذلك الجزء الأكثر رهافة والأكثر أهبة للحبّ فخاطبه. هكذا أحسّ، ولي الحقّ في هذا ما دامت الأغنية مشاعةً كشيوع الشمس. يدري الرويعي أن للظَفر أنواعًا كثيرة، لا يعنيه جُلّها، ما يعنيه هو الظفر بقلب حبيبته ورضاها عنه، ويعلم، وأعلم، أن الوجود خالٍ موحش إن خلا من وجه الحبيب، فجرّبَ ارتداء ألوان الليالي، السود منها والبيض، وجرّب الفصول.. فلم يذعن إلّا لحقيقة واحدة أنّ الحبيب فيض.. أعانه على هذا الفهم المرحوم محسن فرحان، فهو الآخر مكرّس لكلّ ما هو جميل، ومحشو بثورة ضدّ ما يصطلح عليه العشّاق بالهجر. كلاهما يحلم بانتصارات صغيرة غير مسلّحة، من قبيل صنع أغنية، مع أن لا أحد منهما غده طوع أمره كأيّ عراقيّ.  
كاظم الرويعي نصف دائرة قزحيّة، ومحسن فرحان نصفها الآخر، فاكتملت لتحيط بكثيف البياض والتوهّج قحطان العطّار، وخرج من قطرها "فيض" ثلاثي المرارة ليُغرق المسهّدين بانتظار سكينة لقلوبهم ليروا العالم أجمل، أعني كلمة رضا من الحبيب يمتلؤون بفيضها سعادةً لا يجدونها إلّا لديه ومنه. 
يقرُّ الثلاثة على لسان العطّار أن طيف الحبيب، وأنا أشاركهم إقرارهم، "يجي باليقظة والنوم"، هو هو، فيعجزون عن تفريق وجهه إن كان بأبعاد ثلاثية يسبقه عطره، أو هو وهم مركوز في تلافيف مخيّلتهم التي لا ترى ولا تسمع سواه. ويقرّون، وأنا معهم، أن "همّه أمرّ من كلّ الهموم" على تنوّعها وفداحتها. لكنّ العطّار، ومعه الدائرة القزحيّة الجميلة بنصفيها، موقن من وشالة وفاء لدى الحبيب، لا يريد رؤية أو افتراض غيرها.. فهو كالقمر، "ما تاخذه غيوم" وإن اسودّت.
يعلم العطّار أنّ في كلّ أغنية جميلة حياةً، تبدو الكلمات فيها على غير أُلفتها على ألسن الناس، تبدو مستبدّة فتحوز انتباه الجميع، حتى من لم يجربّوا نصل الهجر الباشط على لحوم قلوبهم. ويعلم العطّار أيضًا أن وراء يا فيض ما وراءها، كأنّها تستشرف أقدارنا مع الماء، الذي يشبه الحبيبات، فأومأت ولَمّحت وأوشكت أن تقول في أثناء دقائق الأغنية المعدودات، أو بعدها: إن ضرر الفيض، مهما قسا، لا يشبه ضرر الجدب. الجدب ألعن، لأنّه هجر آخر. 
العطّار أكثر فيضًا من حبيبته، وأنفاق جماله السريّة أعمق، وأنا كذلك. ولأنّه جنوبيّ وچناني طالبها أن تشاكله، أن تكون مثله، أن تشبهه في غزارة مائه ووفرته وعمقه. فكان من المنطقي أن يشعر أنّه على حقّ في مطالبته لأنّه عاشق، لكنّ الأغنية لا تخبرنا عنها، هل طاوعته؟ هل لبّت الحبيبة نداءه؟ لا ندري. 
قحطان، أما زال الحنين يطلّ من قلبك في غربتك؟ أما زلت تتعطّر للقاء تنتظره معها، وتمضغ ما تيسّر من هيل يملأ فمك وجيوبك لتدرأ به حنظل أيام هجرها؟ أما زال الحبّ أوضح ما فيك، وتضاهي به وتفاخر من يكنزون غيره، فهو أثمن ما لديك وأوضحه؟ 
لا أدري يا الچناني أكنتُ أحبّك كل هذا الحبّ من دون يا فيض، مع أن تراثك غزير وجميل كلّه؟ لذا تراني أغنّيها لأحبّتي دون أن أستأذنك.. أغنّيها وأتمثّلك، وأستوحي الهجر القاحل فيها فأخشاه، لأنّه يذكّرني بجدبي "بعدها".

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي