loader
MaskImg

حوارات

أمير شعراء فرنسا الشاعر بول فرلين.. في ذكرى رحيله

breakLine

 

 


كتابة وحوار الشاعر العراقي أسعد الجبوري

 

كان النهار في ذلك اليوم الذي تختلطُ فيه الشمسُ بالظلام جافاً .فلا النهار بنهار ولا الليل بليل. .وقتٌ متداخلٌ تماماً.مصابيحٌ زرقاء تشعُّ كأعينِ نمورٍ. وراياتٌ عملاقة تملأ الفضاء والشوارع والساحات المكتظة بمختلف أنواع الأسلحة.
عندما انطلقنا في مهمة البحث عنه،قال لنا الشيطانُ الأكبر (تيوتسا) صاحبُ الدبّ العملاق،أن العثور على الشاعر الفرنسي بول فرلين صعبٌ ،لأنه في مكان بعيدٍ وراء تلال الرمل .
لم نصدقَ الخبرَ،لعدم معرفتنا بوجود صحارى في السموات.وما هي إلا لحظات ،حتى التقطنا طائر (البانس)) ومضى بنا نحو التلال البعيد،لنجتمع بكل من جلجامش وبول فرلين وهما يتصبّبان عرقاً ويخوضان المشيّ على رمال حارّة تكاد تغلي .كان كلٌّ منهما في مهمة البحث والاستقصاء. جلجامش يفتشُ عن أنكيدو،وبول فرلين يبحثُ عن الشاعر آرثور رامبو..
أوقفنا أمير الشعر الفرنسي بول فرلين وطلبنا منه اجراء حوار.فسألنا إن كنا نملك خمراً أم لا.فأخرجنا له من الحقيبة اليدوية زجاجة من الويسكي . قدمناها له .فاغتبط كثيراً . فتحها ،ثم قام بدلَق الخمر في جوفه ،بعد ذلك جلسنا على متن صخرة كانت منتصبة بشموخ في العراء، لنبدأ بالحوار معه . سألناهُ :


س/ ما المسافةُ الفاصلةُ ما بين رأسك وقدميك يا سيد بول فرلين ؟
ج/ من يدري.فأنا لم أقمْ بعَدّها .ولكنها قد تبلغُ الكثير من الفَراسخ .


س/ ألا تعتقد بأنك أخطأت بالحساب ؟
ج/ في حقيقة الأمر الواقع ، أنا لا أعرف ما الذي دفعَ بك لطرح سؤالٍ غامضٍ مثل هذا.


س/ نحن نتحدثُ عن دورة الأفكار في عقل الشاعر ليس إلا. فلكل فكرة قدمٌ تسيرُ بسرعة ما.وأنتَ مولّدٌ جيدٌ للأفكار التي تنزل من رأسك، لتقوم بعدها قدماك بتنفيذ مضمونها بالسرعة المطلوبة،سواء بالمشي إلى الفردوس أو العكس.
ج/ لم أحسب لخطواتي حساباً في يوم ما.كان عندي سكرتير خاص يقوم بتلك المهمة على أفضل وجه.


س/ ومنْ هو سكرتيرك الخاص الذي يفتحُ خزائنَ رأسك ؟
ج/ ليس غيره.الخمرُ .


س/هل هو صاحب البار الوحيد في رأس بول فرلين ؟
ج/ أجل .فقد بات المالك وصاحب الطابو الذي حظي بجميع عقارات العقل وممتلكاتي الشعرية القائمة بالمبنى العلوي لجسمي.


س/هل لأن في الشعر فلزاتٍ لا يمكنها الاندماج إلا مع الخمور،لتكتملَ الأرواحُ داخل النصوص ،فتطّاير عبر الأثير النفسي إلى حتفها في القارئ أو في حاضنة العدم ؟
ج/ يجب الإيمان بأن للخمر حروفاً هائلة العدد والتعداد.أي أن في كل قطرة خمر حرفاً خاصاً بها،يتشابكُ متفاعلاً مع الحروف الأخرى،ليتسبّب بإنتاج شعري يميزه عما تصنعهُ بقيةُ الأحرف الأخرى من أجل بناء حياة الشاعر السريّة .


س/هل الخمرُ هو الشاعر؟
ج/لا. إنما هو النشوةُ المتصلةُ بالخمر ،لا على طريقة الاستشعار عن بعد،وإنما لأنها مستودعُ أدوات التعبير.


س/ هل كانت الصورةُ الشعرية تنزلُ من رأسك صخرةً ،لتقوم أنتَ بعد ذلك برفعها نحو أعالي الجبل كما كان سيزيف يفعل بممتلكات عذابه ؟
ج/ كنتُ أضع صوري الشعرية في النصوص ،مثلما تضع الأمهاتُ المواليدَ من الأرحام.ولكن بفارق واحد،هو أنني كنتُ رحماً مهاجراً بأجنته من عملي المهني في مكاتب "دار البلدية" في "باريس" إلى التيه الأوروبي البعيد عن روائح البارناسيّين.


س/أية روح يمكن أن تُبعثَ من جسد الشاعر إلى جسد اللغة،أو العكس ؟
ج/ هذه الفكرة تحتاجُ إلى مَشرَحة المعاني العظمى.فما بين الجسدين ،طالما خلعت اللغةُ أحذيتها وتوغلت بين طبقات لحوم الشاعر دون حذر، وكأن القصيدة تقدم لحمها لمجموعات الذئاب بالمجان.


س/هل يمكن للشاعر أن يقوم بتربية الذئاب في القصيدة على حدّ علمك؟
ج/أنا مفتونٌ بتربية الذئاب والشياهِ على حدّ سواء.فلا يمكن أن أترك ذئباً على سطر،دون أن أضع على صحن الطاولة شاةً ليتمتع هو باللُحوم،وأنا بمُخِ عِظام اللغة.


س/ أنت تقودنا إلى تصور غرائبي،وكأن اللغةَ مسلخٌ للكائنات!! لمَ تتضخم هذه الرؤية بذهنك ؟
ج/ الكتابة كما أعتقدُ هي نوعٌ من تبديل الجلود ليس إلا .الكلماتُ تبدلُ ثيابها كالثعابين،وإلا لنفقتْ داخل القواميس والمعاجم.


س/ولكن الشاعر ليس بقاموس ؟
ج/ هو يظنُ ذلك خطئاً .وأنا أجزمُ بأن الشاعر العالي الحساسيات،ليس سوى معجمٍ تملأ كلماتهُ الدماءُ كي تجري المشاعرُ فيها وتتدفقُ دون برودٍ أو توقف .


س/حتى إذا ما اعترضها سورُ الصين على سبيل المثال؟
ج/للكلمات أجنحةٌ تخفق بالطيران إذا ما أرادت التحليق بعيداً.


س/أنت خدمت في فوج الدرك الخاص بحماية الأمن اثناء الحرب.ما الذي أضافتهُ الحياة العسكرية لبول فرلين؟
ج/ لاشئ سوى قذف جسدي نحو المراهقة المريرة.


س/ تقصد السقوط في حضن الزوجة (ماتيلد مات) أم الركض الشبقي وراء آرثر رامبو ؟
ج/ لم أتذكر أنني سقطتُ زوجاً في حضن (ماتيلدا مات) .ربما كان ذلك حلماً. إما ركضي وراء رامبو ،فقد كان هو الجنون الصاعق بالضبط.


س/ لذلك كنتَ أسرع من الرصاصتين اللتين أطلقتهما عليه تقصد؟
ج/ لم تذهب الرصاصتان إلى رامبو، إنما شغفي اللعينُ هو منْ جرحهُ .أجل كان ذلك الغرام أسرع من الرصاصتين نحوه .


س/لمَ استخدام المسدس؟
ج/استخدمتُ السلاحَ لإيقافه عن الرحيل ،بعدما عجز الشعرُ عن ذلك.لكن الشيطان الجميل رامبو،لم يمتثل لشغفي ولم يستمع لتلاطم الطبول التي كانت تعمل بصدري.أراد التخلي عني وتركي مثل جرذٍ مريضٍ في فتحة بالوعة .


س/ كان وَلِعاً جنونياً ،أفقدكَ زوجةً انفصلت عنك. وهجركَ المعشوق رامبو الملعون بعد أن أودعكَ بسجن بروكسل البلجيكي لمدة عامين بسبب حادثة إطلاق النار عليه وأنت في حالة من الثمالة المتناهية.كيف كنت تشبكُ تلك الحالات ببعضها؟
ج/ لقد اقتحمنا العقلانياتَ بمدرسة الأخلاق الميتة، فأنتجنا من وراء الخمر والمخدرات والشذوذ الجنسي والأحلام والهوس المصاحب للهذيان. لقد قتلنا أنفسنا بالمرحلة الرمزية التي عثرت علينا كشعراءَ فَسِدتْ لُحومهم وتهشمت عِظامهم على طرقات أدبية غير واضحة المعالم.


س/هل كان الشقاءُ مع الشاعر الملعون نعمةً برأي بول فرلين؟
ج/لم يكن رامبو تمثالاً من حجر،ولا أنا. كنا نغذّي بعضنا بالأشعار وبالمخدرات وبقنابل الشغف اللامحدود.بل وأستطيع التعبير أكثر، بأننا كنا أسطوانة محطمة ،تتناثر أنغامها في كل اتجاه من ذلك الوجود الذي يبدأ بكأس ولا ينتهي على سرير من النار.


س/ كنت شريطاً سينمائياً مروعاً وشاذاً ومزدحماً باللعنات .هل تعتقد بأن السجن أنضجَ ثمارَ بول فرلين الباطنية إلى حدّ ما ،فجعلك أكثر هدوءاً مما كنت عليه في الخارج؟
ج/ في السجن ،ومع الخمول البدني وتصاعد الصلوات اللاهوتية إلى أعالي الرأس وأزقته الضيقة، كتبتُ مخطوطة تُدعى ((من الزنزانة)) وهي أناشيد الخيبة والندم والذكريات والحسرة على الأحبة ممن رحلوا بعيداً عن متناول اليد والمقاهي والحانات والتخوت والأوراق في كومونة باريس وسجن بلجيكا وجوع لندن.


س/ عن عدم نشرك لمخطوطة ((من الزنزانة)) في حياتك كما يقول جان بيارغينو الكاتب ومدير دار نشر بارول: «قد يكون سبب عدم نشر هذا الديوان كونه يكشف عن هول المعاناة النفسية التي لازمت فيرلين طوال حياته: حيرته بين زوجته وعشيقه، بين حياة هادئة رتيبة وحياة مثيرة صاخبة، بين المشاعر النبيلة وبين السقوط في الرذيلة، بين الجنة وبين النار». فيرلين كان إنسانا معذبا وحبيس هواجس لاحقته منذ طفولته، عاش ذكريات مرعبة كمنظر إخوته الأجنة الذين توفوا عند الولادة والذين ظلت والدته محتفظة بهم في أوعية من زجاج تكلمهم وتناديهم بأسمائهم لسنوات كثيرة. كان يرى نفسه قبيح الوجه، بشعا وقد مثل نفسه في سيرته الذاتية في شكل قرد)) .
ج/أردتُ آنذاك جمع نقاط من الأوكسجين لقلبي لئلا يتوقف نبضي، وأضمحل على عجالة من أمري دون توضيح.


س/ توضحُ الكاتبةُ أنيسة مخالدي عن تقارير الشرطة البلجيكية عن سنوات سجنك قائلة: (( تقارير الشرطة البلجيكية التي ألقت القبض على الشاعر الفرنسي بعد أن أطلق النار على صديقه وعشيقه الشاعر أرثر رامبو تحت تأثير الخمر والغيرة. وقد أفادت النسخ الأصلية لمحاضر الشرطة ورسائل الشاعر رامبو وفرلان مع أصدقائهم وأقاربهم بحيثيات ما أصبح يسمى «بقضية بروكسل»: كانت علاقة فيرلين برامبو قوية ولكنها في نفس الوقت عنيفة مثيرة للمتاعب، فارق السن بين الاثنين رامبو 18 سنة وفيرلين 29 سنة الإسراف في الخمر مع شخصية الشاعرين وخصوصا رامبو الذي كانت تصرفاته مستفزة وطائشة كانت سببا في احتدام الخلافات بين الاثنين، بعد شهور من الإقامة في مدينة لندن، قرر فيرلين الرحيل متأثرا بحياة التشرد والضنك ومعاملة رامبو الذي كان يقول عنه، إنه أجمل الملائكة سوءا والعودة لزوجته ماتيلدا، لكن رامبو لحق به وأقاما الاثنان في فندق بمدينة بروكسل، لتعود الخلافات بينهما من جديد بسبب قرار رامبو العودة لباريس. فيرلين الذي كان يائسا قرر الانتحار لكنه كان ثملا فأصاب صديقه رامبو في الكتف إصابة طفيفة، أدت لدخوله السجن لمدة سنتين ليس فقط بتهمة الشروع في القتل بل أيضا بتهمة الشذوذ الجنسي الذي أثبتته الشرطة البلجيكية في محضر رسمي يعرضه متحف الأدب والمخطوطات لأول مرة.)) .ما ردّك سيد بول فرلين؟
ج/لم يبق في رأسي من ردّ،لقد سحقتني أيامُ التاريخ الفضائحي،وأصبحتُ أشبه بستارة مُعلّقة على نافذة تهاجمُها مختلفُ العواصف والرياح دفعةً واحدة.


س/ هل تعني ان قلبك كان خطيئةً كبرى،ولا بدّ أن ينزلَ الربُّ عليهِ ممحاتهُ من أجل تطهيره من مما علق به من تلك التصاوير والأحداث الفاسدة ؟
ج/الليلُ بلا كحول بلا حوادث جنسية ،ليس سوى قطعة لحم معتمة بلا معنى. فكل شعرٍ عظيمٍ هو من أصول إيروتيكية بالغة القدم.لذا لا مَناص من متابعة التوغل باللذّات التي عادةً ما تحكمُ عليها الدياناتُ الخائبة بالخطايا التي تستحق التأديب أو المحو أو العقاب الجسيم.


س/ ألا تؤمن بوسائل الديانات في مكافحة الرذائل يا سيد بول؟
ج/أبداً.لم أؤمن بما فعلته تلك الأديانُ بنا منذ أن حطت برحالها على الأرض .كأن الأديان ما جاءت إلا لتشريح كائنات الحواس التي وضعها الربُّ فينا ،بعد أن عمدّتها الملائكة بالماء المُقدّس تبريكاً وتشغيلاً لحرارة الأجساد التي تصنع أكسيرها الخاص ،لتنجو من التصحر والذبول.


س/هل من أجل ذلك ابتكرتَ الرمزية أولاً،للتستر على إباحيتاك بالغموض والرموز والابهاميات،ومن ثم الفرار بعد ذلك إلى من الجماد نحو العوالم العاطفية المفتوحة.كأنك لم تستطع تحمل الاختباء أو التستر خلف الحُجب.أليس كذلك أي بول فرلين؟
ج/ لم أستطع تغطية نفسي بحجاب ما،ولا تغليف روحي الشعرية تحت غلاف


س/ كتبَ عن مجدك الشعري دارسٌ قائلاً : (( جرب (فرلين) جل المذاهب الشعرية الشائعة في عصره، فسمع الحان (الرومانتيكيين) وطرب لها، ولكنه فر عاجلا وأبى أن يظهر مرارته بهذه الألحان، فأتى المدرسة (البرناسية) ووجد فيها ضالته، فنظم قصائد كثيرة خالية من ميول النفس واهوائه.إلخ..
ولكن (فرلين) المتقلب لا يجد أن هذه المذاهب تستطيع أن تتسع لنفسه الفياضة، فهو يحس - في نفسه ميولا غامضة تتمشى، ونزوات مبهمة تتهادى، فأي فن رخامي يقدر على بيانها؟ فمال عن المدرسة (البرناسية) ومشى وراء الشاعر (بودلير) مشية المحترس فاخذ من (بودلير) كثيراً. وولد شعر (بودلير) في نفسه كثيراً وأيقظ في نفسه كوامن كان يحسها، ولكن لا يجد إلى الإفصاح عنها سبيلا .)) ما مدى دقة ذلك ؟
ج/ كنتُ مُتهوّراً في صنع حياتي البدنية واللغوية على حدّ سواء.وما المذاهب الأدبية التي يتحدث عنها النقادُ،إلا جزءاً من مداخني الذاتية التي تخرج من أعماقي دون تدخل شخصي مني.فأنا لا أفقه من الرمزية أو البرناسية شيئاً سوى انها أنواع من سمك القرش تعيش في مستنقعاتي الباطنية دون رحمة أو شفق.


س/ أريدُ منكَ أن ترسمَ لي صورةً لباريس.هل تستطيع ؟
ج/نعم. باريسُ ذبابةٌ من الكهرباء مغطاةٌ بالعسل المُستخلص من أفئدة المشردين.


س/ وما نوعُ العطر الذي تستعملهُ قصائدُ بول فرلين؟
ج/آه. تلك هي الصّدْمة بالضبط. فقصائدي لا تستعملُ إلا عطر البطيخ الأحمر في السرير. وما عدا ذلك،فلا روائح غير عطر الجنون أو الفاصلة ما بين هذه الجملة وتلك الأخرى الجاثمة على سطور حياتي المائلة نحو السقوط في وادي العدم.


س/ يوضح اوليفييه فيليبونا ناشر كتاب (بول فرلين) الصادر عن منشورات كاستور استرال للمؤلف النمساوي شتيفان تسفايغ
قائلاً:"لم يقاتل فرلين من أجل حياته فقط بل من اجل فنه وايمانه بالفن"...كان يرتدي زيا يشبه الزي الكاثوليكي وينادي بأفكار مسبقة لم يبتدعها لكنها غزت عقله وكان يدافع عنها بحماس وإرادة. ويعكس الكتاب اعجاباً بعمله الشعري وبفنه وأقل من ذلك بكثير به كانسان وكشخصية مؤنثة وهشة..)) ما ردّك ؟
ج/لا شأن لي بما كُتبَ أو يُكتب عني بشكل عام.أنا دنسٌ شعريٌ يخرجُ من قمقم كاثوليكي بنهاية رأسي الشبيه بمستعمرة فرنسية في أفريقيا الحارّة الفقيرة المنهوبة المنكوبة جراء أخلاق الغرب المنتهية الصلاحية.لا يمكنني حفر العقل أكثر،ومع ذلك فالتمتع بالتراث أو بالإرث الديني يمكن أن يكون عملاً جميلاً .إلا أنه في نهاية المطاف، يبقى غلافاً لتغطيةِ ما يُسمى بالمعاصي أو الروائح الكريهة.
أنا لم أدافع عن شعري ولا عن معتقداتي وبرامجي اللاهوتية.الثمالةُ وحدها تكفلّتْ بتجاهل ذلك،فأبعدتني عن نقطة المركز كأن أكون مقرراً أو صاحب مخططات استراتيجية أو مشاريع تخصُّ الشعر أو الدين.


س/كنت موهوباً للصعلكة فقط؟!
ج/بالضبط.فقد كان هناك مكاني الجميل ،وليس على عرش ما ،أو على كرسي الاعتراف بالكنيسة.


س/ لنفترضَ أن بول فرلين أُجبرَ بالجلوس على كرسي الاعتراف هنا في السموات،فماذا تتوقع أن تطرح عليكَ من أسئلة ؟
ج/ربما أول سؤال سيطرح علىّ:كيف اضعتَ ثمنَ رصاصتين ولم تُحسن التصويب لقتل رامبو والتخلّص من لعنته؟


س/هل كنت تنوي قتلهُ بالفعل يا بول؟
ج/ أجل.أردتُ التخلّصَ من عذابي معه،وأن أفتحَ لنفسي الطريق للانتحار. كنتُ آنذاك مُدْركاً بأن لا استقرار في حياتي دون وجود ذلك الشيطان الشقيّ الذي جعل قلبي موقداً،وأهداني الغابات حطباً .


س/ما رأيكَ بالسيد أفلاطون ؟
ج/رجلٌ مهذبٌ يهتمُ بالحرص الدائم لمعرفة التربية الأخلاقية للبدن.ويستعملُ الكراهية للشاعر،ويُقصي الشعرَ عن مجوهراته .


س/أية مجوهرات تقصدُ يا فرلين؟
ج/ الخيال.فقد كان يبغضهُ ويَذْمّهُ ويعتبرهُ مُحَرّماً ،لأنه يُفسِدُ الشعر ويدمرُ أخلاق الشاعر. أفلاطون الفيلسوف هو ساعةُ الشِعر الخَرْبانة .جلّ نقدهِ يتعلقُ بسحق الشهوات في القصائد،وذلك ما لا يمكن أن يخدمنا أبداً.


س/لماذا تؤكدُ ذلك .هل لأن الرذائلَ دمُ الشعر الذي لا يحيا دونه ؟
ج/ بالضبط.فكلّ خلايا الشعر حدائقٌ مُخصّصةٌ لزراعة البذور الاستثنائية الغريبة، وما عدا ذلك، لا قيمةَ له ثمراً ولا معنى.


س/ممنْ يتكوَن سمادُ المخيّلة برأيك؟
ج/ لا اعرفُ بالضبط،ولكن الاحتمالات الأقوى أنه من جِنس النارِ المُدمَجةِ بأجناس من تلك الشهوات القارئة للأرواح على سطور عالمنا المَتْحَفي بخزائنَ العدم ومجوهرات الشِعر الشبيهة بالأنجم الحمراء.