حوار خاص بوكالة نخيل عراقي
فاطمة بن محمود هي شاعرة وكاتبة وإعلامية تونسية بارزة ، من مواليد مدينة تونس، حاصلة على شهادة بكالوريوس فلسفة من كلية الآداب بالجامعة التونسية عام 1994، وكانت مراسلة لمجلة «الإمارات الثقافية» عند تأسيسها عام 2013، وشغلت منصب رئيس مؤسس لجمعية الكاتبات المغاربيات فرع تونس منذ 2018، اختارها المجمع التونسي للآداب والعلوم والفنون (بيت الحكمة) من أبرز الشخصيات التونسية الأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين.
و للتعرف عليها عن كثب تجري معها نخيل عراقي هذا الحوار :
س/ ما هو مفهومك عن الكتابة؟
لا أملك مفهوما جاهزا عن الكتابة، ربما ﻷن مثل هذا السؤال يجعلني خارجها أبحث عن تصور لها وكأني أبحث عن مبرر لدخولها.
يذكرني هذا بهايدقار عندما اعتبر أن سؤال مثل "ما الفلسفة؟" سيئ الطرح ﻷنه يجعلنا خارج الفعل الفلسفي لذلك اقترح تعديل السؤال إلى "ما التفلسف؟".
أعتقد أن السؤال عن الكتابة أيضا سيئ الطرح ﻷنه يجعلنا نحوم حول الكتابة و نبحث عن تعاريف و مفاهيم لها، هنا سنصدم بكم من التعريفات المختلفة و المتناقضة وجميعها ممكنة.
أعتقد أنه يمكن أن ندرك جوهر الكتابة فقط أثناء ممارستها أي عندما نكون بصدد اقترافها كفعل مضاد للضوابط اﻻجتماعية ولا نملك حكما عليها إلا عندما نعود منها .
من خلال منجزي اﻷدبي الذي يتراوح بين أنماط أدبية مختلفة كنت أدخل الكتابة بتوجس وخوف أن لا أعود أصلا، لكن من حسن حظي اني كنت في مرة أعود بنصوص جديدة و برضوض أخرى.
ربما ﻷني داخل فعل الكتابة أكون في حالة صدام تجاه نفسي وتجاه المسلمات التي أحملها و تجاه اﻻرث الاجتماعي الذي أجرّه خلفي، و أكتشف في كل مرة أن الكتابة بالنسبة لي هي عملية رفض لكل ما فيّ و لكل ما يحيط بي. عندما أتطلع إلى كتبي بعين غريبة أشعر أني كنت داخل القصائد مختلفة عن وجودي داخل السرود.
في قصائدي أنزف بشدة لذلك كانت تلك القصائد مضمخة بالأحلام بمعنى أني أكتب الشعر ﻷحلم، أما في سرودي أعتقد اني كنت أدخلها بفضول محمّلة بأسئلة أبحث لها عن أجوبة، بمعنى أني أكتب السرد لأطرح أسئلة.
نظريا لا يوجد رابط بين الأحلام التي تزرعها قصائدي وبين الأسئلة التي أزرعها في سرودي و لا يهمني أصلا أن أبحث عن علاقة بين هذا و ذاك، ما يهمني فعلا أن أدخل الكتابة بفضول لا يفتر و كل ما أتمناه أن أعود من الكتابة برضوض أقل.
و هل أثرت التكنولوجيا على ذلك الفهم ؟
التكنولوجيا هي الوافد الجديد على حياتنا وأعتقد أنه يحمل وجها جميلا من خلال الوسائط اﻻجتماعية مثلا و التي ساهمت في تحويل العالم إلى قرية وجعلتني أقرأ مثلا - بضغطة زر - لشعراء من ثقافات وأماكن قصية، غير أن هذا الوجه الجميل يخفي وجوها ذميمة لأنه نفس تلك الوسائط اﻻجتماعية تسحب منا أشياء جميلة لعل أهمها احساسنا بالوقت الذي يتسرب بسرعة بين أيدينا فلا نشعر به، بمعنى أن التكنولوجيا سلاحا ذو حدين و تؤثر سلبا في اﻻنسان العربي لأنه مستهلك وغير منتج لها، كما تؤثر بشدة في الشاعر إذا حوّل نفسه إلى قشة.
س/ ما الذي وهبته الحياة لتجربتك الإبداعية ؟
لأن الكتابة تشبه غابة سحرية فهي تؤثر بعمق على حياتي، لعل من أبرز ما فعلته بي أنها جعلتني كائن يحب العزلة، أعتقد أن سعدي يوسف عندما قال "أمشي مع الجميع وخطوتي وحدي" كان يقصدني، لذلك جعلت مقولته تلك شعارا في حياتي.
س/ ما الصفة التي تفضلين أن يتم تعريفك بها؟
اعتقد ان هذا السؤال يعني أساسا القارئ فهو الذي له الحق أن يصفني شاعرة أو روائية، بالنسبة لي سأكون سعيدة لو يراني مبدعة.
س/ إلى أي حدٍ يمكنك اعتبار الأدب سلوكاً لا هواية فحسب؟
أعتقد أننا عندما نعتبر الأدب هواية سيجعله ذلك يبدو مجرد إلهاما ساذجا و يحوله إلى ترف، بمعنى أنه سيكون في النهاية مجرد ديكور باهت كأنه باقة ورد بلاستيكية في ركن مظلم، لذلك أنا أعتبر أن الكتابة سلوك يومي و نمط تفكير و طريقة حياة. يجعلها هذا تتغلغل في ذواتنا وتأخذنا من حياتنا الروتينية والباهتة إلى مدارات الرعب و تلقي بنا في أماكن مهجورة، لذلك يحولنا الأدب إلى كائنات متصادمة وعنيفة ومزاجية وقلقة على الدوام..
من فضائل التمييز بين الأدب بما هو حياة وبين الأدب بصفته هواية أنه يجعلنا نميز بين الكُتاب و الكَتبة..
س/ أي التجارب الجديدة التي تتابعينها بحرص شديد في القصة و الرواية و الشعر ؟
نتحدث عن تجربة ما عندما تكتمل وتكون خلاصة مسيرة إبداعية لافتة تستوفي شروطها، في المشهد اﻷدبي العربي الآن هناك ملامح تجارب إبداعية واعدة تلفت انتباهي و مازالت في طور النصوص التي تحمل فرادتها و قسوتها و لينها و عنفها و انكسارها و كدماتها وهي عديدة.. اقرأ هذه النصوص بمحبة وأرجو أن تواصل مسيرتها بكل جمال و جنون. أشد ما أخشاه عليها أن يتسرب إليها الغرور يوما فتنتهي تلك المواهب المتفجرة ولا تتحول إلى تجارب..
س/ لمن تكتبين ؟
سيكون من الساذج أن أقول أني أكتب لنفسي أو أني أكتب لقارئ بعينه، لأني أثناء الكتابة أستحضر "المؤلف له" - وهو مفهوم اجترحته من تونس الدكتورة بسمة بن سليمان - هذا المؤلف له ليس أنا طبعا و ليس قارئ محدد أكتب له بل هو قارئ في ذهني وغير متحيز في المكان أو الزمان، إنه قارئ أتخيله وأحب دائما أن أصنع له في الشعر فخاخا تدهشه كما أحب أن أجعل له في السرد أسئلة تزعجه.