loader
MaskImg

حوارات

بين الحنين والحدَاثة: "نبات وحاجَات" أنموذجًا

breakLine

يعود رجل الأعمال العراقي فؤاد يوسف إلى الأرض العربية بعد خمسةٍ وعشرين عامًا من الهجرة، يعود مفعمًا بالشوق، محمّلًا بالمحبة، وكأنه يهدينا باقة من زهر البابونج، الزهرة التي طالما نمت بصمت في بساتيننا، تشفي، تواسي، وتبقى رغم الغياب... ليهمس في وجداننا: اعتزّوا بهويتكم، وافخروا بجذوركم.

"نبات وحاجات" ليست مجرد علامة تجارية، بل قصيدة بصرية استوقفتنا منذ لحظة انطلاقتها برسوماتها الغنيّة، المستوحاة من أشهر نباتات وأشجار المنطقة العربية كأنها خريطة حنين مرسومة على القماش. وهذا الإبداع ليس جديدًا على أبناء العراق، الأرض التي عُرفت بالاجتهاد، والابتكار، وعمق الإحساس؛ فمن بين رماد الشتات، ينهض الحلم، وتتجدد الحكاية.

في هذا الحوار الخاص، نغوص في عُمق تجربة "نبات وحاجات" مع مؤسسها فؤاد يوسف، لنستكشف كيف تتحوّل الذكريات إلى تصميم، والحكاية إلى قطعة تُلبَس.


نخيل عراقي: بداية، نود أن نتعرف أكثر من مؤسس مشروع "نبات وحاجات"؛ من هو فؤاد يوسف؟ حدّثنا عنك قليلًا.
فؤاد يوسف: وُلدت في العراق، واصطحبتني الحياة إلى كندا في سنّ السادسة عشرة، حيث عشت ربع قرن دون أن أفقد خيط الانتماء. عملت في علم البيانات، لكن قلبي ظل مشغولًا بالنكهات والألوان، فاعتبرت الطبخ والتصميم وسيلتين للتعبير عن شوقي لجذوري. منذ عامين عدتُ إلى الشرق، ليس فقط لأسباب مهنية، بل بحثًا عن ذاتي الأولى.
 

نخيل عراقي: ذكرتَ في حديث سابق شوقك العميق للأرض العربية وحنينك لتراثها؛ لماذا اخترت النباتات تحديدًا لتكون عنوانًا لعلامتك التجارية؟ وهل ترددتَ قبل طرح أزياء مفعمة بالرسومات في سوق عربي قد تربكه هذه الرسومات غير التقليدية؟
فؤاد يوسف: ولدت فكرة "نبات وحاجات" في لحظة تأمل عميقة، حين هبطت في دبي بعد رحلة طويلة من تورونتو. عبر نافذة الطائرة، رأيت صفوف النخيل تتمايل تحت شمس المساء، وهمست الأرض في أذني: "لقد عدتَ إلى بيتك." استحضرت طفولتي في العراق، حيث كان منزلنا يحتضن شجرتي زيتون مدّ والدي من إحداهما حبلًا لصنع أرجوحة لعبت عليها أنا وأختي لساعات، فأصبحت تلك الذكرى رابطًا بيني وبين الوطن وجذوره. لم تغب عن ذهني كذلك صورة الفلاح المتسلق للنخيل ليجمع التمر، مشاهد ولحظات لا تُقدّر بثمن، رغم بعدي عنها. النبات رمز للثبات والمرونة، للحياة التي تصمد رغم العواصف. أما الجرأة في التصاميم، فكانت قرارًا لأن السوق العربية تستحق صوتًا مختلفًا، صادقًا ومعاصرًا.

نخيل عراقي: في ظلّ المنافسة الحادّة في عالم الأزياء، كيف تصنع فرادتك؟ ما السِمَة أو الفكرة التي تظن أنها تدفع العملاء لاختيار "نبات وحاجات"؟ وما أبرز التحديات التي واجهتك عند تأسيس هذه العلامة؟
فؤاد يوسف: الفرادة ليست في الشكل فقط، بل في المضمون الذي تحمله كل قطعة من "نبات وحاجات". شعارنا "البس حكايتك" هو دعوة للغوص في الذات والذاكرة، حيث تروي الملابس قصصًا تحمل المعنى والصدق. أكبر التحديات كانت موازنة شغفي العاطفي بالمشروع مع عملي كعالم بيانات، وتأسيس علامة تحمل هوية واضحة في سوق مزدحم ومليء بالتحديات.


نخيل عراقي: بما أن "النبات" جزء جوهري من هوية العلامة، هل تفكرون في إنتاج قطع مستدامة بيئيًا مستقبلًا؟ وكيف تنظر إلى مفهوم الأزياء المستدامة في السياق العربي؟
فؤاد يوسف: نعم، الاستدامة ركيزة في رؤيتنا، بدأنا بخطوات عملية كطباعة حسب الطلب واستخدام خامات قابلة لإعادة التدوير، نودّ أيضًا التبرع بجزء من إيرادات "نبات وحاجات" لزراعة أشجار الزيتون في بلادنا. لكني أؤمن أن الاستدامة لا تتعلق فقط بالمواد، بل بالنهج. أجد أن مجتمعاتنا العربية مارست الاستدامة بطريقتها الخاصة منذ القدم كنّا نرقّع ونعتني بأشيائنا كي نحافظ عليها أكبر قدر ممكن من الوقت. ما أطمح إليه هو استعادة هذا الوعي الجميل، ولكن بصيغة عصرية.
 

نخيل عراقي: من خلال تأملي في تصاميمكم، لكل قطعة حكاية... فهل يرتدي الزبون قصتكَ أنتْ؟ أم تحاول أن تمنح كل عميل حكايته الخاصة؟
فؤاد يوسف: الاثنتان معًا. كل تصميم ينبع من لحظة خاصة بي شجرة، لون، أو ذكرى. لكنني أحرص أن تظل التصاميم مفتوحة لتأويل الزبون، ليجد نفسه فيها ويشعر أن القطعة تخصه، حتى وإن بدأت قصتها معي.


نخيل عراقي: ما الذي دفعك لاختيار الشرق الأوسط موطنًا لعلامتكَ التجارية، بينما كان بإمكانك أن تترك بصمة مختلفة في السوق الكندي؟ هل كان القرار عاطفيًا، استراتيجيًا، أم شيئًا بين الاثنين؟
فؤاد يوسف: كان القرار مزيجًا من القلب والعقل. بعد أكثر من عقدين في كندا، شعرت أن الوقت قد حان للعودة ليس فقط جغرافيًا، بل روحيًا. أردت أن أكون جزءًا من نبض الثقافة المتجددة في الشرق الأوسط. استراتيجيًا، أرى أن هناك جوعًا حقيقيًا في الشرق الأوسط لعلامات تعكس هويتنا، تحترم ماضينا، وتتحدث بلغتنا البصرية.
 

نخيل عراقي: عند لقائي الأول بتصاميمكم، شعرتُ بدفءٍ غير مألوف. كيف تختار خاماتك وألوانك لتولّد هذا الإحساس؟ وهل تعتمد على الإحساس وحده أم على معايير مدروسة أيضًا؟
فؤاد يوسف: أبدأ بالإحساس: اللون الذي يعيدني إلى بلاط بيتنا، أو طبق جدتي، أو حديقة زقاق بغداد. ثم أدرس الملمس وانسيابية القماش، لأجعل كل قطعة تشعر كأنها "شيء كنتَ تبحثُ عنه دون أن تدري". محظوظ بتعاوننا مع مصممة ترجَمَتْ أفكاري إلى لوحات ألوان مبهجة، وأتطلع لأن يترك كل مصمم معنا بصمته وقصته في كل قطعة.
 

نخيل عراقي: في عالم اعتاد الخط اللاتيني على الأقمشة، ألم تتردد قبل إدخال الحرف العربي بكل جرأته البصرية؟ كيف تعاملت مع هذه المجازفة الثقافية؟
فؤاد يوسف: لم أتردد، لكنني كنت مدركًا لحجم المسؤولية. الخط العربي ليس مجرد حروف، بل فن وتراث ونبض لغتنا. استخدمته بحب واحترام، ليكون حضورًا صادقًا وعميقًا، يعبر عن رسالة كل قطعة.

 

نخيل عراقي: ما هي الرسالة التي يحملها "نبات وحاجات" لنا كعرب؟ وما الذي يحاول أن يستعيده من داخلنا؟
فؤاد يوسف: "نبات وحاجات" رسالة حب لكل ما ظننا أننا تركناه خلفنا. هو تذكير بأن الجمال لا يحتاج إلى تغريب، وأن الذاكرة تستحق أن نرتديها، ونفتخر بها، لا أن نخفيها. نسعى لإحياء الفخر والدفء والانتماء، بأسلوب معاصر وجذور عميقة في الأرض.

 

نخيل عراقي: شكرًا جزيلًا لك أ. فؤاد يوسف على تخصيصك هذا الوقت لنا، سعداء بهذا اللقاء الذي أضاء لنا زوايا مشروع "نبات وحاجات"... نمنحك الآن الكلمة الأخيرة، هل هناك رسالة أو فكرة تودّ أن تتركها لقرّائنا؟ أو لمن يرتدي قطعة من تصاميمك؟
فؤاد يوسف: أشكر كل من خصص وقتًا لقراءة هذه الكلمات أو ارتدى قطعة من "نبات وحاجات". أتمنى أن تشعروا وأنتم ترتدونها بأنكم أكثر ارتباطًا بأنفسكم، بتاريخكم، وبذكريات لا تزال تنبض فيكم. وأن تعرفوا أنكم ببساطة تنتمون إلى أرض جميلة، وقصة لم تنتهِ بعد.