loader
MaskImg

حوارات

حوار صحفي مع الفنانة د.عواطف نعيم

breakLine

 

حاورها :حيدر الموسوي 

 

قدمت الفرقة الوطنية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح العرض المسرحي "أنا وجهي"، من تأليف وإخراج الدكتورة عواطف نعيم، وتمثيل الدكتورة شذى سالم، وسمر محمد وشيماء جعفر ، وهو (عرض شرفي) مشارك في مهرجان بغداد الدولي للمسرح بدورته الثالثة المنعقد حاليا في العاصمة بغداد.
ويبدأ العرض المسرحي بوجود امرأة "سمر محمد" جالسة على كرسي متحرك (ترتدي السواد بالكامل) وأخرى متحجرة في مكانها "شيماء جعفر"، وفي مكان اخر توجد خزانة معلقة عليها ملابس بالوان مختلفة، وتتصدر وسط المسرح الفنانة شذى سالم وهي تحاول ان (تتحدث) لكن ثمة ما يخنقها ويحبس كلماتها، وهذا مفتتح اشاري وعتبة دالة على (كم الصرخات) النسوية المكبوتة التي ضمها هذا العرض المسرحي فهو (جملة لصرخات نسوية مكبوتة)، ابتداء من فكرة النص وصولاً الى الممثلات والمخرجة معاً، تأزرن في اطار جمالي ايقوني ليشكلن خطاباً انتقادياً موجهاً الى الاخر عبر التحولات التي جرت طيلة العرض، ليشكلن بهذا الخطاب الثلاثي (نص، تمثيل، اخراج) صرخة احتجاج واحدة ضد الهيمنة.
وجسدت الفنانات الثلاث معاناة المرأة وتعدد الوجوه التي تستخدمها في الحياة السياسية، والاجتماعية، والعائلية، وكل ما تعانيه المرأة لتصل إلى وجهها الحقيقي. وتعبر الشخصيات الثلاث في "أنا وجهي"، عن بحثها الدائم عن وجوهها الحقيقية طوال هذه السنين، وما يمثل البحث عن الذات، والحرية والمساواة، والبحث عن الخير ونبذ الشر، في ظل هذه المتاهات التي يعيشها البلد. ويتطرق العمل الى الشخصية الحقيقية والوجه الحقيقي الذي وجدته المرأة في ساحات التظاهرات ابان انتفاضة تشرين الاول عام 2019، وهي تقف جنبا إلى جنب مع اخيها الرجل ليرسما وجهيهما معا بدماء الشهداء للمطالبة بالعدل والسلم والسلام بعيدا عن القتل والدمار.

وقفت نخيل عراقي بحوار خاص خلال تغطيتها المتواصلة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح بدورته الثالثة المنعقدة في العاصمة بغداد، مع العديد من الشخصيات الفنية المميزة، وفي هذا اللقاء الصحفي سلطت الضوء على عرض مسرحي رائع، حيث امتلأ مسرح الرشيد تماما والحاضرون جلوس بين ممرات المقاعد والأماكن الشاغرة، شغفا لما قدمه هذا الثلاثي النسائي المبهر. نتحدث اليوم مع الفنانة العراقية الكبيرة، عواطف نعيم، وسؤالي الأول هو :-

س – هذه الاعمال تحمل رموزا كثيرة، أو شفرات معينة لا يستطيع فك احجيتها الّا الكاتب، وأكيد بعض من هذه الرموز، ماهي الرسائل التي تود الدكتورة عواطف نعيم ايصالها من خلال هذا النص؟
ج - أولا ، كل عرض مسرحي يمتلك خطابا ورسالة جمالية وفكرية ،  إضافة للخطاب التنويري ، فالعمل دائما يكون في بعض الاحيان مثل الاحجية ،  لكن المؤلف والمخرج يضع  دلالات ملئ حروفها ، لذلك ما أردت أن أقوله وصل للناس ، حتى الناس البسطاء والنخبة وصلها أيضا .  
والمراد هو، كيف يكون الوطن ؟  نحن نبحث عن وطن . 
وطن حقيقي ،  وطن مستقل ، صاحب أرادة ،  صاحب سيادة ،  فكانت المرأة  في بحثها عن الذات ، هي في الحقيقة ،  تبحث عن وطن ، وتقول : وجهي هو قراري ، والقرار هو قرار الذات بمعنى أن يكون الوطن مثل ما نحلم به .

س - دور الممثلة (المرأة) ، كان أوسع في أداء الادوار داخل النصوص التي قدمتها عواطف نعيم للجمهور ، لماذا لم نجد شخصية ذكورية أو لم تضع الكاتبة شخصية ذكورية في النص المسرحي ؟
ج - قد يكون في بعض الاحيان ليس بالضرورة أن يكون الجانب الذكوري موجود ، لان الجانب الانثوي يتكلم عنه ،  يناضل من أجله ، وهو يمنحه من فكره ومن عاطفته ومن مشاعره ، وبالدليل إن الثورة لما بدأت الصور تتوالى كانت كلها ذكور ، كلهم  شباب العراق ، والنساء وجودهن قليل ، أما  الذكور كانوا بالمقدمة ، إن شباب العراق اصحاب صدور مفتوحة حتى للرصاص ، وكانوا  يحملون الاعلام واصواتهم تصدح في ساحات التظاهر ، و هم  الذين تصدوا للسلاح الذي يحاربهم ، فأحيانا انت تحمّل خطابك عن طريق المرأة وتكون هي المتحدثة  بلسان الرجل .

س - هنا يُثار سؤال ، تتحدثين بأدلة وبراهين لفاعلية الرجل ودوره في المجتمع ، وفي الوقت نفسه لم تضيف  شخصية ذكورية  للنص ؟  
ج - طبيعة العرض في "أنا وجهي" يعتمد على شخصية واحدة تشظت الى شخصيات أخرى ، الشخصية  المحبطة ، والشخصية الثوارة المستقبلية التي دائما نرى فيها عنفوان وتمرد ، التي جسدتها شيماء ، والشخصية المحبطة التي قامت بادائها الاستاذة سمر ، والشخصية الوسطى التي تبحث عن الحقيقة وجسدتها الدكتورة شذى سالم  ، لكن أنا في عروض أخرى  كان كل ابطالي هم ذكور ،
لما يكون النص يحتاج الى صوت معين أنا استعين به، وعندها يكون الصوت أنثوي يتحدث عن الرجل انا استعين به في تسطير النص المسرحي. 
وعندما يكون الرجل هو موجود بالعمل لكن يتحدث عن الأنثى بمحبة الرجل للأنثى ، باحترامه واهتمامه بها ، لا تجد هناك امرأة في النص ، في "أنا والعذاب" ليس هناك ثمة امرأة ولكن المراة حاضرة تشعر بوجودها في نبضات الرجل ، فطبيعة النص وطبيعة كتابته وصياغته ، واحداثه وتوالي أحداثه . 
 

س – الدكتورة شذى سالم في أدائها وملامح الوجه المتغيرة أثناء العرض، تحمل الكثير من الرسائل وكانت رسائل صعبة ونستطيع ان نصفها بأبواب مؤصدة وليست مغلقة ، هل تستطيع الدكتورة أن تفصح عما وراء هذه الابواب وان كانت هناك غاية الكاتب في التعبير عبر هذه الشخصية ؟ 
ج - أولا الدكتورة شذى سالم ، فنانة كبيرة ، وممثلة عملاقة على خشبة المسرح ويحسب لها حساب عندما تقف ، لان لها حضور ، ومن لا حضور له لا صلاة له . هي عندما تحضر تكون حاضرة فعلا ومؤثرة ،  والممثل حمال وجوه متعددة ، حمال لكل العلامات التي يريدها الكاتب والمخرج ، فالعلامات عندما تبث من خلال هذا الممثل احيانا لا تفصح عن ذاتها وانما ترمّز ، وعليك ان تبحث عن هذا الرمز  ، والرمز موجود ليس فقط عن حوارها المنطوق ، كان موجود عبر الصورة التي كانت تتحدث عنها مرآتها الخلفية ، إيماءات الوجه وتعابير خوفه والحركة - مد اليد - التطلع - الغضب - وهناك رسائل مشفرة في النص المسرحي على المتلقي ان يكون منتميا ، لذلك عندما قدمت العرض ، قلت: “هذا العرض لا يشاهد بالعين والاذن العادية ، هذا يشاهد بالقلب وعيون القلب ، فشاهدوه بعيون القلب"، أنا كنت أقصدها ، كانت الغاية أن يصغون ليس لما يقال من منطوق وانما ما يتغلغل هذه السطور ، ما يتغلغل هذه الايماءات ، ما يتغلغل في هذه الحركة وهذا التطاحن مابين الأخرى والثانية . 
وهناك ابواب فتحتها ، وهناك من تلقى هذه الابواب ، فنهم من انصدم بها ، ومنهم من خاف منها ،  ومنهم من تقبلها برحابة صدر ، وقال هذا ما نريده عندما نضع ايدينا على الجرح ، قد يكون الجرح مؤلم لكن عليك في أحيان كثيرة أن تستعمل شفرة  وتخرج القيد وتقول للأخر طهر المكان لاجل أن لايصبح نتنا أو يلتهب فعليك تطهيره .

س - بعد مشهد مقتل الطفلين ، ارتدت الفنانتان اللونين الأخضر والاصفر ، وهذان اللونان فيمها رمزية ودلالات ، هل يوحي هذا بأن بعد سفك الدماء توجد حياة جديدة لا تظهر الّا بالدماء ؟ 
ج - هم كانوا ضحايا لغريزة امرأه تتطلع الى ان تكون الملكة وتشارك الملك ، الذي هي من قامت بتنصيبه ، وحكاية (ميديا) معروفة ، وهي من وشت بمكان سر دخول المدينة حتى قاموا باحتلالها  وخسرت والدها وشعبها وفي النهاية تمرد عليها ، حتى قال لا استطيع ان اعيش مع خائنة ، وعندها قامت بقتل الاولاد  لاجل احراق فؤاده . 
هنا لاحظ الرموز . 
نحن نستعين بالرمز لاجل ان نسقط على المسرح ، وان المسرح هو فن التأويل والاسقاط و (ليس الاسقاط السياسي) انما يسقطك على حالة معينة، وإن من يخون لا يمكن ان يصنع دولة، ومن يخون لا يمكن ان يحمي شعبا، ومن يخون لابد أن يتلقى الطعنات، ولابد أن يفتضح، لذلك في نهاية العرض تقول الدكتورة شذى سالم عن لسان الشخصية ( الان أرمي لكم ثوب ذلكم وترتدي الابيض ) فهذا تغيّر.

س - تؤمنين بان التغيير يأتي بعد سفك الدماء ؟  
ج - احيانا لابد من تضحيات ، أنت تتصور عندما ذهب 800 شاب ضحايا لثورة تشرين ، ألم بحدث تغيير ؟ ألم يخرجوا عادل عبد المهدي ؟ ألم يغيروا النظام ؟  بل أكيد ، هناك تغيير واضح ، وأدى الى مجيء الكاظمي ، وانتخابات مبكرة ، وتغيير بالوعي ، والتغيير في الوعي كان له تضحيات ، والى الآن نقول هؤلاء شهداء ، شهداء الانتفاضة التشرينية ، وهم 800 شاب ولربما مدينة الناصرية كانت تحظى بالعدد الاكبر ،  ويقول شوقي : 
وللحرية الحمراء باب 
                        لكل يد مضرجة يدق 
                        ‏
فلا بد من وجود تضحيات ، وأنا أؤمن بالتغيير الفكري والوعي المتقدم  ، وأنا لا يكون الانسان أسير الجهل  ، يجب أن يحاجج ويبحث ويتطلع ، ويجب ان تكون المطالبة بالحقوق بحكم الوعي والتنوير  .

 

س -  الاعمال الفنية العراقية التي قدمت في هذه الدورة ما هو راي الفنانة عواطف نعيم بها ؟ 
ج -  أنا أؤمن بالمسرح العراقي هو مسرح طليعي ومتقدم برغم كل ظروفه العصيبة ،  وما مر على الارض العراقية لم يمر على أي بلد عربي او أوربي او أجنبي ، ما مر عليه صعب .
مع ذلك ترى العراقيين الشباب والرواد يعملون بشغف، ويدفع من جيبه الخاص ويناضل لأجل اظهار عرض على خشبة المسرح، لأنه يؤمن ان العرض "عافية وطن". 
وهذا المهرجان "عافية وطن" قد لا تكون العروض مثل ما نحلم بها ، وذلك لعدم توفر السيولة ، والعمل الفني يحتاج لدعم مادي كبير  حتى ينهض لإنتاج عروض جديدة تتناسب مع الرؤى ، وتتناسب مع الطموحات ،  وتتناسب مع توجه المسرح العراقي ، جماليا وفكريا ، ولأنها ليست متوفرة فأنت تستعين بما هو متواجد من العروض المتوفرة ، وهي عروض جميلة .
انت ترى العروض التي قدمت، متنوعة،  وهنالك طلبة متميزون شاركوا بعروضهم بهذا المهرجان ، شباب محترفون شاركوا بعروضهم في هذا المهرجان ، هنالك رواد كبار شاركوا بعروضهم  ، وقد تكون العروض لا تتجاوز سبعة وثمانية عروض ، لكن  لكل عرض له لون وطبيعة وخطابه ، و طريقة اشتغاله ، ويعرف المسرح بمجموعة رؤى ومجموعة مدارس ومذاهب ، لذلك أعتبر وجود الحركة المسرحية للفنانين العراقيين هي عافية واعلان وجود .

س – أنا حضرت العرض المسرح والندوة النقدية المقامة التي تلت العرض ، ورغم كل الإيضاحات التي تطرقتي لها فيما يخص حياة الممثل العراقي وخاصة الشباب ، وتعتبر ظروف قاسية جدا ، لاحظنا في الندوة من البعض تحجيم للدور المسرحي العراقي ، ونسف لهذه الجهود ، حتى واجهتي ذلك بصلابة وعصبية ، ما هو التعليل لاثارة هذه الامور لذلك ؟ 
ج – في البدء ، من حق الجميع  أن يتكلم بالندوة التي تقام بعد العروض ، لتقييم العرض ولإبداء الرأي ، لكن أن تكون في محفل دولي كمهرجان بغداد في الدورة الثالثة ، عليك ان تنتقي عباراتك وعليك ان لا تبخس الناس حقها ، انا كما تكلمت قد لا يعجبك العرض لكن ليس لك الحق ان تلغي اعجاب الاخرين ، المئات الذين شاهدوا العرض ، ولا يجوز ألغاء أرائهم ، أما اذا كان رأيك الخاص لا تعممه على المسرح العراقي ، ولا تتهمه بالنكوص لان المسرح العراقي مسرح طليعي متقدم ، ولا تحاول ان تقلل او تجامل مستوى الاخر لأنه ضيف عندك ، أتجامله وترفع مستواه وتقلل من قيمة اهلك  ؟؟ الذين هم أصحاب البيت والمسرح، وهم المعروفون عند العرب والاوربيين بانهم مسرحيون محترفون، هم أصحاب فكر نيّر وأصحاب اشتغال متجدد وحديث. عندما تكون انت جاهلا وسطحياً سوف نتكلم بلغة جاهلة وسطحية . 
عليَّ ان أحمي المسرح العراقي وادافع عنه ، لست وحدي ، هنالك ثلاثة سابقون سابقوا بالدفاع عن المسرح العراقي لأنهم شعروا بمحاولة لأول متحدث ان ينال من قيمة المسرح العراقي ويتهمه بالنكوص والسطحية .

س – "السطحية"  لماذا هذا التهجم على المسرح العراقي  ؟ 
ج - لانه قادم بنواياه ، وهي نوايا لتسقيط المسرح العراقي ، هو ليس بناقد ،الناقد وعي ، لان النقد يعرف ، هو نزال عقلي علمي فكري تنويري ، هو محاولة لفهم العرض بما يليق بالمتحدث لما يليق بالمعايير ، وهنالك معايير تعتمدها ، لكن هو كان يتحدث من خلال النقد الشخصاني ، النابع من النوايا السيئة  الشخصانية ، القائم على الحب والكره و النيل والتسقيط ، لذلك حرص على ان يكون أول المتحدثين للنيل من المسرح العراقي حصرا ، والّا مجد البقية . 
وهل هناك نص مسرحي لا توجد فيه نواقص ؟ توجد نواقص . 
العروض لا تكتمل دائما . 
وهنالك من ينظر اليها على انها مكتملة ، ولكن انا مخرجة وأقول لا تكتمل الا بتواليها ، والسبب ؟ لان المتلقين متجددين متغيرين. 
فالعرض في كل يوم يكتسب حلة جديدة، وتوجه جديد، وحتى آلية اشتغال تُكتشف جديدة ، تتناسب مع المتلقي وتتناسب مع الطروحات وتجلي المؤدين على الخشبة .

س - كلمة أخيرة ؟
ج - أبارك قيامة مهرجان "المسرح العراقي" في دورته الثالثة ، وأبارك الحضور الجميل للعروض المسرحية العربية والأوربية ، وأبارك حضور المسرح العراقي ونقاده الكبار اللذين يعرفون كيف يُحللون، ويقرأون ، وأدعو المهرجان في كلمة أن لا يدعو للجلسات النقدية من لا يُحسن فهم المسرح ، ومن هو متطفل على المسرح وعلى آلية اشتغاله وعلى فهم المسرح ، خشبة وضوءاً وحضوراً وفكراً .

أما الجانب الثاني من كلمتي الختامية، فهو خاصة بنخيل عراقي . 
أشكر الدكتور مجاهد أبو الهيل على هذا الموقع الجميل، الذي احتضن فيه العديد من الشباب الرائعين أمثالك، وفتح لهم آفاقا جميلة، ودأب على أنشاء مبنى غاية في الروعة نحضره بين فترة وأخرى، وأنا أعتبره تحفة فنية يضيء بكل النفائس البهية والجمال، بالإضافة الى إقامة الاماسي التي تطرب ايامنا وامسياتنا، والتي تعتبر منصة ثقافية فسحت المجال للقاء بالعديد من الأصدقاء والشخصيات المهمة، وإبداء الراي والمباركة للأعمال التي تطرح عبر منصتكم المهمة. 
المحاور – أن هذه المؤسسة هي مؤسستكم وتحتفي بإنجازاتكم الرائعة وتعمل بجهد ومثابرة لأرشفة اعمالكم وتوثيقها، وأبوابها تبقى مفتوحة دائما أمام الابداع العراقي.