loader
MaskImg

حوارات

حوار مع أمين عام المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني المختص بالثقافة التنويرية د. علي موسى الموسوي

breakLine

لقاء مع أمين عام المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني  المختص بالثقافة التنويرية  د. علي موسى الموسوي

وظفّ   حسه الانسانيّ المرهف وقلمه الصحفي المحايد ليكون مادته الخام في توجيهِ الرأي العام وصناعة الفكرة المتلفزة في زمنٍ تحولت فيه الكلمة الصادقة الى منابر اعلامية قاتلة ودكاكين للبيعِ حسب الطلب..
غادر العراق قبل عدةِ سنوات الى مملكة النرويج ليصيغ من مهمتهِ الاعلامية، رسالة حضارية اوربية  الذي عمل بجدارةٍ على تغذية المساحات الانسانيّة ما بين قيّم التحضر الاوربي والتسامح الشرقي، تلك التجربة التي جعلت من الثقافة العراقية والعربية  الرصينة هناك محط جذب وفخرٍ واثراء..
لم تتوقف عجلة انجازاته في بلاد البحيرات الثلجية على هذا الحدِ من الوفرّة الثقافية وانما أسّس المجلس الدولي للحوار الديني 
والإنساني من اجل نشر القيم والمفاهيم الإنسانية  الموسوي الحاصل على شهادة الدكتوراه في الاعلام وله مؤلفات منها طبع ومنها قيد الطباعة :
السؤال الأول ؛
ثقافة التعايش، جملة يرددها دعاة الحوار والتسامح الديني. فماذا تعني بالضبط؟

ج /


التسامح كما هو معروف في دلالته اللغوية: ترك ما يجب تنزها. 
وعند علماء اللاهوت: الصفح عن مخالفة المرء لتعاليم الدين. 
أما إصطلاحا،  فيحيلنا على كل الصفات والقيم الأخلاقية التي تمكن الإنسان من التعايش مع غيره بالرغم من كل الإختلافات إن على مستوى الآراء أو المذاهب أو المعتقدات...
إذن، عندما نتحدث عن ثقافة التسامح، فهذا معناه، أن تؤمن بحق الآخر في التعبير عن آرائه وقناعاته حتى وإن خالفت قناعاتك وآرائك.  بل أن تحترم رأي الآخر ومعتقده على اعتبار أنه يمثل جانبا من جوانب الحقيقة.  وأن تؤمن أن حق الآخر هذا نابع من واجبك الأخلاقي اتجاهه. 
ثم إن بثقافة التسامح، يمكننا مواجهة هذا التراجع الملحوظ في قدرة الأنا على قبول الآخر،  ولكف ثقافة الوصاية الدينية والعقدية والفكرية والأخلاقية عن الآخرين. 
إنها دعوة لإشاعة الأخوة الإنسانية، لأجل الحد من الصراعات والنزاعات القائمة على الإختلاف.  ففي نهاية الأمر من حق "الإنسان" أن يعيش في أمن وسلام. 
وعندما يركز دعاة الحوار والتسامح الدينيين على ترسيخ ثقافة التسامح، فذلك مرده أن التسامح فضيلة مرتبطة بجهد الذات المطالبة باكتساب كل ما من شأنه خلق فضاء من الألفة والقبول نحو الآخر.  وفي حالة ما إذا عجزت الذات عن قبول الآخر فعلى الأقل تناقش الآخر وفق أسس أخلاقية تحول دون شيوع ثقافة الكراهية والعنصرية والاضطهاد. 
ففي نهاية الأمر الإختلاف في المذاهب العقدية وفي الآراء والأفكار لا يجب أن يشكل عقبة أمام العيش المشترك بسلم وأمن


السؤال الثاني ؛

هناك خطأ مشترك يتقاسمه الجانبان،  وظاهرة التنافر المتنامية بين العالمين الغربي والإسلامي يقف خلفها متشددون غربيون ، وأشباههم في بلاد المسلمين ، فكيف برأيك يمكن نزع هذه القنابل الموقوتة ..؟
ج/  

أولا علينا أن نقر بأن الصراع أو التدافع بلغة القرآن الكريم سنة من سنن الله عزوجل يقول سبحانه وتعالى(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين).
لكن الخطير وكما جاء ضمنيا في سؤالكم،  أن الصراع والتدافع لم يعد لأجل التنافسية البناءة التكاملية،  التي تساهم في إعمار الأرض وفي النهوض بالحياة العامة للإنسان.  بل أخذ منحى خطيرا أصبحت معه ثقافة الإقصاء والكراهية ونبذ الآخر، المحرك الأساسي للسلوك الإنساني. 
وللأسف الشديد المفروض أن يكون المشترك بين الجانبين بحسب تعبيركم، الإختلاف والتعدد لأجل التكامل، لكن وللاسباب التي يعرفها الكل كان التنافر الذي هو نتاج فكر متشدد عجز عن استيعاب سنة الإختلاف. وعجز أيضا عن إحتواء تداعيات الأحداث الإرهابية التي ارتكبت باسم الدين أو باسم العرق.  إلى جانب هيمنة لغة المصالح السياسية والإقتصادية وتوظيف الدين والإنتماء كسلاح لتأجيج الصراعات. فكنا أمام ما بات يعرف بالفعل ورد الفعل،بين الفئات المتشددة في المعسكرين الغربي والإسلامي. ومن هنا انبثاق ما يعرف بايديولوجية "الإسلامفوبيا"، "والغرب الكافر"، وغيرها من الأيديولوجيات التي مست سلامة المجتمع الدولي. في تغافل تام عن القيم الإنسانية المشتركة التي توحد الأمم. 
وما سميتموه قنابل موقوتة، لا تنسوا أستاذ أنها انفجرت أكثر من مرة، وخلفت خسائر بشرية وأزمات نفسية، وحقد دفين لدى الطرفين. 
لهذا مدعوون نحن لأجل إحياء سنة التراحم بين البشر من خلال الدعوة إلى الإنصات لصوت الفطرة السليمة النقية، التي تتوافق ومبدأ الرحمة الذي قامت عليه كل الأديان. فالله سبحانه وتعالى(كتب على نفسه الرحمة).
ثم إن صلاح البشرية رهين بشيوع قيم السلام وبإحلال ثقافة التعايش والحب، عوض ثقافة القتل والاضطهاد. 
ولئن كان الإختلاف سنة فإن الإختلاف في المنظومة الدينية ارتبط بوحدة الأصل بين البشر. يقول عز وجل(وهو الذي انشأكم من نفس واحدة).

واستحضار هذا الأصل المشترك هو الكفيل باحتواء خلافات الأنا والآخر، وسد الباب أمام كل المحاولات الرامية إلى تأجيج نيران العنف والتعصب والكراهية.

السؤال الثالث

سبب انحراف جل الشباب يعود إلى مقاطعتهم للتراث، وقلة إلمامهم بالسيرة النبوية. و إلا ففي الوثيقة النبوية بالمدينة المنورة نداء شامل إلى شراكة منطقية تحفظ للجميع حقوقهم.

الدكتور. ألا تمثل معاهدة المدينة بين الرسول (ص) واليهود خارطة طريق للناس..

ج/

المتطرف لا يقاطع التراث، إنما يوظفه لتبرير مواقفه وفي هذا تجزيء لتراث إنساني عظيم. 
المفارقة هنا أن الجماعات المتشددة التي تراهن على الشباب، ترفع شعار بعث دولة النبوة، وبأن دستورها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لكن حرصهم على تبرير نزعتهم العدوانية اسقطتهم في فشل ذريع عجزوا معه عن الكشف عن إنسانية التجربة النبوية التي وصلت السياسة بمبادئ الإسلام السمحة. 
وفعلا يعتبر دستور المدينة كما أشرتم أكبر دليل على حضور قيم التعايش والسلم واحترام الآخر بدار الإسلام. حيث اعتبرت الوثيقة غير المسلمين مواطنين داخل الدولة النبوية، وأن كل الأطياف معنية ببناء الدولة وبالتمتع بحقوق المواطنة داخلها بما فيهم اليهود الذين ساهموا في نفقات الحروب وكان لهم نصيب من المغانم.  مايدل على أن الإسلام جاء بالخير الأسمى للبشرية، وأن رسول الإسلام صل الله عليه وسلم، كان فعلا رحمة للعالمين.  لكن هذا الشق الإنساني من التجربة النبوية سيندثر أمام الاستغلال الأيديولوجي للدين.

 

السؤال الرابع 
التحريض على العنف والكراهية تصرف لا يمثل الإسلام في حال من الأحوال ، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام 《ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبون الله عدوا بغير علم 》، وفي الحديث رواه أبو داود بسند صحيح يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه بغير طيب نفس أنا حجيجه يوم القيامة. 
الدكتور ألا يكفي هذان النصان لإنهاء حالة الاستنفار التي نعيشها.

ج/

للأسف الشديد انفتاح النص القرآني على قضايا وجودية متعددة، جعل الفكر المتشدد يتغاضى عن الآيات والقيم التي تدعو إلى التعايش والسلم واحترام الآخر الذي هو( إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
ومن ثم فلا مجال للإعتداء على الآخر باسم الدين، الكل تحت رحمة الله،يقول سبحانه وتعالى(كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا).
لكن المشكل إنما هو في غياب وعي حقيقي بالخطاب الرباني الذي يحث على الصلاح والإصلاح،  من خلال التعاون والاجتهاد لأجل الإنسان والإنسانية، ومن هنا كانت الوحدة من خلال التعدد.

إنه قانون إلهي، التنوع والتعدد لأجل البناء الحضاري.  كما إن التدافع  بين القوى والايديولوجيات شرط من شروط قيام الحضارة الإنسانية. لهذا مطلوب منا أن نضاعف الجهود لأجل تنزيل قيم الخير، والقبول بالآخر، لأنها وحدها الكفيلة بمساعدتنا على صون وحماية كرامة الإنسان.
السؤال الخامس 
الارتفاع اليومي لنسبة ضحايا النزاعات الطائفية جعل من المنطقي ظهور المزيد من المنظمات ذات التوجه الحواري.
لكن تلك المؤسسات لم تطفئ سوى جمرات من النار.
فمن المقصر، المحاور أو المحاور ؟
ج/

السؤال الخامس

الضحايا ، لا يرتبطون بالنزاعات الطائفية فقط بل أيضا بالصراعات الدينية والحضارية.  فالإرهاب متعدد الأسباب والألوان وضحاياه كثر.  نعم،  ويعز علينا أن تصبح مشاهد القتل والذبح والإعتداء على إنسانية الإنسان مألوفة. والأمر لا يرتبط بفشل أو بمحاور ومحاور ،فالأمر أعقد.  أنت تواجه أو بالأحرى تحاور كيانا لاشعوريا، مشحونا بتراكمات نفسية وثقافية تهم المقدس لديه.  وأنت تعلم أستاذ أنه ليس من السهل أن تجادل أو تحاور في المقدس.  الأمر يحتاج إلى جهد كبير وإلى عدة حوارية قادرة على احتواء كل الأفكار والقناعات الخاطئة التي يكونها الفكر المتطرف أو الطائفي حول الآخر.  ثم إنك لا تخاطب فردا بل تخاطب منظومة دينية وثقافية، التطرف أحد رموزها الأساسية. لهذا ليس من السهل تفكيكها.  في حين تبقى هذه المؤسسات والمنظمات الوسيلة الوحيدة للوصل بين الأفراد والأمم والثقافات، أمام تدفق ثقافة القتل تحت أي مسمى:دين، طائفية، عرق، مصالح...
لأن في مقابل الحوار هناك شرخ إنساني عميق بسبب الإنقسامات والصراعات وخطابات الكراهية ونبذ الآخر. 
إذن، فنحن أمام مشروع حواري ضخم يستهدف إعادة بناء الفكر  بداية، وتذويب كل رواسب التربية المنحرفة التي أنتجت ثقافة رفض الآخر ورفض إختلافه. 
إن أي مواجهة تستهدف هوية دينية بملامح متطرفة تقتدي قدرة على فهم وإستيعاب هذه الذات ومحاورة منطلقاتها الدينية والثقافية.  وما هذا بالأمر السهل. 
لكن هذا لا ينفي أننا نحتاج إلى بناء مقومات حوار وفق مهارات تواصلية أكثر فعالية وأكثر نجاعة، فكريا وإعلاميا، لأجل تعبئة أفضل للنشء وللأجيال الصاعدة.
السؤال السادس 
ونختم بالوجع العربي المزمن بلدك الأصلي،  فهل لك يا دكتور أن تحدثنا عن تمور المحبة والسلام في العراق والمنطقة وكيف تُجنى ؟

ج/

 

العراق تعرض ولازال لإبادة حضارية، لهذا سأكلمك أولا عن غيوم المحنة التي غطت سماء بلدي. 
بلدي حمل الحضارة لكل الأمة العربية- الإسلامية، ليكون اليوم خارج المنظومة الحضارية. 
العراق يحتضر ويأبى الإستسلام ، بل لا زال في كل محنة يذكر العالم بأنه مركز الثقافة والحضارة والتاريخ  شاهد.

تناوبت على العراق كل أشكال التطرف:الطائفية البغيضة، داعش   وجنونها الدموي...،لكنك تلمح في كل مكان:الفلسفة والعلم والثقافة في أرقى تجلياتها...

تلمح نخوة العراقي الممزوجة بقيم التسامح والحب والإنفتاح على الآخر. 
هي تمور المحبة والمعرفة والإبداع جعلت من العراق عصيا على كل محاولات طمره حضاريا
و رسالتي كعراقي أضبط انتمائي ضمن معايير الثقافة والإنسانية المتعارف عليها، بأن العراق سينتصر وستنتصر إرادة هذا البلد العظيم مهما يصيبه فالعراق يمرض ولا يموت.

 

 

 

اجرى الحوار

 

الشاعر والإعلامي المالي

عبد الله درامي

 

٢٠٢١/١٠/١٢

جمهورية مالي غرب أفريقيا

 

 

الشاعر والإعلامي المالي عبد الله درامي