loader
MaskImg

حوارات

حوار مع الشاعرة العراقية افياء الاسدي

breakLine

الشاعرة العراقية أفياء أمين الأسدي:
"الشَّاعرُ ابن بيئتهِ و يجبُ أنْ ينتمي لها "

 

حاورها :- حسين المخزومي

خاص بوكالة نخيل عراقي

 

إضافة إلى أن أفياء أمين الأسدي صوت شعري بارز للغتها السلسة و غنائيتها العالية و صورها الشعرية اللافتة فهي تمتلك حضوراً قلّ أن نجد له مثلاً ، إنها بطلة قصيدة و بطلة منصة أيضاً.
أفياء الحاصلة على بكالوريوس الحقوق - جامعة النهرين 
و بكالوريوس آداب اللغة العربية - الجامعة المستنصرية 
و التي مثلت العراق في مسابقة أمير الشعراء سنة ٢٠١٧ فحازت المركز الخامس، تقيم الآن في فرنسا ،حاملة معها مدينتنا بغداد حيث ولدتْ و قصائدها حيث لا يمكن للشاعر أن يعيش دون ذاكرة و مخيلة كأي طير لا يبني عشه من الطابوق أو من القش كما تعبر بشاعرية لاذعة. 
تُرجمت الكثير من قصائدها إلى الانجليزية والفرنسية والاسبانية والفارسية والكردية
و لديها مجموعة شعرية قيد الطبع بعنوان 
"وبكعبي العالي أنام".
و لضرورة التعرف على عالمها الشعري و الإنساني عن كثبٍ أجرينا معها هذا الحوار:-

1- بدايةً متى يشعر الشاعر، بأنه شاعرٌ؟
-لن أتكلم نيابة عن (أل) التعريف في كلمة (الشاعر)، لكنني أستطيعُ تبسيطَ وجهةَ نظري عن هذا الأمر، بأن الشاعر يكون أحداً ما إذا كان حقيقياً على المستوى الإنساني وصادقاً على المستوى الشخصي ومُجيداً على المستوى الفني، فإذا أجاد في الأخير نقد نصّه لحظة الكتابة وبعدها وإذا أصاب وأحسّ بالرضا عن ما كتبهُ وإذا تحلّى بالشجاعةِ الكافية لتمشيط القصيدة وفضّ العالقِ فيها دون أن يستسهل المفردة المُختارة للتعبيرِ عن شعوره، الأمر كثير التشعّب والتفصيل، لكنْ وقتها ربما كانت قصيدةً وربما كان شاعراً.

2- هل سيختلف النص الذي تكتبه المرأة عن النص الذي يكتبه الرجل في نفس الموضوعة؟ وماذا يفوت أحدهما في تلك الحالة ان وجدت؟
-أرى أن الإختلاف مُحتّم، ليس بين المرأة الشاعرةِ والرجل الشاعر فحسب، بل هو اختلاف حتميّ بين كل شخص ونظيرهِ وإن كانا من نفس الجنس، رجلانِ يكتبانِ في ذاتِ الموضوع وبعينين مختلفتين، إمرأتانِ تكتُبانِ في ذلك وتختلفانِ في الرؤيةِ والتحليلِ، هذا أمرٌ طبيعي، وبالتالي فإنّ كلّ مختلفٍ يفوتهُ الإلتفات إلى الزاوية الأخرى, أظنّ أننا نُكمّلُ بعضنا في الكتابة وكأنّ الحياةَ قصيدةٌ طويلة تستوعبُ كلّ المُتشابه والمختلف، وكلٌّ منّا يكتبُ فصلاً في كتابِ الحياة.

3- لو كنت أمام طوفان أخير ينبئ بنهاية العالم، ماذا ستقولين للموجة العالية القادمة نحوك؟
-عندما تأتي الموجة سأجعلها تُعلّمني السباحة، يجبُ أن تُعلِّمنا المِحن كيف نتعاملُ مع أنفسنا قبلَ التعاملِ مع المِحنة، الموجةُ القادمة تحملُ أحلامها أيضاً، إذا لم أتعلم كيف أكونُ جزءاً منها فلا خير لي في مواجهتها، إنها مسؤوليتي أن أؤرّخَ هذه الموجة ولو انتهى العالم ولن يعرفَ عنها أحدٌ شيء، البشريةُ مستمرة، وإلّا مَن يدفنُ الميّتَ الأخير؟!

4- ما شكل الكلمات في النصوص السريّة التي ترميها من نافذة سيارة مسرعة، كي لا يقرأها أحد؟
- أصدِقكَ القول ولو لم يكُن منطقيّاً، ولن أستندَ على المثَلِ العراقي (الكذب المصفّط أحسن من الصدق المخربط).
إنّ كل قصائدي المنشورة وغير المنشورة هي سِرّيّة ومُشفّرة، من عادتي أن لا أكتبَ ما لا أستطيعُ مُشاركتهُ، أعلمُ أنها عادةٌ سيّئة لكنّهُ حُكمُ القَوي ، لذلكَ أُشاركُ كُلّ ما أكتبهُ احتراماً للشِّعر وللقصيدةِ ولقلبي ولقارئي، عليّ قول ما يُشبهني تماماً، وعليّ مُشاركتهُ مع من يشبههُ تماماً، بالإضافةِ إلى ذلك فأنا لا أرمي النصوص من السيارات المسرعة ولا أرمي شيئاً أيضاً، بل أكادُ أكونُ مكشوفةً تماماً أمامَ مَن يملكُ مفاتيحَ أبواب القصيدة التي أكتبها أو حتى مفاتيح النوافذ، قارئي يعرفني تماما كما أعرفُه.

5 - ليس هذا الذي يملأ الأقلام ، ما هو الحبر الذي كتبته به نصا؟
-ببساطة ، حبرُ القصائدِ الألم.

6- لو مشيتِ بغابة تكتظّ بالظلال، بماذا سيتوهج اسمك يا أفياء ؟
-تُوحي مُفردتا (الغابة) و (الظلال) دائماً بالغموضِ والرهبة والوحوش ، وتدعو الليل للدخولِ دونَ طرقِ الباب، أظُنّنا ظلمنا (الغابة) كثيراً وظلمنا (الظلال) الغريبة، ربما كانت الغابةُ تشعرُ بالوحشةِ مثلنا وربما كانت الظلال تشعر بالبرد. إن سِرتُ في غابةٍ مكتظّةٍ بالظلالِ يوماً سأنتمي قبلَ أن ينتمي اسمي.

7 - صفي لي أول لحظة مزقتِ بها ورقة؟
- تُؤلمني هذه الفكرةُ حقّاً، إنّها لحظةُ الولادة، لا أستطيعُ قتلَ جنينٍ من حبرٍ وورقٍ وشعور، ربما لا أُجيدُ الإحتفاظَ بالأوراقِ التي أكتبُ بها: لكنني في ذاتِ الوقت لم أضطرّ يوماً إلى تمزيقِ إحداها، كُنتُ أحتفظُ بكلّ شيء وأتركُ الأيامَ تأكلها، فأفقدِها هكذا، كانتِ الأيّامُ تُمزّقُ الأوراق عني.

8 - ما كان شعورك لحظة صعودك في أمير الشعراء؟
وهل أضافت لك هذه التجربة شيئا جديدا؟
-لقد شرّفتني هذهِ التجرِبة بحَملِ اسمِ العراق وهذا تشريفٌ وطنيٌّ كبير، خاصّةً بعدَ التّصويت الذي أسعدني بمحبّة المُصوّتين أكثرَ من تأهّلنا وقتها، لذلكَ أحسستُ بالمسؤوليةِ طوالَ الوقت، لكنّها كانت تجربةً مُمتعة، أضافت لي على المستوى الإجتماعي أصدقاء قريبين وشعراء حقيقيين من مُختلف بلدان الوطن العربي، فأبقتني هذه التجربة -حين انتهت- على اطّلاع بما يكتبهُ الشعراء ومايؤرّقُ لياليهم أو يستفزَّ شموسهم وما يُشبهني في ذلك، لأقرأَ مُخلِصةً، كقارِئةٍ يُحزنها تفويتُ الجميل.

9- وأنت بعيدة عن البلاد ، ما هي التهويدة التي تقولينها لنفسك ولبغداد كي تهدأي وتنامي؟
-نحنُ نحتاجُ تهويدةً حتى داخلَ بغداد، من مِنّا لا يشعرُ بالغُربةِ داخلَ غرفتهِ الخاصّة؟، بل تحتَ جلدهِ أصلاً، الإحساسُ بالوحشةِ طريقةٌ للشعورِ بالحياة والتساؤلِ عن جدواها، ما فرقُ المكانِ إذا كانتِ الروحُ هائمةً وتبحثُ عن حقيقتِها تحت الأسرّةِ أو في المكتبات وحتى على جبهةِ الحرب؟!
نحنُ أبناءُ الحروب لا نُهَوّد، أظُنُّنا التهويدات.

10- هل اللغة الفرنسية وفرنسا بشكل عام اكتشفت فيك مناطق غير مأهولة بالكتابة والحياة؟
-لأن الشاعرَ ابنُ بيئتهِ؛ يجبُ أن ينتمي لها ، مثله مثل الأرض، فيكونُ جذعاً على نهرٍ ربما أو بيتَ عصافير أمامَ ناعورٍ جديد، وربما كانَ سقفاً من المرمرِ أو نافذةً بمقبضٍ زجاجيّ، سوف ينتمي، سوفَ يكتشفُ أنهُ يبني الآنَ صرحاً داخلَ نفسهِ من المشاعرِ والمفرداتِ والصياغات الجديدة التي تتطلّبها اللغة الجديدة أو حتى اللهجة داخلَ البلدِ الواحد.
أنا أكتشفُ نفسيَ الآن، أحرثُ مناطقَ لم تسِر عليها قدمايَ من قبلُ ولم أُجرّب شمسَها بعد، الشاعرُ وليدٌ جديدٌ لمكانهِ وزمانهِ ، بل يكادُ يكونُ شاهداً مهمّاً وحارساً على بوّابةِ التاريخ، ذلكَ التاريخ الذي يزيّفهُ يومياً كُتّابُ الموت، وأعني رجالَ الدينِ المُزَيفين وذئاب الذمم.
أنا لا أعيشُ في المكان، بل يعيشُ المكانُ فيَّ، كما لا يبني الطيرُ عُشَّهُ من الطابوق، عليَّ أن لا أبني منزلي من القشّ.