loader
MaskImg

حوارات

حوار مع الفنان التشكيلي العراقي المغترب ستار كاووش

breakLine

 

ستار كاووش : "لستُ على شفى حفرة، بل أنا في الحفرة ذاتها"

 


أن تحاور ستار كاووش فذلك يعني أنك تحتج على الضوء،لانه دليل،ان تكون تقليدياً في البحث عن فسيسفاء مدينة كاووش،ذلك يعني أرتباكاً معلناً او تهمة أول ما تشير أليك بها الألوان،

إذ لا يقل ستار كاووش عن كل السماحات العراقية المبدعة، التي أنبتت أنهراً في المنافي، كلاً حسب سراطه الذي رسمه،فإن تستحضر زها حديد، ورفعت الچادرچي، ومظفر النواب،والجواهري،ومصطفى جمال الدين،ومؤيد نعمة،كثيرون لابد من أستحضار، كاووش العالمي،

هؤلاء الذين خاضوا غمار معادلة الأنا والوطن، كان هذا  توهجاً حدا بكاووش إلى تحقيق تفاعل جديد، محمولاً برغبة داخلية للكشف عن ذاته وتوازنها وأعادة بنائها، تعمدها عملية التقابل والتلاقح والاندماج في المجتمع الجديد،سيما البلاد التي لاتنفك رحم أرضها عن ولادة الورد، حيث يشهد كاووش ويهتف ويسطف مع كل غرة يوم تنجب فيها الأرض وردة ولون.

أن تحاور ستار كاووش، ذلك يعني أنك تمسك بقوس القزح تارة، وتصبح طيفاً من أطيافه تارة أخرى،او أنك تتقمص شخصية سيزيف فتزيح الصخرة،وتتنصر على التهم،وترفع الحيف عن الحب، باعتباره مخلوقاً أتهم بالتجسس.

أن تحاور ستار كاووش، فتلك دعوة للتعب اللذيذ،ودعوة للسفر في براق المعجزة الفنية،التي أرسل كاووش لنشرها، علناً،وسماؤه علم العراق،وأرضه العالم كله من أقصاه إلى أقصاه.وهو جزء من خارطة العالم.

وما زال ستار كاووش يطوف بأرض الله الواسعة يحمل حلم الإنسان الرافديني، يحمل هم الإنسان الرافديني  ليستقر براقه العراقي في وطن، يواكيم باتنر، و بيتر أرسين،وايراسموس روتردام،و ياكوب فان كامبن،ومخترع اللعب الشامل في كرة القدم يوهان كرويف، ورود گوليت،وفان باستن،

 

عن الفن والحياة والفلسفة والخطيئة والوطن العراقي كان هذا الحوار :

 

 

نخيل عراقي- بغداد

حاوره / غسان عادل

 


- قررت أن لا اكون تقليدياً معك في الحوار، بعد العثور عليها ترى من يسكن مدينة كاووش؟

ستار كاووش : مدينة كاووش هي بغداد بكل ما تحمله من تاريخ وفتنة وعمق وحضور يسكن القلب،  لقد تركتُ بغداد ورائي قبل ثلاثين سنة تقريباً، كنت محملاً بحلم رؤية مدن العالم المختلفة، لكني تيقنت مع كل خطوة في الغربة، إن بغداد تسكن القلب والروح والعاطفة.  قبيل سفري كنت قد هيئت فكرة لمعرض يحتوي على تقنيات متعدده في الرسم والنحت وتفاصيل ثلاثية الأبعاد. لكني سافرتُ وتركت الفكرة خلفي كأفكار وتخطيطات على الورق. من هنا أستنبط الكاتب خالد مطلك عنوان (مدينة كاووش)  للكتاب الذي كتبه حول سيرتي الفنية. في تلك الفترة التي كنتفيها ببغداد كتبَ أيضاً القاص عبد الستار ناصر قصة قصيرة عني بعنوان (مدينة كاووش) وقد نشرها في مجلة الآداب اللبنانية.

 

- حدثنا عن رحلة أول بورتريت لغاندي؟

ستار كاووش : ها أنت تعيدني الى تفاصيل أكاد أكون قد نسيتها. كنت طالباً في المتوسطة، وكان أبي يحضر لي صور بعض الشخصيات التي يحبها لأتدرب على رسمها بالألوان المائية، مثل غاندي وجمال عبد الناصر وهواري بومدين وفريد الأطرش وغيرهم من الشخصيات الشهيرة. كانت متعتي تتضاعف وأنا أرى علامات الرضا على وجه أبي. في تلك الأيام حاول أبي الإمساك بموهبتي والوقوف خلفي وأنا أتقدم بخطواتي نحو الأمام، ولولاه لما استطعت تجاوز الكثير من العقبات، حتـى جاءت مرحلة الدراسة في الأكاديمية.

 

-كيف يصدق المتلقي للوحاتك، كذبك الأبيض داخل الإطار؟


ستار كاووش : كلنا كذابون ياصديقي، أقصد كل المبدعين لديهم ميول لتجميل الواقع. ألم يقولوا عن الرسم بأنه كذبة بَصَريَّة؟  لكن المهم في هذا الأمر هو كيف أجعل الآخرين يصدقون هذه الكذبات الملونة التي أضعها على قماشات الرسم. كلما كانت لوحتك جميلة، كلما صدقك الآخرين كذباتك وإقتربوا بمحبة من أعمالك. كل هذه اللوحات التي نراها تملأ المتاحف هي كذبات بصرية إخترعها خيال الفنانين ومواهبهم. وفي حقيقة الأمر ليست هناك نساء أو خيول أو عشاقاً أو حتى مناظر طبيعية في كل هذه اللوحات، فما نراه ببساطة ما هو سوى قطع من القماش وُضعت عليها الألوان بطريقة معينة. وهنا يكمن الخيط الأحمر للحكاية، وأقصد إن الطريقة التي نضع فيها الألوان هي المهمة في صناعة العمل الفني، وما الموضوع سوى ذريعة للإستمرار بالرسم.

 

- أنت على شفى حفرة ممن ؟

ستار كاووش : لستُ على شفى حفرة، بل أنا في الحفرة ذاتها، حفرة القلق والبحث والمحاولة للوصول الى مناطق جمالية تمثلني وتمثل رؤيتي الشخصية. عليك أن لا تبقى خارج حدود المنطقة الملتهبة كي تمسك جمرة إبداعك، لذا قفزتُ منذ زمن بعيد وسط الحفرة التي ربما يخشاها الآخرين.

 

-وجدتك متمرداً ؟ هل تجد ان التمرد ضرورة يجب تبنيها من قبل الفنان ؟

ستار كاووش : التمرد شيء أساسي في تجربة المبدع، لكن هناك من فهم التمرد بشكل سطحي، ولا أقصد هنا بالتمرد ان تقول ان تفعل ماتريد، بل تحرث أرضاً جديدة ليكون لديك محصولك الثقافي، حتى وإن اضطررت أحياناً لاستعارة بعض البذور من الآخرين، لكن يجب ان يكون البيدر هو بيدرك في نهاية المطاف. الحرية في الرسم مثلاً، ليست في اختيارات مواضيع معينة للرسم، بل هي تتعدى ذلك الـى الحرية في إختيار المواد والأدوات التي تساعدك في الوصول الى الهدف. التمرد ان تغير الكثير من افكارك لتستوعب افكاراً جديدة،  التمرد في جانب من جوانبه ان تكسر حدود المنطقة التي تعمل فيها، أن تتعلم لغة أو لغتين إضافة الى لغتك الأم. تتمرد على أحادية الذائقة لديك وتُعجب بأعمال الآخرين حتى وان كانت لا تشبه أعمالك بشيء.

 

-متى تجد نفسك غيمة ومتى تجدها بذرة ؟

ستار كاووش : البداية بأي مشروع فني أو معرض أو حتى كتابة مقالة تكون عبارة عن بذرة تحتاج أن تنمو وتورق، لكن عليك الإعتناء بهذه البذرة ورعايتها وسقيها جيداً، كي تكون النتيجة كما تتمنى وتنتظر، أما الغيمة فهي النتيجة النهائية لكل مشروع إن صحت التسمية،  فالفنان بشكل او آخر يحاول ان يمطر ألواناً وتناغمات وخطوط. فإن كانت البذرة هي بداية الخلق، فالغيمة هي الحياة بكل ما تحمله من عطاء وكرم وهدايا.  

 


-هل يعير كاووش ذاته للفكرة؟

ستار كاووش : الفكرة تأتي بشكل عابر في كثير من الأحيان ، عن طريق مقطع من قصيدة أو مشهد صغير من فيلم،  لكن كيف عليَّ أن أجد مرادفاً تشكيلياً لهذه الفكرة؟ كيف أحولها الى عمل بصري؟  وهنا عليَْ أن أنظر الى أية فكرة من زاويتي الشخصية، عليَّ أن افتح النافذة بشكل صحيح ومناسب للإمساك بالأفكار التي تصلح للرسم. عموماً فالأفكار وحدها لا تكفي لصنع الجمال، وهي نقطة انطلاقة فقط، لأن الرسام مبتكر صور بالدرجة الأساس وليس مدون أفكار.

 


- متى تستريح؟متى تغني؟متى تجدك؟

ستار كاووش : إستراحتي الأكيدة هي حين أجلس أمام مسند الرسم،  لا شيء يساوي هذه السعادة التي أشعر بها وأنا أغير هذا الجزء من اللوحة أو أضع هذا الأخضر هنا أو أتوصَّلُ الى تلك النغمة الزرقاء التي بحثت عنها طوال الصباح، وبالنسبة للغناء فأنا أغني من خلال الرسم، فالرسم هو أغنيتي الوحيدة، وهو اللحن الخالد الذي أريد أن اعيش فيه ومعه الى الأبد.  أنا أجد نفسي بالتـأكيد مع بداية كل لوحة جديدة، والأمر يشبه تعلقك بإمرأة تشاهدها لأول مرة، وهنا عليك أن تستعمل كل حيلك الجمالية كي تقترب منها أكثر وتستولي على قلبها.

 

- المرأة في فكر ستار كاووش؟


ستار كاووش: كل خط وكل تكوين وانسيابية وتكور في حركة المرأة هي السحر ذاته،  لاشيء أعذب من هذه الخطوط التي تكونت بها المرأة،  النساء غالباً هن بطلات لوحاتي وحياتي وما أعيشه من أيام، وحتى لو رسمتُ الرجل كثيراً،  فدوره هنا مكملاً لوجود المرأة. اللوحة ذاتها هي امرأة جميلة، بل فتاة صغيرة تشد شعرها بشريط أحمر وتتمايل هنا وهناك. لذا أقول دائماً ان اللوحة لا تحتمل مواضيع كبيرة ومهولة، فهي مثل الفتاة الجميلة التي لا تستطيع الوقوف بوجه دخان الحروب ، لكنها تحلم وتحب أجمل من الآخرين.

 

- من دلك على العاشقان تحت المظلة؟

ستار كاووش: قبل بضع سنوات إستلمت دعوة للمشاركة في بينالي الكويت مع رسامين من أماكن مختلفة، كان على كل فنان منّا إن يرسم لوحة هناك خلال اسبوع ثم تعرض كل اللوحات في قاعة جمعية التشكيليين الكويتين. وأنا في الطائرة متوجهاً للمعرض لم أكن قد هيئتُ فكرة اللوحة التي سأرسمها، لذا قمت قبل وصولنا بساعتين بفتح حقيبتي واخراج والقلم والأوراق، ورسمت دراستين لرجل وامرأة تحت المظلة، ثم اخترت واحد منها ورسمته بعد وصولي، فكانت لوحة عاشقان تحت المظلة. المظلة هنا هي البيت وهي الألفة والمكان الذي يجمع العاشقين. وهذه اللوحة حملت رمزية كبيرة بالنسبة لي.  

 

-متى طرقت أول أبواب الاختلاف ومنه الى التأثير؟

ستار كاووش : في منتصف الثمانينيات توقفتُ أمام مقطعاً شعرياً للشاعر المكسيكي أوكافيو باث يقول (الريشة عصفور حي يرزق) وقتها سحرني الإختصار والتكثيف الذي يقترب من التجريد في هذا المقطع، ومن خلال كلمات باث جاءتني فكرة معرضي الشخصي الأول (سيقان وإرصفة) الذي عرضته في قاعة التحرير ببغداد سنة ١٩٨٧، وفي لوحات ذلك المعرض رسمت فقط أحذية وسيقان الشخصيات وفي حالات  وحركات مختلفة، أردت ان اقول من خلال تلك اللوحات ان الجزء يعوض عن الكل. كان معرضاً مختلفاً عن السائد وقتها ومنه إنطلقت تجربتي التشكيلية.

 


- صف التعبيرية بكلمتين؟

ستار كاووش: مرآة الروح.

 


-هل إن تحديد الثيمة لدى الفنان تقنن بتوقيت دستوري فني خاص به ؟

ستار كاووش : تحديد الثيمة لدى الفنان تتحكم فيها عوامل عديدة تقنية ونفسية، وهناك فنانين رسموا طوال حياتهم نمطاً واحداً تقريباً ومضوا معه بهدوء الـى النهاية، كما فعلَ الفنانين مودلياني وجياكوميني وشاغال وكثيرين غيرهم. وهناك فنانين إنتقلوا كل عشر أو عشرين سنة من مرحلة الى اخرى، لكن هناك خيطاً واحداً يربط  كل أعمالهم، وهذا ما قام به الفنان بيكاسو مثلاً. عليك كفنان ان يكون لديك طابعك الشخصي ورؤيتك الذاتية ومعالجاتك التي تمثلك. والمهم في كل هذا هو أن تقدم عملاً فنياً أخّاذاً يسحب المشاهد من ياقته ويجعله يتوقف أمامه.

 

 

- هل تستطيع المنافي مسح الهوية الثقافية للفنان؟

ستار كاووش : هوية الفنان الحقيقية هي العمل الجاد والإجتهاد ودفع الموهبة نحو مناطق جديدة وغير متوقعة.  المنافي بكل الأحوال سلاح ذو حدين. تبقى هوية الفنان هي إبداعه، بل ان الابداع الحقيقي أكبر من أية هوية أو عرق وإنتماء. أنا مثلاً أكتب عموداً ثقافياً في جريدة المدى باللغة العربية، وأكتب عموداً آخراً باللغة الهولندية في مجلة أتيليه. وهنا يسعدني طبعاً أن يقرأ العراقيون ما أكتب، كذلك رائع أن أرى الهولنديين يشترون مجلة باليت لقراءة ما أكتب.  

 

- حدثنا عن عش التركواز لديك؟

ستار كاووش : إن كنتَ تتحدث عن العش بمعناه الحَرفي، فهذا سيعيدني الى بيوت العصافير التي أصنعها من الخشب بفترات متباعدة، ولا أكتفي بذلك بل أرسم عاشقان دائماً على هذه الأعشاش، وأعلقها على الأشجار أو أهديها للمعارف. بالنسبة لي كل شيء صالح للرسم حتى هذه الأعشاش اللطيفة. الفن في جانب كبير منه عملية بناء، لذا أقول، إِبنِ بيتاً… حتى لو كان لعصفور.

 

- هل تتشابه ولادة أنثى آدمية مع ولادة أنثى من فرشاتك؟

ستار كاووش : الولادة واحدة في الحياة أو في الرسم، وأحياناً تتدخل الأدوار مع بعضها، مثل تلك المرة التي شاهدت فيها امرأة هولندية تشبه لوحاتي كثيراً، فإقتربت منها قائلاً بأنها تشبه النساء اللواتي أرسمهن. فإستغربت قائلة ( كل الفنانين يبحثون عن موديلات يرسمونها في لوحاتهم، بينما أنت تبحث عن نساء تشبه اللوحات التي ترسمها!) وكانت إنتباهة جميلة منها.


- هل أنت صديق السماء؟

ستار كاووش : كل شخص متطلع وطموح وخيالي، هو بالضرورة صديق السماء، لكني أحب السماء أكثر لو كان تحتها بحراً، فالسماء بالنسبة لي هي مرآة البحر. أعيش الآن في مقاطعة فريسلاند شمال هولندا قرب البحر، ربما لهذا السبب عشقت السماء والبحر معاً. في السنوات الطويلة التي عشتها في هولندا، إنعكس لون السماء والبحر على لوحاتي ومنحها هذا اللون الأزرق بتدرجاته وتناغماته المختلفة. السماء هي سقفنا الأخير، وهي مانحة العطايا والهدايا الجميلة.

 

 

وأخيراً هي كلمتك…
لا أعتقد ان هناك كلمة أخيرة بيننا، لأننا سنتواصل من خلال هذا الجمال الذي منحته أسئلتك الرائعة، ونمضي  لصنع الجمال والمحبة ونترك أثراً يحبه الآخرون. وإن كان لابد من كلمة هنا، فهي الإمتنان العميق لك ولهذه الفسحة وهذا الحوار الذي إمتزجت فيه العفوية والجمال والتواصل الطيب. شكراً من القلب.