يعنى بالسرد القصصي والروائي
تحسين علي جبر / كاتب عراقي
ماتت الفتاةُ بسبب البرد. هذا ما قالهُ المسعفونَ للشرطة التي لبّت اتصالاتِ المارّة، والجيران المتوالية. وقبلَ أن يحمل هؤلاء جسد الفتاةِ من على المسطبة الخشبيّةِ المتجمدة، سقطت من يدها قصاصةٌ ورقيّة. قرأها المفوّض نيازي قائد الدورية، وقال للمسعفين: " أتركوا الفتاة.. بل ضعوها كما كانت تماماً!". فوجئَ المسعفونَ بطلبه، ولكنهم أعادوا جسدَ الفتاةِ المتصلّبِ إلى وضعهِ السابقِ بسهولة. وبعدَ أن ركنَ السائقُ سيارةَ الإسعافِ في ركنٍ يتواري تحتَ شرفاتِ المنازل، وأخفت الشرطةُ سيارتها في مكان مقابل، انهمكَ الجميعُ بالتدخين، ولمّا فرغوا، وألقى الجميع سجائرهم، قال نيازي: "سننتظرُ ظهورَ القاتل". كان نيازي يدخّن بشراهةٍ، وكأنّه يفكّر حقاً بأنّه سوفَ يقبضُ على قاتل الفتاة. "ولكن، من يستطيعُ القبضَ على البرد؟". سألَ أحدُ المسعفينَ المفوّضَ نيازي، الذي انفلتت منه حسرة، وأجابَه يقول:" بل إنّي أريدُ القبضَ على الانتظار". كانت ليلةً طويلةً تُركَ فيها جسدُ الفتاةِ أمامَ متحفِ البراءة، منتظراً؛ إذ قالت الرسالة المقتضبة: "سوفَ يأتي الفجرُ، وأكون معك". وانتهت بتوقيعٍ صغير ، قرأه نيازي بصعوبة؛ إذ كان تأريخاً مضت عليهِ سنوات.