loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

باب الآنسة

breakLine

 

نذير الزعبي || قاص سوري

 


​كانت المستأجرة الجديدة تخشـى الغرباء حدَّ العماء، فطلبت من النجار أن يركّب عيناً سحريةً لباب شقتها.
كان الباب الخشبي قد أمضـى حياته ضريراً قبل أن يُمنح تلك العين. صار الآن بوسعه رؤية أصحاب الأيدي التي تطرقه. لقد وجد في أشكال الناس الكثير من الطرافة، إذ كان يظن قبلاً أن الإنسان مجردَ يدٍ تمشي على قدمين.
لقد تعرَّف أيضاً على الكلاب، والقطط، وعربات الأطفال، وأكياس التسوق، ولفائف الصحف، وزجاجات الحليب التي توضع كل صباحٍ على عتبته. والأهم من كل هذا، أنه استطاع أخيراً التعرف على شكله من خلال رؤيته لباب الشقة المقابلة.
لو أن الآنسة تمنحني فماً، كي أستطيع التحدث إليه! فكّر بينما يتأمل الباب الضرير قبالته.
ولو يُمنح هو الآخر فماً كي يردَّ بدوره عليّ..
يحتاج كلٌّ منا إلى أذنين أيضاً وإلا لكان حديثنا بلا فائدة. وكم سيكون امتلاك قدمين أمراً رائعاً، فعندها سيكون بمقدورنا التمشـي في الردهة بينما ندردش، أو حتى نزول الدرج والتعرف على العالم الغامض الذي ينتظرنا خارج المبنى. سنحتاج حتماً إلى يدين كي نحمل الأكياس عند عودتنا كما يفعل السكان.
قد أرافق الآنسة أيضاً في بعض مشاويرها. ألستُ باب شقتها؟ وربما تبادلني الإعجابَ ذات يوم، فتُسكنني معها، وتضع بدلاً مني على شقتها باباً عادياً كهذا المسكين الذي لا يملك حتى مجردَ عين.
كم سيكون أمراً ممتعاً لو..
هنا تقدم نحوه رجلٌ غريب، طرقه طرقتين.
الطرقة الأولى أيقظت الباب من أحلامه. الطرقة الثانية أرعبته.
بات يخشى الغرباءَ حدَّ العماء.