loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

تَساؤلاتِ قَلبٍ تائه

breakLine

 ورود الدليمي
كاتبة وشاعرة | عراقية

 

أسيرُ حافيةً في ساعاتِ القلقِ، فقد مَزَّقَتْ مَساميرُ الفِراقِ فؤادًا أرقَّ من الوَرَقِ. أحيا العذابَ ضعفينِ، إذ سَرَقَ مُحتَرِفٌ وَطني، ثم دَسَّهُ في وِعائي غفلةً، لا يُنسبُ لي الخطيئةَ بقسوةِ مُتزندقٍ، ليحبسني مدى الحياةِ في زِنزانةِ غُرورهِ، ويَسحقَ ما تبقَّى من عنفوانِ أُنثى لِرَجُلٍ لن تَخضعَ.ونَسي أن مكرَ القَدَرِ أجَلُّ وأعظمُ وأقدرُ. يَنهشُ الألمُ في دَهاليزِ الذاكرةِ، أهوى طريحةَ ذِكرى، أُشاطرُها البَصماتِ، تَغزِلُ عالمًا من الشاعريَّةِ، تتشابكُ كخُيوطِ العنكبوتِ. كلُّ خيطٍ يَشُدُّني إلى ظِلالِ سيرةٍ لم تَزَل تَتهادى من عُمقِ الرُّوحِ.
تَسألُني: هل كان الحُبُّ كاذبًا؟ أم أوهامًا؟.. نَشيجُ الليلِ يَصرخُ بحكاياتِ الغيابِ، حيثُ يَشهدُني قلبٌ عَصيٌّ بِقَيحِ المآقي، كأنَّ أَصلابَ المِلحِ على شَفتينِ مَجروحتينِ قد سُجِّلَتْ في كُتبِ الضجرِ. أَشهدُ بكِذبةٍ أُطلِقُ عليها "الحُبَّ"، تلك القصيدةُ التي أَسرَتني بحُروفِها، تَلوحُ لي روحٌ مَصلوبةٌ داخلَ الصَّدرِ، كأنَّها تَكتمُ الأنفاسَ، تُعذِّبُني بشغَفِها. أهيمُ بين هَمساتٍ مَسروقةٍ تُراقِصُ نَجوايَ، تُوقِظُ الحنينَ، وقد أَضحتْ أحزاني صَدغَ ضَجيجِها ما بينَ الأُذنِ والرَّأسِ. ما هذا الزَّيف؟ ما هذه الضَّلالةُ التي تُسقِطُني في التِّيهِ؟.. كلُّ جَريرَةٍ مُتجذِّرةٍ بينَ تجاعيدِ الزَّمنِ تُنسَبُ إلى الحُبِّ، كأنَّها كانت غَرامَهُ دونَ استِئذانٍ، تُمزِّقُني كأعجازِ النَّخيلِ في تَرَّهاتٍ لا تَنتهي. تَتدفَّقُ التَّساؤلاتُ كشَلالاتٍ من الحَيرةِ، حينَ أنظُرُ إلى شُرفةِ الانتظارِ، أرى الهَجرَ يُلوِّحُ بيدٍ مَكسورةٍ، وكابوسَ حُلمٍ مَطحونٍ تحتَ عَجلاتِ قِطارِ الحياةِ، لا يَتوقَّفُ في مَحطَّةٍ، حُروفٌ تتبعثَرُ في الهواءِ. آهٍ، لو عُدنا صِغارًا، أعودُ إلى حكايا الجَدَّةِ، دونَ كِبرياءٍ يُخادِعُني ويَخذُلُني. لَيتَ نَواعيرَ الزَّمنِ تَدورُ عَكسَ الاتِّجاهِ، فكم مِن الآلامِ أَلقَيتُ على عاتقي، لم يَعُد القلبُ يَحتملُ هذا الكَمَّ من الضَّيمِ، الليلةَ، حَلَّقتُ في سَماءِ التَّساؤلاتِ، لم يَعُد هناكَ مَكانٌ للحُزنِ، فالعَقلُ يضِجُّ بعَزفِ الرَّحيلِ. أَكتبُ هَواجسي بحُروفٍ مُغايرةٍ، وكأنَّني أُريدُ نَزعَ جُذورِ حَنظَلِكَ مِن عُمقِ وُجودي، لأخرُجَ من غَياهبِ جُبٍّ صارَ مُؤسفَ النِّهايةِ رغمَ بِدايتِهِ العَبَثيَّةِ. فما زالَ الشِّعرُ يُضيءُ عَتمةَ ليلي، والوَجَعُ يُحاكي البُعدَ عن الحُبِّ، أبحثُ عن جَذوَةِ أملٍ في كلِّ سَطرٍ أَكتُبُهُ. إنَّها حُروفُ الشِّعرِ التي استعمرتني، تُشبهُني، تُعذِّبُني، كشاعرٍ يَلتَصِقُ طَيفُهُ على جِدارِ غُرفتي، كَلِماتٌ تُكتَبُ على حافَّةِ مُنحدَرٍ، تَنتظِرُ مَن يُنقِذُها من صِراعٍ مُريرٍ. نِهاياتٌ مُحمَّلةٌ بالشَّجَنِ لا يُسمَعُ لها إلَّا الأنينُ، أُحلِّقُ حيثُ الأنا، فلا أَجِدُ إلَّا ظِلالًا أَنهَكها الزَّمنُ. عَينايَ شاخِصَتانِ في فَراغٍ لا نِهايةَ له.
رُؤيتي ضَبابيَّةٌ، قدَمايَ ارتكَسَتا بمَنزَلَقِ الهاويةِ، حيثُ الهَلاكُ يَترصَّدُ أَفكاري.