يعنى بالسرد القصصي والروائي
سونيا عبد اللطيف
كاتبة | تونسية
لم أجد ما يخفّف من وطأة وحدتي، وإحساسي بعزلتي الرّوحية عن كلّ من وما حولي، هذه القضبان الكثيفة المحيطة بي عاتية، وعالية، فكيف أكسّرها لأحرّر ذاتي من ذاتي، كيف أستطيع تجاوزها، وأخرج من الظّلمات إلى الضّياء، هنالك في الأفق أضواء تغريني، كم يلزمني من فانوس لأشعله كي ينير لي حلكة الطريق، كم شمعة تكفيني، لأصل حيث الرّوح روحي تناديني، وكم نجمة عليّ قطفها لأجعلها اوسمة على صدري.
هنا، أقف مقيّدة، كأنّ لي وثاقا يشدني، وكأنّ لي عروق طويلة تجذّرت في العمق إلى حدّ العنق، فألفيتَني جذعا يابسا، لا تحرّكه رياح، لا تقلعه أعاصير...
هنا، أشعر أنّي محاصرةٌ من كلّ الجهات، وأنّ ذئابا شرسة، تنتظرني بلهفة الجياع، مُتأهِّبة لافتراسي إذا تجرّأت وتقدّمتُ خطوة، عيونها يتطاير منها الشّرر، ودم قان يقطر من أفواهها.. شيء غريب يحصل معي، لا أفقهه، لا أعرف مصدره ولا سببه، كأنّي أُحسّ بقبضة يد تتّجه نحوي، تمتدّ إليّ، كأنّها تريد انتشالي من براثن الكوابيس، تودّ تحريري من جحيم التّوهان، قبضة يد لا جسد لصاحبها، اليد ناصعة البياض تسبح في الأثير، تحمل قرص شمس صغير، وتحيط بها هالات من الأنوار في شكل دوائر لولبيّة، أراها تقترب من صدري، رويدا رويدا، تفتح أزرار قفص أضلاعي، تفتّش داخله عن قلبي المنهك، تقطفه، ترمّم تجاويفه، تضمّد جروحه، توقف نزيفه وتعالج ندبات الحزن فيه وتمسح عنه تجاعيده المتغضّنة، فيرفّ، وينبض، وتنبثق من جوانبه نور عجيب، يغمر الغرفة الغارقة في الصّنت والسّواد، ينتشر شعاعه في كلْ الزّوايا. يتلاشى الخوف والليل يرتجف. شيئا فشيئا تورق جذوعي، وتبرق في سمائي نجوم، أراني طائر فينيق يحوم في السماء أو براقا يتّجه نحو الإسراء والمعراج.
كلّ الظّلام من حولي يزول.
أنا مصدر شعاع لكلّ من حولي، ونور...